مجلة العودة
بلاد العرب أوطاننا..  ونعيش في خيمة
 

بمداد الدم نسطّر فصول حكاية اللاجئ الفلسطيني؛ فقد أصبحنا هذه الأيام نكتب على الجراح، ومن الجراح. صار الدم مدادنا، وصار الحزن رفيقنا الدائم يتجول معنا بين أطلال مخيمات كانت تاريخاً وتراثاً

تحاصرنا أسئلة الصغار، والكبار أيضاً: ماذا يجري حولنا؟ بل ماذا يجري في داخلنا؟ وإلى متى هذا التيه في الرمال المتحركة؟!

في القلب غصة، وفي العيون تزدحم الدموع. تتجمد؛ فقد أصبحت «الدمعة أكبر من

مساحة الأجفان»، وصار الحب ذكرى، والأمسيات لتقبّل التعازي!

كنا مأخوذين بماضينا المشرق المتوهج، وكنّا نفتخر بأجدادنا الأوائل، وكانت وجوهنا تتوهج إشراقاً ونحن نتحدث عن وطن عربي يتسع لكل الجروح ويحتضن كل الآهات

بعد أكثر من ستة عقود خلت لا يزال اللاجئ الفلسطيني يشعر بالخوف والخجل معاً؛ فقد ضاعت الحروف في زحمة الموت، وغاصت الأبجدية في بحر الدماء.

يشعر بالخوف لأنه اكتشف أنّ كل المساحات الشاسعة في الوطن العربي ضاقت به.

ويشعر بالخجل، لأنه وجد نفسه عاجزاً عن تفسير ما لا يفسر، وعن إقناع صغاره بأنّ كل ما قاله لهم عن ماضٍ زاهٍ كان حقيقةً وليس خيالاً؟

ولسان حاله يقول: "لم أكذب يوماً عندما حدثتهم عن أمجادي، أمجاد أجدادي، وعن أننا كنا أصحاب حضارة راقية هي حضارة الإنسانية جمعاء!

وهنا نتساءل نحن: ماذا نقول؟ هل نقول إننا نستمد من الموت والدم موضوعات ندوّنها بكل الألم والحزن والقهر على هذه الصفحات كل شهر؟!

يخالجنا شعور بالخجل. يحتل روحنا، ونحن نعترف أمام الجميع بأنّ الدم صار مدادنا، حبرنا الذي نرسم فيه كلماتنا ونشعر بما هو أكبر من الحزن. ونحن نرى وطناً رائعاً أبوابه مشرّعة للغريب مقفلة في وجه أخوة الدم.

ولكننا، كما نحن دائماً، نشعر بالألم ونعيش فيه. إلا أننا لم نتخلّ عن الأمل؛ فنحن أكبر من الجراح والغدر والحزن... والفرح آتٍ على جناح الآلام، وسنعود إلى حلمنا... إلى وطننا الحبيب... أرضنا المعطاء وشعبنا الطيب... ولو طال الزمن.♦



التحرير