مجلة العودة

الشاعر الصهيوني عندما يكون محارباً

الشاعر الصهيوني عندما يكون محارباً

د.حسن الباش

ليس من المستغرب أن نرى العديد من الشعراء الصهاينة ينتسبون إلى حركات صهيونية متطرفة كحركة كاخ أو هتحبا أو غوش إيمونيم. فهذه الحركات لها التأثير الفاحش في تسيير الاتجاهات العنصرية المتطرفة في الكيان الصهيوني. إلا أن ذلك لا ينفي أن هذا الكيان يقوم كلية على نظرية عنصرية وعلى مستوطنين عنصريين.
اتجاهات الإرهاب الدموية برزت بروزاً فجاً في النتاج الشعري الصهيوني الذي احتضنته وتحتضنه التيارات المتطرفة والأكثر دموية في الكيان. وهو إذا ما قابلناه بالنتاج الشعري الذي كتبه صهاينة يساريون أقل حدة وأقل تطرفاً من أعضاء المنظمات الإرهابية اليهودية المعروفة.
بين أيدينا قراءة لشاعر صهيوني يُدعى أبشالوم كور، وهو صهيوني متطرف أفرزته حركة كاخ ورباه الحاخام المقتول مائير كاهانا. هذا الشاعر كان جندياً محارباً في الجيش الصهيوني عندما اجتاح جنوب لبنان ووصل إلى حصار بيروت عام 1982م.
يعترف الشاعر بأنه شارك في عمليات القتل والذبح، وعندما انتهى الاجتياح ورجع كما رجع غيره إلى الحياة المدنية، كتب عدة قصائد تعبيراً عمّا يكنّه من إجرام وإرهاب بحق الفلسطينيين، وقد وصف في بعضها القتل والدمار الذي حل بالشعب الفلسطيني، ولم يخل كلامه من التحريض المستمر على القتل والإرهاب.
في ملحق صحيفة معاريف الصهيونية الأسبوعي بتاريخ 2/7/1982م ينشر (كور) قصيدة بعنوان (لو كنت قائداً لجيشنا الأسطورة)، وكغيره ممن يلعبون بالكلمة في الكيان الصهيوني، يطالب بمزيد من الدماء والذبح والقتل. وهذه الظاهرة تكشف لنا عن طبيعة ردود الفعل بعد الأزمات التي يمر بها الكيان. فهي ردود أفعال تنشاً عن قصيدته: الجماعية الصهيونية التي تكتسح الجمهور المستوطن فلا تجعله يفكر أكثر من مرة ولا تتركه يفكر إلا في اتجاه واحد هو اتجاه الإرهاب والجريمة.
يقول (كور) في مقدمة قصيدته:
لو كنت قائداً لمنطقة بيروت المحاصرة والمختنقة
لصرخت في وجه كل أولئك
الذين يطالبون بإعادة المياه
ويطلبون بإعادة الدواء والطعام إلى المدينة المحاصرة
لا يتوقف كور عند حد الصراخ؛ فهو كغيره ذو مزاج مختلف، وعمله يقتضي أكثر من الصراخ والصوت وأكثر من الصدى. يطالب بالقتل، غير أنه يطالب بأكثر من وسيلة ليحصل على أكثر من هدف.
لو كنت قائداً لجيشنا العظيم
لزرعت الموت والدمار
في كل المزارع والشوارع
في كل المساجد والكنائس
فهي كذلك طبيعة الصهاينة. فمنذ عُرف دعاة العبرانيين ألصقوا بأنفسهم حب الذات والاستعلاء وعدم الاعتراف بالشعوب الأخرى. ولعل دعوة الشاعر إلى زرع الموت والدمار في المزارع والمساجد والكنائس ينمّ عن طبيعة التركيبة النفسية الصهيونية. وينمّ أيضاً عن حقد على العقائد جميعها، تلك العقائد التي تحب السلام وتدعو له، بينما اليهودية الصهيونية تدعو إلى القتل والاستعلاء. ولعل ذكره للمساجد والكنائس يفصح عن عالم العداء اليهودي لرمز السلام ورمز المسيحية. فهو ليس ضد وجود المسجد كمسجد، إنما هو ضد المضمون الذي يعني بالتالي أنه عدو لكل شعارات الإسلام ورموزه. وما ينطبق على المساجد، ينطبق على الكنائس أيضاً. والتوراة التي هي أساس الإرهاب في التفكير الصهيوني تدعو إلى قتل كل ما عدا اليهود أو إذلالهم أو استعبادهم.
وبسبب من عقدة التفوق الموهوم، يستخدم الشاعر كور في مقاطع أخرى من قصيدته أسلوب التحريض الجماعي؛ فهو يثير الصهاينة ويحرضهم على مزيد من القتل، وكأنه يضع المسلمات التي تتيح إنتاج عصبية دموية مميزة.
هل يرحلون من المدينة
المحاصرة المختنقة
إلى أين سيرحلون
هل يسكنون عندنا
في بيت الطفولة في (مسكاف عام)
أو أنهم يسكنون عند أسواق (معلوت)
أولئك القتلة لا مسكن لهم عندنا
فهنا تنقلب المعادلة. المستوطن المحتل يرفض أن يخلي المستعمرة. ليس غريباً أن يقول ذلك؛ فهذه هي طبيعة الصهيونية المستعمرة. لكن الشاعر كور الذي يثير الصهاينة على العرب لا يجد مكاناً للفلسطينيين يعيشون فيه. فلذلك هم في نظره شعب زائد أو فائض عن طاقة البشر، وهذا يذكرنا دوماً بمقولات منظري الحركة الصهيونية أمثال هرتزل، جابوتنسكي، نواردو ووايزمان.
ولأن الفلسطينيين شعب زائد، حسب الرأي الصهيوني، فلا بد من أن يجد كور طريقة للتخلص منه، وليس أفضل من القتل في نظره:
اليوم في حملة سلام الجليل
سنسفك الدماء الكثيرة
ونقتل الأطفال والنساء والشيوخ
لا رحمة لهم عندنا
لا وجود لهم في عالمنا
ولم تكن مذبحة صبرا وشاتيلا والمذابح التي يقيمها الكيان الصهيوني الآن صدفة في التاريخ؛ فأمثال هذه المذابح كثيرة، وكور في المقطع السابق يطالب بالمذبحة المستمرة كما طالبت فيها الشاعرة نعمة شمير والشاعر يوناثان غيفن. والصرخات هذه وشبيهاتها ظلت وستظل تنادي الجيش العنصري بمزيد من القصف. وفي نظرهم العرب أعداء مميزون، فيجب عدم السماح لهم بالرحيل عن بيروت، ويجب دخول المدينة وتصفيتهم:
لو كنت قائداً لجيشنا الأسطورة
لما تركتهم يرحلون
من المدينة المختنقة المحاصرة
والصهيونية حين تجند أصحاب الكلمة في الكيان الغاصب لا تجد أفضل من الذين يشذون. فكل أصحاب الكلام الفج أمثال كور لا يعرفون القيم ولا يعترفون عليها، حتى تلك التي تعيش عليها جماعات اليهود المتدينة. إنهم يجندون فقط في أزمات كهذه ينشرون الكلمة الموجهة والمحرضة والمنتقاة لتصل إلى أسماع المستوطنين، فتثيرهم حقداً وتشعل في نفوسهم حب القتل وسفك الدم من دون حساب.♦