مجلة العودة

بعد الترهيب واللجوء إلى الصحراء.. محمد الطّه يُهجَّر إلى مجهول

ضحايا توافق الاحتلال والفتن
فلسطينيو العراق في رحلة العذاب
  
ماهر حجازي/ مسؤول الإعلام
لجنة إغاثة فلسطينيي العراق
 
بإرادة صلبة، نقول «لا» لكل الأعمال الإجرامية ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في العراق وفي أي مكان.. فمن رحم معاناتهم ولدت هذه السلسلة المترابطة من النماذج الفاضحة للحضارة المزعومة، بعنوان «سلسلة الراصد»، في مجموعة من الحلقات تتحدث عن الانتهاكات من خلال شواهد مستوحاة من عذابات شعبنا، كل حسب مصيبته، وبكلمات خطّوها والدموع في عيونهم، والأسى يلف قلوبهم، والآمل بحل قضيتهم يعتلي رغباتهم، وبصوت لا يتجاوز صداه حدود المخيم، يصرخون: «أين الأمان والحياة؟».

 

الحلقة الأولى

بعد الترهيب واللجوء إلى الصحراء..
محمد الطّه يُهجَّر إلى مجهول

الاسم: محمد حسين محمود الطه.

العمر: 39 عاماً.

الحالة الاجتماعية: متزوج.

مكان الإقامة: مخيم التنف الحدودي بين الحدود السورية والعراقية.

رقم الخيمة: 16.

حكاية اللاجئ الفلسطيني من العراق محمد حسين الطه والملقب بـ«الدعبول»، واحدة من حكايات الذل والمطاردات والنجاة من الموت بأعجوبة.. فضّل عليها اللجوء المكرر كي ينجو بعائلته من كارثة محققة.

محمد، هذا اللاجئ الذي انتهى به المطاف في إحدى خيام التنف، متزوج وأب لأربعة أبناء. يعمل في مهنة ميكانيك السيارات، حيث كان يمتلك مرأباً لإصلاح السيارات في العاصمة العراقية بغداد.. كل ذلك قبل أن يُجبر على مغادرة العراق جراء ما لاقاه وأسرته من ظلم وشتى صنوف التعذيب والترهيب على يد ما يسمى «لواء الحسين» التابع لجيش المهدي، وحالياً يسمى «لواء الرافدين».

محمد روى تفاصيل اعتقاله.. فبتاريخ (2/7/2005) قرابة الساعة الرابعة والنصف عصراً، وبينما كان يقوم بتركيب لاصق لزجاج سيارته في أحد محالّ بيع مستلزمات العربات في حي المشتل ببغداد، انفجرت سيارة مفخخة على مسافة قريبة منه ليُجبر على الهروب من مكان الحادث.. لكن سرعان ما طوّقت الشرطة المكان وقامت بملاحقة محمد حتى اعتقلته، بعدها قام قائد الدورية واسمه الرائد ماجد بالتعرف إلى جنسيته وتبين له أنه فلسطيني فبدأ بشتمه بـ «صدّامي. تكفيري. نجس».

ثم نُقل محمد إلى المعتقل لتبدأ مرحلة التعذيب التي استمرت مدة 16 يوماً، حيث تفنّن الخاطفون بتعذيبه من ربطه وتعليقه في الهواء كما يربط الخروف عند ذبحه، وتعريته من ملابسه ووضعه وسط المعتقلين البالغ عددهم 225 معتقلاً، وصلبه على لوحين خشبيين متقاطعين على شكل صليب وتقييد يديه ورجليه ورأسه، ثم قاموا بربط أعضائه التناسلية وشدّها، ثم أخذوا يضربونه بكابل كهربائي غليظ على رأسه وأعضائه التناسلية.

وقد حاولوا ثقب جسده بواسطة المثقب الكهربائي، لكن إرادة الله حالت دون عمل المثقب لأكثر من مرة، ولتستمر عملية التعذيب دون توجيه تهمة له أو التحقيق معه لمدة 16 يوماً.

وفي اليوم السابع عشر، بعد كل هذا التعذيب، بدأ التحقيق عن سبب وجوده في مكان الانفجار، لكنهم لم يقتنعوا بكلامه، فتابعوا التحقيق والتعذيب لمدة 36 يوماً.

خلال فترة التعذيب زار السجن ضابط في جيش الاحتلال الأمريكي، وقد هدد محمد من قبل معتقليه في حال سؤاله عن وضعه الصحي المتدهور بأن يجيب بأنه أصيب خلال هربه من مكان الانفجار، وإلا فلن يرى عائلته بعد الآن، فأجبر محمد على الكذب عند سؤاله عن صحته من قبل الضابط الأمريكي.

ثم أخذ الخاطفون يمساومون عائلة محمد من خلال الإفراج عنه مقابل مبلغ مالي، حيث طلب من أهله مبلغ 10 آلاف دولار، وهي غير متوافرة لدى العائلة، فاضطروا لبيع أثاث المنزل وتم تأمين 4500 دولار أخرى، وتم إطلاق سراح محمد.

لكن قصة اعتقاله لم تنتهِ هنا، فبعد شهر واحد تم اختطافه مجدداً على أيدي الأشخاص أنفسهم لمدة عشرة أيام، وأطلق سراحه مقابل 3500 دولار.

ويبدو أن المجرمين يستخدمون هذا الأسلوب مع عدد من المختطفين السابقين كلما احتاجوا إلى مال لأداء مآربهم الشخصية. وهكذا أصبح محمد وزملاؤه المعتقلون السابقون الدجاجة التي تبيض دولارات كلما دعت الحاجة.

