مجلة العودة

من صحافتهم: بين فوكوشيما وديمونا - عباس إسماعيل

بين فوكوشيما وديمونا

عباس إسماعيل/ بيروت

إذا كانت آلاف الكيلومترات التي تفصل جغرافياً بين مفاعلات فوكوشيما في اليابان، ومفاعل ديمونا الإسرائيلي في النقب المحتل، تحول دون وصول الإشعاعات النووية إلى الدولة العبرية، إلا أنها لم تحل دون وصول «إشعاعات القلق» من مغبة تعرضها لخطر مماثل جراء حصول تسرب من مفاعل ديمونا النووي، لأسباب عديدة أهمها تعرض المنطقة لهزة أرضية قوية.

هذا القلق وجد مكاناً له في مقالات وتحليلات عدد من الكتاب الإسرائيليين الذي حذروا من تكرار حادثة فوكوشيما في ديمونا، مشيرين إلى أنه إذا كانت أكثر الدول تطوراً وتقدماً في العالم لم تنجح في منع التسرب، فضلاً عن الصعوبة البالغة في السيطرة عليه، فكيف والحال أن «إسرائيل» لا ترقى إلى المستوى الياباني لا سيما في ظل نقاط الضعف الكثيرة التي يعاني منها مفاعل ديمونا سواء لجهة قدمه، أو موقعه الجغرافي على الفالق الزلزالي السوري الأفريقي، فضلاً عن سياسة الغموض النووية الإسرائيلية وعدم توقيع «إسرائيل» معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، ما يجعل مفاعل ديمونا خارج أي رقابة دولية.

في هذا السياق، تطرقت صحيفة هآرتس، في افتتاحيتها، إلى «العطل النووي» في مفاعل فوكوشيما، والدرس المستقى منه، فأشارت إلى أنه من بين كل دول العالم، واليابان تحديداً، ضحية القنبلتين الذريتين الوحيدتين اللتين القيتا في حرب، توجد مرة أخرى في خطر نووي.

وقالت الصحيفة إنه إضافة إلى التضامن الإنساني مع معاناة اليابانيين، والخوف من تأثير رد الفعل المتسلسل الاقتصادي على العالم وعلى المنطقة، ترتسم في الأفق عبرة كئيبة من قضية التسونامي وفوكوشيما. فاليابان، البلد الصناعي الأكثر تقدماً، هي ضحية التقدم.

وحذرت هآرتس من أن «الشيطان النووي خرج من المفاعل»، وأضافت أن اليابان، هذه البلاد، الجائعة جداً للطاقة، التي تطلعت إلى تقليص تعلقها باستيراد النفط، اكتشفت أن البديل الذي يُعَدّ نقياً، آمناً ومحصناً من الحظر الخارجي، يحقق المخاطر التي دُفعت بعد عشرات السنين إلى هوامش غير عملية مزعومة.

وتطرقت الصحيفة إلى العبرة التي يتعين على «إسرائيل» استخلاصها من الحدث الياباني، فقالت إنه «في السياق الاقتصادي، ستكون هذه نتيجة كئيبة من ناحية «إسرائيل»، إذا ما ازداد تعلق اليابان وغيرها بنفط الشرق الأوسط. يجدر بـ«إسرائيل» أن تسرع المساعي للاعتماد على مصادر طاقة أخرى كالشمس والريح، وأن تفحص جيداً ومجدداً اقتصادها النووي- الأمني والمدني على حد سواء – في ضوء فوكوشيما».

من جهته قال يوسي ملمان، معلق الشؤون الأمنية في صحيفة هآرتس إن الجواب عن السؤال عما إذا كان ثمة خطر بحصول كارثة مماثلة في المفاعل النووي بديمونا، هو جواب متداخل. فعلى الرغم من أن المفاعل في ديمونا أصغر بما لا يمكن قياسه من المفاعلات في اليابان، إلا أنه بسبب قرب ديمونا من الفالق السوري الأفريقي، المرشح لتعرضه لهزات أرضية، تُعدّ «إسرائيل» منطقة أقل عرضة لضرر الهزات من اليابان.

مفاعل فرنسا، بُني في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وهو أقدم بعشر سنوات من المفاعلات وتطرق ملمان إلى المصاعب التي تواجهها «إسرائيل» في صيانة مفاعلها، لأنها غير موقعة على معاهدة منع انتشار السلاح النووي، وترفض السماح لمراقبين دوليين بزيارتها، الأمر الذي يجعل معظم دول العالم ترفض التعاون معها في مجال صيانة المفاعل.

في السياق ذاته، سألت عيريت غال في يديعوت أحرونوت، عما إذا كان أعضاء لجنة الطاقة الذرية في «إسرائيل»، وعلى رأسهم رئيس الحكومة، سيُشركون الإسرائيليين بحقيقة ما يحصل، في حال حصول عطل في مفاعل ديمونا.

وترى غال أن معقولية ذلك متدنية جداً، لأن دولة «إسرائيل»، التي تصر على سياسة الغموض النووية الخاصة بها، لديها الكثير جداً لتخفيه.

وبحسب غال، من المعقول الافتراض أنه إذا حصل حادث نووي، فسيكون الوقت متأخراً جداً لتغيير سياسة الغموض النووية. وقالت إنه منذ بناء المفاعل في ديمونا في مطلع الخمسينيات، بدا أن كل «البقرات المقدسة» قد ذُبحت ما عدا «البقرة الأكثر قداسة»، السياسة النووية. فالإسرائيلي العادي لا يحاول، بحسب غال، كسر التابو النووي، والأخطر من كل شيء هو غياب التمييز بين الأمن القومي وسلامة المواطنين. ورأت أن سياسة الغموض التي رفعت راية أمن «إسرائيل»، جرفت معها على نحو مطلق حق الجمهور في الحصول على معلومات عن مقدار الأمان في المفاعل، وعن طريقة حفظ النفايات النووية المطمورة في أرضه.

وقالت غال إنه فيما تُجري معظم دول العالم المتحضر، التي يوجد على أراضيها مفاعلات نووية، نقاشاً علنياً طوال العقد الأخير ييتناول موضوع سلامة مفاعلاتها وأمانها وطريقة حفظ النفايات النووية، يسود الصمت بين سكان «إسرائيل». ويمكن إرجاع الفضل في نجاح إسكات الإسرائيليين إلى المسؤولين عن الموضوع النووي في «إسرائيل»: «أعضاء لجنة الطاقة الذرية» وعلى رأسهم رئيس الحكومة، بفضل رفضهم توقيع معاهدة حظر انتشار السلاح النووي.

وسألت غال: «هل يُعقل أن سياسة الغموض النووية، التي رمت من البداية إلى حمايتنا من الإبادة التقليدية، هي ما يُعرض أمننا للخطر وينتج إمكانية حصول كارثة من نوع آخر؟».