مجلة العودة

المهدُ العربيّ بأحضان الناصرة العربيّة!

المهدُ العربيّ بأحضان الناصرة العربيّة!

الناصرة - آمال رضوان

استضافت الجمعيّة الخيريّة الأرثوذكسيّة في الناصرة بتاريخ 8-4-2012 د. سميح غنادري بمؤلّفه الجديد "المهد العربيّ"، وسط حضور من رجال الدين والمثقفين، وقد افتتح اللقاء السيّد فؤاد فرح رئيس الجمعيّة الخيريّة الأرثوذكسيّة بكلمة ترحيبيّة بالحضور، باسمه وباسم الجمعيّة الخيريّة الأرثوذكسيّة التي نظّمت هذه الأمسية الثقافيّة، وتحدّث بنبذة قصيرة عن الجمعيّة ومشاريعها ونشاطاتها وما تقدّمه، على أن تلقى الجمعيّة الدعم الدائم من قِبل أبناء الطائفة ومؤسّساتها، حتى تواصل خدماتها على أكمل وجه.ويُبرز الكتاب موقف الإسلام من المسيحيّة بالاعتماد على النصّ القرآنيّ وشتى الاجتهادات الفقهيّة، وممارسات الحكّام، وامتازت الحياة المشتركة في الشرق بين المسلمين والمسيحيّين بالتسامح والتعاون معًا لبناء حضارة شرقهم العربيّ، الذي لم يعرف لوثة الطائفيّة عبر تاريخه الماضويّ، إذ إنّ أرض العروبة مهد للمسيحيّة، والمسيحيّة عاشت في ظل الإسلام العربيّ بدون حروب طائفيّة على مدى قرون، منذ القرن السابع الميلاديّ وحتى اليوم.
لقد اختارت الجمعيّة الخيريّة الأرثوذكسيّة في الناصرة، ومن باب حرصها على الوحدة الوطنيّة لشعبنا على اختلاف دياناته وطوائفه، أن تبدأ نشاطها الثقافيّ والتثقيفيّ بعقد ندوة عن هذا الكتاب، إذ يعرف الجميع أنّ هنالك قُوى هنا وفي العالم العربيّ، تحاول أن تُسعِّرَ الخلافات والاختلافات الدينيّة، وأن تتنكّر لأصالة ودوْر العرب المسيحيّين، وبهذا هي تعتدي على كلّ الأديان وعلى الوحدة والتعاون والتفاهم والتسامح بين أتباعها، فالأديان بريئة من المتعصّبين المُتاجرين بها.
وجاء في محاضرة د. سميح غنادري قوله إنّ هذه هي الندوة الخمسون في الناصرة عن الكتاب "المهد العربيّ"، وقد صدرت أربع طبعات من الكتاب خلال سنتيْن ونصف، وهذا أمر غير مسبوق لا في البلاد ولا في العالم العربيّ! لماذا؟
لقد عملتُ على الكتاب على مدى 3 سنوات لساعات طويلة يوميًّا، ولكن لا أعيد نجاح الكتاب لي ولجهدي الشخصي، وإنّما يعود نجاح الكتاب في المكتبة العربيّة، إلى القلق غير المسبوق لدى العرب المسحيّين في الشرق على الوضع القائم، بمعنى؛ محاولة غربة وتغريب المسيحيّين عن الشرق وعن العروبة، وعن انتمائِهم العروبيّ، وكأنّ المسيحيّة جسم دخيل على العرب، ومن ثمّ محاولة تطييف الدين، بمعنى الطائفيّ، وتحويل الدين لصرعات طائفيّة. هذا القلق الموجود هنا وفي العالم العربيّ هو السبب الأساسيّ في نجاح الكتاب ، الذي حاول تقديم الأجوبة من خلال سرد تجربة تاريخنا المشترك.
عنوان الكتاب "المهد العربيّ"، فالمهد هو الإشارة للمسيحيّة، والعربيّ أي المسيحيّة في كلّ العروبة، المسيحيّة المشرقيّة والمسيحية العربيّة.
