مجلة العودة

كلمة العودة :المخيم الفلسطيني... رمز القضية فلا تتركوه

المخيم الفلسطيني... رمز القضية فلا تتركوه
 

لماذا يظل المخيم الحلقة الأضعف من وجهة النظر السياسية؟ لماذا يكون هو الرحى التي تُطحَن بها بذور الصراعات المتلونة الدوافع والمبررات؟ ولماذا يدفع المخيم الفلسطيني ضريبة كل ذلك من رصيد دماء أبنائه واستقراره؟ ومن بنيان صموده وأركان بيوته؟

الخيمة التي عبثت بها رياح الساسة والسياسيين منذ أكثر من ستة عقود شرقاً وغرباً، ولم تستطع أن تقتلع أوتادها، هي الخيمة ذاتها التي تكوّنت بعد ذلك من "الزنكو" و"الخشب" و"الأسمنت المهرب" ليقي الفلسطيني شيئاً من الرصاص المسكوب على رؤوس أبنائه!!

يختصر المخيم الحكاية. يختزل القضية في عنوانه واسمه. وفي تفاصيل السطور تنزف الحروف على دروب الهجرة واللوعة. تكبر الأسئلة في شفاه أبنائه المقتلعين أصلاً من وطنهم: لماذا نحن؟ ولماذا لا يكون لنا نصير؟ ولماذا يكون دم المخيم هو المباح المستباح؟ ويظل أهله على بدء فصل آخر من فصول الشتات؟!

 تعصف الرياح مرات ومرات بالخيمة. يقف الفلسطيني على بابها يلوّح للشمس التي تزاور عن خيمته ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم في جوفها يتقلبون على أرض الحسرة، وتشتعل على صخور دروبهم نار الانتظار!!

لماذا يصر الساسة على رؤية المخيم بهذه النظرة التي تجذرت في أرض الشتات وجعاً مقيماً مخيِّماً في مخيمات الصبر والمصابرة؟

لماذا لا يقدَّر للمخيم إلا أن يكون عنواناً للظلم، ومساحة للظلمات؟

لماذا لا تقترن حروف المخيم في قاموس الساسة إلا بالأوجاع المزمنة لأهله، فيقرنوا ميم المخيم بميم المصائب، والخاء بالخيبة، والياء باليأس المقيم؟

ولماذا لا يزغرد الرصاص ابتهاجاً بالعودة والانتصار، ويظل يحلق فوق رؤوس اللاجئين أينما كانوا وأينما حلوا؟

المخيم الذي صيغت منه رواية الصمود الفلسطيني، التي لا يعبأ الساسة بتفكيك سطورها سطراً سطراً وحرفاً حرفاً.

المخيم الذي خرج أبناؤه إلى حدود الوطن بعد أكثر من ستة عقود من محاولات المحتل وأدواته على غسل ذاكرة المكان والزمان والشخوص، والاستيلاء على كل ما يحاول المخيم استرداده من هوية وتاريخ ووطن، هو الذي تزنر بالغضب في ذكرى النكبة وأوجاع النكسة فخرج عن صمته، وسار أبناؤه إلى الحدود ليعلنوا أن المكان المكبل بالخذلان لا يسري على أبنائه زمن النسيان.

المخيم الذي يمثّل شوكة في حلق الاحتلال، لا يزال يتيماً، يشكو فقدان الأب، وثكل الأم، وظلم ذوي القربى، وسياط الاحتلال.

ترتفع الصرخات التي تطالب بالعودة، فلا تجد لها في فضاء الكلمات المطرزة بالحق في العالم إلا تعاطفاً شكلياً سرعان ما يذوب، كبيت بني من رمل على شاطئ بحر فالتقمه اليمّ!! أو كنهرٍ لم يسعف من استنجدوا بمياهه فأماتهم ببرودة نخوته ونصرته!!

لقد طالت أعوام الرمادة الفلسطينية، وأصبح المخيم عنواناً لهذه المجاعة السياسية الإنسانية.

هذا زمانٌ ليس للكلمات، هذا زمانٌ لفتح طاقة في سد الظلم المحيط بكل خيمة، لعل ذلك يفتح للعودة باباً طال انتظار الدخول إليه...

 

رئيس التحرير