مجلة العودة

انعكاسات الأوضاع في سورية على اللاجئين الفلسطينيين

انعكاسات الأوضاع في سورية على اللاجئين الفلسطينيين

يتعرض اللاجئون الفلسطينيون في سورية لظروف ضاغطة واستثنائية، نتيجة الثورة وردود الفعل القاسية للنظام الحاكم، ونتيجة محاولة عدد من الأطراف إغراقهم في الوضع الداخلي، واستخدامهم كورقة في الصراع. لقد عانت المخيمات الفلسطينية التدمير، واضطُرّ نحو نصف الفلسطينيين (نحو ربع مليون) إلى التشرد من مساكنهم، انتقل منهم أكثر من خمسين ألفاً إلى خارج سورية. إنّ استمرار الصراع في سورية، وتعرضها لمزيد من الإضعاف والتدمير، ولمخاطر التفتيت الطائفي والعرقي، لن يؤثر فقط في مضاعفة المعاناة الهائلة للشعب السوري، الذي كان دائماً الحضن الدافئ لقضية فلسطين، ولكنه سيؤدي أيضاً إلى إضعاف دور سورية المركزي في الصراع العربي – الإسرائيلي، وسيحمل مزيداً من المعاناة للاجئين، بما في ذلك مخاطر التهجير وإزالة المخيمات، وسحب بعض الحقوق القانونية. غير أن إقامة سورية حرةً تعبّر عن إرادة شعبها ستوفر الفرص الأفضل للعبور إلى برّ الأمان.

مقدمة

يستحضر الرأي العام الفلسطيني تجارب تاريخية لواقع الفلسطينيين، في ظلّ الأزمات العربية منذ الأيام الأولى للأزمة السورية، وخصوصاً بعد اتهام صحيفة الوطن السورية المقربة من النظام في وقت مبكر منها في 22/3/2011 فلسطينيي مخيم درعا بالمسؤولية عن أحداث اليوم السابق. وكررت الدكتورة بثينة شعبان مستشارة رئيس الجمهورية، بعدها بأربعة أيام الاتهام نفسه لفلسطينيي مخيم الرمل في اللاذقية، بالمسؤولية عن أحداث مشابهة هناك. لقد سعى بعض عناصر النظام منذ بداية الأزمة إلى تصديرها باتجاه المخيمات الفلسطينية، التي التزمت عموماً دور?ً إنسانياً طوال عام ونصف عام تقريباً من الأزمة.

وبالرغم من اجتياح قوات النظام لكافة أحياء مدينة درعا، الذي بدأ في25/4/2011، إلا أنها لم تقتحم المخيم، مع علمها بدوره المعروف، وخاصةً من ناحية الإغاثة الطبية؛ إذ استُهدفت كافة المستشفيات الميدانية في كافة أحياء المدينة، ما عدا مستشفى المخيم، إلى أن تشكلت كتيبة مسلحة داخل المخيم مع بداية شهر أيار/ مايو 2012، فتعرض المخيم لقصف مدفعي كثيف، هو الأول الذي يستهدف فلسطينيين مباشرة. غير أن التحول الأخطر في واقع مخيمات سورية بدأ مع اختطاف 14 مجنداً من جيش التحرير الفلسطيني مع بداية شهر تموز/ يوليو 2012 على طريق حماه?– حلب، ثم إعدامهم جميعاً بعد أسبوعين من اختطافهم. ومع تراشق الاتهام بين المعارضة والنظام بالمسؤولية عن الحادث، كان ضحايا جيش التحرير يسجلون بداية مقلقة لتطور الأحداث داخل المخيمات الفلسطينية، وخاصة مخيم اليرموك الذي انفجر بتظاهرات تنديداً بالجريمة، لتبدأ مرحلة مختلفة بكل ما فيها.

