مجلة العودة

 أزمةٌ مفتوحة وحدودٌ تُغلق!

يقول أحدُ المراقبين السياسيين مندهشاً: أتابع أخبار اللاجئين الفلسطينيين في سورية، فأعيد قراءة العنوان... هل هذه أخبار فلسطين أم سورية؟ لقد تساويا في المأساة!!

نعم، فلقد تسارع دخول اللاجئين الفلسطينيين في "مطحنة" الأزمة السورية! 940 شهيداً ومئات المعتقلين وآلاف المشردين داخل سورية وخارجها، وفي كل لقاء معكم عبر منبر كلمة العودة يكون بين أيدينا عشرات الصفحات من التقارير التي ترصد وتوثق وتؤكد الأخبار الواردة من هناك.

شهداء في مخيمات السيدة زينب وسبينة والحسينية وخان الشيح والنيرب والعائدين واليرموك! على امتداد جغرافيا المخيمات وأكثر، وعلى اتساع المسافات وضيق الخيارات! يتواصل النزف ويستمر إحصاء الأعداد!

على حاجز الموت قرب مخيم الحسينية، يتذكر أهل الحي كيف سمعوا "تشهّد" عصام خزاعي ورفيقه بعد أن أوقفهما حاجز عسكري. أوقفهما ثم قتلهما!

 عصام الذي عرفته المخيمات وهو يلصق صور شهداء فلسطين في ذاكرة أبناء المخيمات، بعد أيام قليلة يردي قناص في مخيم اليرموك الباحث والكاتب غسان الشهابي.

القذائف التي تطلق فتردي الناس، والرصاص الذي يستهدف من حاول من قبل إدخال "الطحين" إلى مخيم اليرموك، يتمدد سريعاً إلى أماكن أخرى في أزمنة مفاجئة تعرف الوجع وتبث الرعب، فيتحول إلى شتات داخلي جديد، أو نزوح إلى بلاد أخرى!

تقول المتابعات إنّ آلاف الفلسطينيين وصلوا إلى لبنان وسكنوا في مخيماتها التي تعاني أصلاً من السوء الشديد في البنية التحتية!

نهر البارد الذي لم يتعافَ من جراحه بعد، يعضّ عليها ويستقبل أهله النازحين. وكذلك يفعل البدّاوي شمالاً، وصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة حيث ذاكرة الشهادة وحاضر البؤس. أما في عين الحلوة جنوباً، فلا يأخذ الأمر بعده الإنساني فقط، بل يتعداه إلى مقرَّين لفصيلين فلسطينيين متحالفين مع النظام السوري، يقتحم النازحون غرفه ويرون أنّ الإيواء هو أهم من السياسة الفصائلية العبثية التي قادتهم إلى هذا النزوح الجديد إلى لبنان... الحالة الأكثر التصاقاً بجغرافيا الشتات الفلسطيني القادم من سورية هذه المرّة.

تتعقد الأزمة أكثر، وتصبح مركَّبة وعسيرة؛ فقد أعلنت مصر وقفَ استقبالها للفلسطينيين القادمين من سورية بعد شهور من تعذّر حصول الآلاف منهم على تأشيرة الدخول إلى أرض المحروسة.

بعد أن استقبلت عدة آلاف منهم خلال الشهور الماضية توزعت بهم المدن بحثاً عن ملاذ آمن ولقمة عيش تكفيهم، بل وصلت عائلات إلى أبعد من القاهرة والإسكندرية وما حولهما إلى مرسى مطروح قريباً من الحدود الليبية التي أغلقت حدودها بوجه القادمين الفلسطينيين... أيضاً!

تقودني الأحداث إلى رسم خريطة بالكلمات!! فالأزمة الملتهبة التي لم تحيدهم إيجاباً ولا سلباً، أخذت تلاحقهم حتى في المخيمات التي اعتقد لفترة أنها آمنة، واضطروا إلى الهجرة مرغمين على ترك بيوتهم التي لم يعرفوا غيرها بعد بيوتهم في فلسطين. وها هي الأحداث تعصف بهم. انتشر الخوف من قتل واعتقال، فلم يأمنوا من الخوف، وجاع الأطفال وحاصرهم البرد وسط غياب لأهم مقومات الحياة من كهرباء واتصالات، ففقدوا الأمن المجتمعي، وتهدَّدهم الأمن الغذائي، وبذلك فقدوا أهم ركيزتين لاستقرار المجتمعات.

ومع هذين الخطرين اللذين حاصرا اللاجئين في مخيمات سورية، ضاقت الأرض بما رحبت، وأخذ السؤال يكبر أكثر عن الدور المنشود لحماية اللاجئين من المؤسسات الدولية أو الإقليمية، أو الدول العربية أو الفصائل الفلسطينية في أسئلة تشوبها اللوعة وتحمل في طياتها الحسرة والاتهام!!♦

رئيس التحرير