على غلاف الكتاب لوحة، ومَن هو مُطّلعٌ على الفنون سيلتقطها بسرعة، فاللوحة أرابيسك؛ أي الفنّ العربيّ الإسلاميّ مرسومة بالموزايكا الفسيفساء، والفسيفساء هي الفنّ المسيحيّ البيزنطيّ، فالأرابيسك والفسيفساء وتداخلهما مع بعضهما هو شرقنا، شرقٌ مسيحيّ مسلم، ومهدُ المسيحيّة ومهدُ كلّ الأديان، ولا يمكن التعامل مع المسيحيّة كخارج عن ثقافة الشرق، وخارج دوْرها في هذا الشرق، وشرقنا "مسليحي".
هذا هو المنطلق الأساسيّ، ولهذا نستطيع القول بأنّ الرسالة تُقرأ من عنوانها، ويمكن أيضًا أن يُقرأ الكتاب من عنوانه ومن غلافه.
هذه هي الفكرة الأساسيّة التي أقلقتني، وكي تثبتها، يمكن أن تكتبها بمقالة أو بموضوع إنشائيّ، ويمكن أن تصرف ثلاث سنوات، ومن مصادرَ عربيّةٍ تراثيّة قديمة، تجمع مثل النملة حبّة حبّة، فقضيّة المعلومات المؤثرة والتورّط في هذه المصادر وبهذه البحوث صعبة، فالأغاني للأصفهاني 16-18 مجلد، ومن خلال التقليب والتنقيب تصل إلى معلومة تقول: كان هذا الشاعر مسيحيًّا، وعاش في الجزيرة العربيّة، و... هكذا في سائر كتب التاريخ.
أردتُ أن آتي بالمصادر الأساسيّة الأولى، حتى لا يستطيع أحد أن ينفيها أو يفنّدها، وما يُفرحني وقليلا يزعجني، أنّه لغاية الآن لم تصدر مقالة نقديّة تطعن بالكتاب، ولم يستطع حتى أصحاب التيّارات الأصوليّة المتعصّبة أن يطعنوا بحقيقةٍ معيّنة موجودة في الكتاب، فكلّ ما صدر كانت مقالات تقريض نقديّ إيجابيّ.
هذه المقدّمة التي قلتها، هي عمليًّا جوهر الكتاب، وإذا دخلنا في صلب الموضوع فأقول بجملةٍ واحدة: إنّ للسيّد المسيح وللمسيحيّة جغرافيا وتاريخ، فحسنًا نفعل، إن نغرسْ هذه الجملة في رؤوسنا ونُذوّتها في دواخلنا ونستوعبها ونُذوّبها في دمائنا، فجغرافيّة وتاريخ المسيح هي بلاد الشرق والبلاد السوريّة وفلسطين، البشارة كانت في مدينة الناصرة، وسار على الماء وبشّر في بحيرة طبريّة، وتجلّى في جبل طابور، وصُلِب ودُفن وقام في القدس، والتقى بتلاميذه في الجليل.
ليست المسيحيّة نبتة غريبة عن الشرق، إذ إنّ الشرق هو مهدها ووطنها وتاريخها، والمسيحيّون العرب في الشرق اليوم هم أحفاد المسيحيّين العرب الأوائل، فمنذ القرون الثلاثة الأولى للمسيحيّة، كان في بلاد الشرق ثلاثة مراكز أساسيّة للمسيحيّة، تشكّل عواصم للمسيحيّة قبل أن تصبح أثينا أو القسطنطينية عواصم للمسيحيّة، منها: نجران في اليمن، الحيرة في العراق، والجابية في الجولان. هذه المدن العربيّة المسيحيّة الأولى في هذه المنطقة، وفي اليمن صارت مملكة مسيحيّة، المملكة الحميريّة من آل الأحمر، وحتى يومنا هذا هناك آل الأحمر في اليمن، ونجران في العراق فيما بعد بنَوا الدولة النجرانيّة، أو المتعارف عليه دولة المناذرة، ومن منطقة الأنباط في جنوب الأردن حتى دمشق شمالاً ومرورًا بفلسطين قامت دولة الغساسنة، وقبلها دولة الانباط، وبعد الغساسنة دولة تدَمُر.
وهل المسيحيّون العرب الأوائل كانوا بغالبيّتهم من القبائل المدنيّة، بمعنى أنّها عاشت في مراكز ومدن أساسيّة ومتطوّرة، وأقامت دولاً باصطلاح اليوم، وباصطلاح تلك الفترة كانت تسمّى إماراتٍ وممالك، مثل المناذرة والغساسنة والحميريّة وتدْمُر والأنباط وغيرها. ♦