الموقف الفلسطيني

حرصت الفصائل والقوى الفلسطينية عموماً على إبداء موقف حيادي تجاه الأحداث في سورية، غير أنّ معظمها لم يخفِ تعاطفه مع الشعب السوري ومطالبه المحقة في الحرية والديموقراطية، مع الدعوة إلى قطع الطريق على التدخل الأجنبي الخارجي، وعلى عدم توريط المخيمات، وخصوصاً في النزاع المسلح بين الطرفين. غير أنّ التداخل الواسع بين الفلسطينيين والشعب السوري والتفاعل اليومي معهم في مختلف جوانب الحياة اجتماعياً واقتصادياً وحتى سياسياً، أديا على الأقل إلى مشاركة الفلسطينيين في دور إغاثي وإنساني واسع لإخوانهم السوريين. كذلك أخذ بعض ?لفلسطينيين يدعمون سياسياً وعسكرياً المعارضة المسلحة أو قوى النظام، وهو ما أدخل الوضع الفلسطيني تدريجاً في تشابكات الأوضاع وتداعياتها. ثم إن السلوك الأمني والعسكري والقمعي للنظام زاد بنحو واسع من دعم معظم فئات الشعب الفلسطيني داخل سورية وخارجها وتعاطفها مع قوى التغيير والمعارضة.

فضَّلت حماس، رغم العلاقات الاستثنائية التي ربطتها بالنظام قبل الأزمة، التزام موقفٍ حيادي. وبدا ذلك واضحاً في بيانها من الأزمة 2/4/2011 الذي دقّ أول إسفين في علاقة حماس مع النظام، الذي كان يأمل استمالة موقفها كلياً لمصلحته، لاستثمار الاحترام الواسع الذي تحظى به الحركة في الشارع السوري. وكانت تقديرات حماس للأزمة تدفع كوادرها الرئيسية إلى مغادرة سورية، تمهيداً لنقل كامل مكتبها السياسي من دمشق، وهو ما وسّع من دائرة الانتقاد لها في وسائل إعلام النظام والموالين له، ووصلت إلى درجة الهجوم المباشر على شخص رئيس المك?ب السياسي خالد مشعل عبر التلفزيون الرسمي في 1/10/2012 بعد خطابه في مؤتمر العدالة والتنمية التركي في أنقرة في اليوم السابق، الذي أعلن فيه تأييده ثورة الشعب السوري، وهو ما أعقبه إغلاق مقارّ المكتب السياسي للحركة في دمشق ومصادرتها من قبل النظام.

أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، فقد أعادت تموضعها من النظام بنحو أكثر التصاقاً، فعاد أحمد جبريل ثانية للجلوس على يمين الأسد لدى اجتماعه بالفصائل الفلسطينية، وتلقت الجبهة دعماً لتشكيل قوات أمنية منذ شهر آب/ أغسطس 2012 أُطلق عليها "اللجان الشعبية"، انتشرت بنحو مركَّز في مخيم اليرموك. واصطدمت مع الجيش الحر في المناطق المتاخمة للمخيم طوال أكثر من أربعة أشهر، سقط خلالها مئات الضحايا الفلسطينيين، منهم 240 شهيداً في مخيم اليرموك وحده. وبقي هذا الحال إلى أن دخلت مجموعات الجيش الحر مخيم اليرموك، ?ثر انهيار لجان القيادة العامة، بعد انشقاق العشرات منهم على خلفية قصف الطيران الحربي لمسجد عبد القادر الحسيني في 16/12/2012، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 15 شخصاً.

