مجلة العودة

النّورسُ لم يعُد إلى أرض كنعان!

النّورسُ لم يعُد إلى أرض كنعان!
 
 
 أُعدمَ "نورس خالد خلف" ميدانيّاً برصاص الأمن السوري في مدينة درعا. النورس الفلسطيني من سكان مخيم درعا، وهو فلسطيني الجنسية، لم تسعفه رصاصات الإخوة!أن يخبرهم عن حلمه في أن يكونَ نورساً فوق شواطئ حيفا وعكّا ويافا، وإن تضرّج بالدّماء، فليكن بر صاصات الصهاينة، فذلك أسلم لفؤاده وقلوب أبناء شعبه.

أمّا "سمير كنعان"، وهو لاجئ فلسطيني من سكان مخيم حندرات في شمال سورية، فقد استشهد برصاص قنّاص بالقرب من جسر ميسلون في حلب، لم يكن القنّاص أعلى مستوطنة في مدينة القدس، أو بالقرب من برج مراقبة على الطريق الم ؤدي إلى صفد!

أمّا في مخيم العائدين إلى الجنة! فقد ارتقى الغمام دون أن يهطل المطر في أرض الوطن.   
الشهيد "رياض محمود مطر"لم يعد إلى طبريّا كما كان يعد والديه، وكما كان يحلم دوماً حين يتحدث مع أصدقائه؛ فقد استهدفته رصاصات قنّاص وهو في شارع الباص بالمخيم الذ ي يحاول منذ بداية الأزمة أن ينأى بصعوبة عن الجحيم الذي يحيط به من كل جانب.

ولأننا نشتاق إلى الصبح الوليد في فلسطين، ولضحاه المزيَّن بالانتصار، فكم من عائلاتنا سمّت أبناءها وبناتها في اللجوء بأسماء التفاؤل والعودة! لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه؛ فالشهيدة "ضحى محمود أحمد عبد الله" (17 عاماً)، الفلسطينية التي سكنت مخيم الحسينية، استشهدت إثر تعرضها لإطلاق نار وهي داخل منزلها!نعم في منزلها، وهي تخبئ خوفها من رصاصات الألم، وتشتاق إلى صباح تنشر فيه ضحاها على مدائن فلسطين.

قريباً من اسمها وحلمها، في مكانٍ آخر من حكايات الشهادة! وفي ظلمات المعتقل وعتمة الزنزانة، استُشهد الطبيب الخمسيني "بشير صبحية" تحت سياط التعذيب! لم يكنْ في سجن عوفر أو النقب بفلسطين، بل خلف قضبان سجنٍ عربي. بشارة الشهادة ستكون أخفّ وطأة على أهله وذويه من حالات مشابهة دخلت ولم تخرج، ولم يعرف عن مصيرها أي شيء، بشير الذي تاق إلى قريته ترشيحة وكان يُمنّي الرّوح بالعودة، والعين بالانتصار، والجسد بأن يكون مثواه في فلسطين، يكون لقدره منحى آخر ولشهادته حكاية مختلفة.

إنها حكاية الفداء لفلسطينيي سورية، الذين قضوا برصاص الألم، تماماً كالشهيدة "فداء محمود أ بو صيام" التي عرفت مقبرة الشهداء في مخيمها "اليرموك"، المقبرة التي دفنت فيها، المقبرة التي احتضنت أجساد كواكب من الشهداء على مدى العقود الماضية. أما هذه المرّة، فكان للشهادة تفصيل مختلف، ومقدمات غير التي عرفها الفلسطيني خلال السنوات التي انقضت.

اختلفت أسما ؤنا في سورية، وتعددت الحكايات، لكنّ الحصار كان واحداً، وكانَ الموتُ واحداً أيضاً، فضاقت الأرض بالمشرّدين المهجّرين، واختنق الفضاءُ بدخان الحرائق، ووصلنا بعد عامين إلى مأساة جديدة من مآسي الفلسطيني في جغرافيا الشتات؛ فالنّورس لم يعد إلى أرض كنعان!

 
 

رئيس التحرير