مجلة العودة

مجزرة قرية عيلوط قضاء الناصرة

مجزرة قرية عيلوط قضاء الناصرة
بل مجازر.. ولم تؤثر في تجذر أهل القرية بالأرض
 

أحمد الباش/ دمشق

عِيلوط بكسر العين وضم اللام، كلمة سريانية بمعنى القمة أو المرتفع.

تقع قرية عيلوط على بعد خمسة كيلومترات شمال غرب الناصرة، وترتفع 300 متر فوق سطح البحر. يتوسط موقع القرية الطريق الواصل بين قريتي صفورية ومعلول قضاء الناصرة.

مساحة أراضيها 13390 دونماً منها 30 دونماً تشكل مساحة القرية. بلغ عدد سكان عيلوط عام 1945نحو 1310 نسمات، كانوا يسكنون 165 بيتاً، سقطت هذه القرية بيد العصابات الصهيونية في 16/7/1948.

في مثل هذه الأيام من شهر آب عام 1948، كان أحد رجال قرية عِيلوط يرعى غنمه بين أحراش قريتي صفورية وعيلوط، ففوجئ بثلاث عشرة جثة هامدة أمامه، أصبحت هياكل عظمية أكلتها الوحوش والطيور الجارحة. أخبر هذا الراعي أهالي قريته، فهبوا إلى المكان وتعرفوا إلى الجثث من لباسهم، كانوا أبناءهم الذين خطفتهم العصابات الصهيونية قبل أيام.

عدة مجازر

لم تكن مجزرة واحدة، بل كانت عدة مجازر نُفذت بحق أبناء قرية عيلوط الحزينة.
ففي10/7/1948 دخلت عصابات القتل الصهيوني القرية وقامت باختطاف 13 رجلاً من القرية ظن السكان أنهم أُخذوا أسرى ولم يُعرف مصيرهم آنذاك.

وعند احتلال الناصرة دخلت العصابات الصهيونية مرة ثانية قرية عيلوط وأصدرت الأوامر إلى السكان بالرحيل.

وفي صباح 21/7 دخل الجيش مرة أخرى وطلب من السكان التجمع في ساحة القرية عند البيادر، وعندما حاول اثنان من الشبان إحضار الماء ليشرب كهول القرية، أطلقت النار عليهما فأرديا قتيلين وهما الشهيدان صالح سعيد أبو راس وطه أبو عياش.

في هذا الصدد يقول شهود عيان:

إن أفراد العصابات الصهيونية قاموا بخلع ملابس الشهيدين أمام مرأى ذويهم، وبعد ذلك نقل الرجال في القرية إلى ساحة العين، وجمعوا هناك، وكان مع الضابط قائد الوحدة الصهيونية المكلفة احتلال القرية، قائمة أسماء أخذ يقرأها بصوت مرتفع أمام أبناء القرية، وكان الموجود يزجون به في السيارة، أما الغائب منهم فيأخذون بدلاً منه أحد أبناء القرية.

ثم أفرجت العصابات الصهيونية، عن الباقين من أبناء القرية، وطلبوا منهم الخروج من القرية، وقاموا بنسف ثلاثة بيوت تعود إلى المختار حسن محمد أبو راس وساري خليل أبو عياش وبيت (أبو العبد) أبو عياش.

بعد ابتعاد سيارة الأسرى مسافة 500م عن ساحة مسجد القرية أنزل الصهاينة الأسرى وقاموا بقتلهم جميعاً بالرشاشات.

في 28/7/1948 دخل الجيش مرة أخرى وأسر ما يقارب 20 رجلاً، وبعد التعذيب والتحقيق أفرج عنهم جميعاً، ولكنه أعدم ثلاثة شبان هم: عوض علي أبو راس وسليم محمد أبو راس وعلي عودة عبود. وشهد على دفنهم الشيخ البرقيني في أراضي قرية صفورية المجاورة. وقد قامت النساء من القرية بالتعرف إليهم من ملابسهم الذي احتفظ بها ذاك الشيخ.

شهادات من قلب الجزرة

أبو العبد أبو عياش محمد إبراهيم أبو راس – محمد حسن أبو راس – علي صبري أبو راس – أحمد عبد الحليم أبو عياش - خالد الصالح أبو الوليد شهود على المجازر هذه.