بهذه المعادلة أعيدت عملية الاعتقال مرتين بعد أقل من عشرة أيام من قبل المجموعة نفسها، حيث تم نقله إلى منطقة الزعفرانية ولم يطلق سراحه إلا بعد دفع 7500 دولار في المرتين معاً.

محمد ليس الوحيد من أسرته الذي تعرض للاختطاف، ولده حسين تعرض لعملية اختطاف فاشلة في أثناء خروجه من مدرسته، حيث تمكن من الهروب بعد إصابته برأسه جراء ضربه من قبل الخاطفين ذوي الصلة بخاطفي والده.

هذه الأحداث والمصائب دفعت محمد للتفكير جدياً بمغادرة العراق.. فما عاد في القلب صبر.. وما عاد للجسد قدرة على تحمّل المزيد.. وفعلاً بتاريخ (25/5/2006) غادر العراق متوجهاً إلى سوريا.. ليستقر به المطاف في مخيم التنف للاجئين.. ينتظر الفرج من رب العالمين.. ومن إخوة له في الوطن والدين.

في مخيم التنف، استطاع محمد أن يحول إحدى خيامه إلى محل لبيع الفلافل والحمص والفول سمّاه «مطعم دعبول فلافل حامية»، وكانت صورة مطعم دعبول تتصدر المواقع الإلكترونية والمجلات.

محمد كان رافضاً أن يكون حل مأساتهم باستضافتهم من قبل إحدى الدول العربية معللاً وجهة نظره بأن الفلسطيني يُهان بينهم، وإلا فلماذا لم تفتح الحدود أمامهم منذ بداية نزوحهم، وقد كان من رافضي الذهاب إلى السودان أشد الرفض، على اعتبار أن السودان سيقيم لهم مخيماً جديداً في ظروف أسوأ! ووصل به الأمر إلى أن يفضل عليها الذهاب إلى تشيلي أو غيرها من الدول الأجنبية.

وبعد حين وطول انتظار وصبر على الرمال والطين والعقارب والثعابين، جاءت موافقة دولة تشيلي على استضافة محمد وعائلته ونفر من اللاجئين، وفعلاً غادر محمد المخيم الصحراوي في (20/4/2008) متوجهاً نحو مصيره المجهول وما ينتظره في دول أمريكا اللاتينية.

«دعبول» كان فرحاً بخلاصه وأهله من لهيب الصيف وبرد الشتاء، لكن فرحته اصطدمت بخشيته مما ينتظره هناك بعيداً في تشيلي ذات الحضارة واللغة المختلفة عمّا تعلمناه وعرفناه.

«دعبول» يعيش اليوم في تشيلي وقد مضى على سفره قرابة ستة أشهر! كيف يعيش؟ كيف يقضي يومه؟ هل له جيران يغيثونه إن ألمّ به مصاب كما الحال في مخيم التنف حيث ترى اللاجئين في الشدائد على قلب رجل واحد؟

هل يعلم محمد ماهية العلم الذي يتلقاه أبناؤه في المدارس؟ ماذا يأكلون؟ ماذا يمارسون؟ هل حصل محمد على ما وعد به قبيل هجره الصحراء؟

لا نعلم.. لا ندري.. لأن أخبار «دعبول» انقطعت..

كل ما نعرفه أن معظم الذين هاجروا إلى تشيلي أقسموا أن لا يعودوا قبل حصولهم على جنسية تؤمن لهم العيش بكرامة في بلادهم. وكذلك هم أقسموا في الوقت نفسه أنهم سيعودون بالتاكيد.

إذن، هي الهجرة هرباً من الموت إلى الصحراء.. إلى المجهول!
 

ترحيل المجموعة الثانية من لاجئي مخيم التنف إلى السويد

غادرت فجر يوم الاثنين الواقع فيه 13/10/2008 المجموعة الثانية من أصل أربع مجموعات وافقت المملكة السويدية على استضافتهم بعد قضائهم مدة تزيد على عامين ونصف في مخيم التنف الصحراوي بين سورية والعراق.

وكان 36 لاجئاً قد غادروا عبر مطار دمشق الدولي إلى السويد تاركين خلفهم المئات في المخيم وآلاف القصص المريرة فيه. وقد عبّر اللاجئون لوفد لجنة إغاثة فلسطينيي العراق الذي استقبلهم في مطار دمشق عن مشاعر الفرح بالخلاص من الصحراء، ومشاعر الحزن على فراق الأهل في المخيم وخشيتهم من المصير المجهول الذي ينتظرهم في السويد.

يذكر أن المجموعة الأولى توجهت إلى السويد بتاريخ 29/9/2008، ويفترض أن تغادر المجموعة الثالثة مخيم التنف متوجهة إلى السويد بتاريخ 27/10/2008، والمجموعة الرابعة بتاريخ 3/11/2008، وكانت السويد قد وافقت على استضافة 155 لاجئاً من مخيم التنف الصحراوي، كما استضافت تشيلي 116 لاجئاً في وقت سابق.

هذا، ولا يزال قرابة 800 لاجئ يعيشون أوضاعاً مأساوية في مخيم التنف و1900 لاجئ في مخيم الوليد داخل الأراضي العراقية و332 لاجئاً في مخيم الهول ضمن مدينة الحسكة السورية.

وبدورها تكرر لجنة إغاثة فلسطينيي العراق مطالبتها الدول العربية بأن تكون السبّاقة لاستضافة اللاجئ الفلسطيني الهارب من جحيم الموت في العراق، لا أن يذهب اللاجئ إلى المصير المجهول في الدول الغربية ذات اللغة والديانة والحضارة المختلفة عن ديننا وحضارتنا ولغتنا العربية.