يقول أبو العبد أبو عياش: كان عمري آنذاك 20 سنة. وقبل أن يقوم الجيش بدخول القرية وتطويقها أرسل ضابط بوليس المنطقة اليهودي، واسمه «الشويلي» رجلاً من «منتشي زبده» اسمه حسن محمد سليماني ليجتمع بالمختار حسن محمد أبو راس، وشيخ القرية الشيخ طه الخطيب، والعبد أبو عياش، وغيرهم من وجوه القرية. وأبلغهم الرسول هذا بأن الجيش سيقوم بتطويق القرية، وسيأخذ بعض الأسرى، وما على الشباب والرجال إلا الاختفاء أو الهرب، وقمت أنا بالاختفاء خلف الخوابي في بيتنا. وفعلاً جاءت العصابات الصهيونية ومعها الدبابات، من الجهة الغربية، وطوقوا القرية، وألقي القبض على بعض الرجال، وكان حسن محمد سليماني من بينهم، ووصل عددهم 24 رجلاً، وكنت أعتقد أنني عندما اختبأت خلف الخوابي لم يرني أحد، لكن تبين لي أن أمينة الواكد زوجة أخي، كانت قد شاهدتني حين اختبأت، هي وفاطمة عيد.

وأثناء اختبائي دخل أحد أفراد العصابات الصهيونية بيتنا حيث كنت أختبئ، ولكنه لم يرَني، وكان قد جهز مدفعه الرشاش للإطلاق على كل ما يتحرك في المكان. ومع سماعي صوت نسف البيت الأول وقفت على رجليّ، ولم أكن لأخرج حتى نسف بيتنا الذي اختبئ فيه. عندها بدأت زوجة أخي أمينة بالصراخ. وهرعت مع نساء القرية وبعض رجالها إلى المكان، معتقدين أني قد مت، وبمساعدتهم أخرجت من تحت الركام.

أثناء ذلك سمعنا إطلاق الرصاص بكثافة وحضر المرحوم سليم محمد أبو راس ليقول لنا: «لقد أطلقوا النار على الأسرى وقتلوهم جميعاً». وبعد انسحاب الجيش ذهبنا حيث كانت جثث الشهداء.

وما كان من حسن أبو راس إلا أن قال: (باطل. باطل)، فسمع خضر وعلي أبو راس تلك الكلمات فاطمأنا إلى أن الجيش قد انسحب، فقاما من بين الشهداء وكانا مصابين وتظاهرا بالموت حين إطلاق النار. وقد قالا لنا إنه بعد ابتعاد سيارة الأسرى عن ساحة الجامع حوالى نصف كيلو متر أنزلهم الجيش من السيارات وأمروهم بالجلوس على الأرض وأصدر الضابط أوامره فحصدوهم بالرشاشات واستشهد الجميع بمن فيهم الرسول الذي أرسل إلى القرية.

من الشهداء الذين قتلوا كما يتذكر محمد إبراهيم أبو راس: 11 شهيداً وُجدوا بالأحراج وقد شمّ أحد الرعاة رائحة جثثهم مع أهل القرية بعد أيام من خطفهم. أما في العين الشمالية وعلى البيادر، فقد قتل العديد من أبناء القرية في مجزرة شنيعة مثل فيها بجثث الشهداء.. وفي الناصرة قتل أيضاً علي عبود وهو من عيلوط وقتل أيضاً مفلح عودة الله في الصرفند.

من الشهداء الذين سقطوا في هذه المجازر كما يتذكر ابن مختار القرية محمد حسن أبو راس، اثنان من شباب القرية قام الصهاينة بتشويه جثثهم بالبلطات وبتكسير أياديهم وأرجلهم ثم قاموا بتصفيتهم.

بعد النكبة

هذه هي نكبة قرية عيلوط الباسلة، وهذه هي المجازر التي ارتُكبت بحق أبنائها العزل، حيث سقط 48 شهيداً خلال أقل من شهرين. وفقدت معهم معظم أراضي القرية.

ولكن رغم كل ما لاقوه من ظلم وقهر وقتل واضطهاد، ظلوا قريبين من قريتهم، ما مكنهم بعد عام من النكبة إلى عودة نصفهم إليها. وإصراراً منهم على العودة فقد عاد بعد ثلاث سنوات الجزء الآخر من أبناء القرية، ليبنوا بعد ذلك قريتهم من جديد، وليتجذروا فيها أكثر فأكثر.

يذكر أن القليل القليل من أبناء القرية كانوا قد هاجروا في بداية المعركة إلى لبنان والأردن. وهم الآن ينتظرون حلم العودة الذي يجمعهم بذويهم وأقربائهم وأبناء قريتهم ويلتئم بذلك شمل أبناء القرى والمدن الفلسطينية وتعود فلسطين محررة من دنس الغزاة الصهاينة.