من جهة أخرى، راوح موقف قيادة منظمة التحرير بين الحياد واتهام النظام بما جرى للفلسطينيين. فبعد شهر من قرار الاعتراف السوري بالدولة الفلسطينية، وصف أمين سر المنظمة ياسر عبد ربه لوكالة رويترز قصف مخيم الرمل باللاذقية من قبل النظام في 17/8/2011 بأنه "جريمة ضد الإنسانية". وكانت زيارة وفد منظمة التحرير لدمشق برئاسة زكريا الآغا في 11/2/2013 تعبيراً عن رغبة قيادة المنظمة في أداء دور أكثر فاعلية في ما يتعلق بالفلسطينيين المقيمين في سورية. غير أنّ الأمر لم يخلُ من مجاملة للنظام، وخاصة أنه ناقش قضية تحييد المخيمات، د?ن اللقاء مع أي جهة من جهات المعارضة، التي تسيطر فعلياً على مخيم اليرموك، إضافة إلى تصريح عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة عبد الرحيم ملوح لقناة القدس، بالتزامن مع وجود الوفد في دمشق، "بأن ما يجري في مخيم اليرموك يتحمل مسؤوليته الجيش الحر".

احتمالات مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في سورية

منذ بداية الأزمة في آذار/ مارس 2011، حتى منتصف تموز/ يوليو 2012، لم يتجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين 83 شهيداً في كافة أنحاء سورية، فيما وصل عدد الشهداء الكلي في الأشهر السبعة التالية إلى 1030 شهيداً موثقاً.

ومع وصول أعداد المهجَّرين الفلسطينيين إلى أكثر من نصف اللاجئين البالغ عددهم بحدود 500 ألف، واضطرار ما يزيد على خمسين ألفاً منهم إلى الخروج من سورية، بات واقع فلسطينيي سورية مقلقاً، وخصوصاً مع تكثيف الحصار على بعض المخيمات، وارتكاب انتهاكات بحقهم من قبل طرفي النزاع. ففي الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى أنّ معظم القتل والانتهاكات بحق الفلسطينيين سببته قوات النظام وحلفاؤه، تشير تقارير أخرى إلى قيام مجموعات تقول إنها تابعة للجيش الحر بانتهاكات تحت ذرائع مختلفة.

تعطي القوانين السورية الفلسطينيين كافة الحقوق التي تعطيها للسوريين، ما عدا الحقوق السياسية المرتبطة بالجنسية والانتخاب والتمثيل السياسي. غير أن سلطات النظام السوري تراجعت خطوة للوراء في ما يتعلق بالحقوق القانونية للفلسطينيين، عندما استثنت أخيراً الفلسطينيين من مسابقات التوظيف في وزارة التربية، ومن الابتعاث العلمي، وهو ما يعطي بعض الإشارات المقلقة على السلوك المحتمل للنظام تجاه الفلسطينيين.

في حال بقاء النظام واستقرار وضعه، وخصوصاً إذا كان هذا الاستقرار بموجب تسوية سياسية دولية تجرّد النظام من أوراقه القوية، التي بنى عليها سياسته الخارجية، وبالتحديد موقفه من القضية الفلسطينية، سيكون مستقبل الفلسطينيين غامضاً بالدرجة نفسها في حال انهيار النظام، وانتهاء الواقع في البلاد إلى تناحر طائفي، أو فوضى سلاح، وعدم قيام نظام سياسي جديد مستقر. فليس ثمة ضمانة للتعامل مع الفلسطينيين وفقاً للقوانين والتشريعات السورية، في ظل مرحلة انتقالية غير مستقرة، أو في ظل استقرار النظام الحالي على أسس الدولة الشمولية أو ?صف الشمولية.

أما قوى المعارضة، فاستغرقت في عملية التغيير السياسي والثوري الداخلي، ولم تُصدر إلا تصريحات قليلة طوال السنتين الماضيتين تجاه فلسطينيي سورية، وتجاه القضية الفلسطينية عموماً، وهي تحمل التعاطف والدعم السوري المعتاد للقضية. ولعل وثيقة "صحيفة بر ووفاء... وثيقة العهد مع الأشقاء الفلسطينيين على الأرض السورية" التي صدرت في 16/3/2013 عن جماعة الإخوان المسلمين السوريين تمثل تقدماً مهماً في إعطاء رؤية مفصّلة من أحد أبرز فصائل المعارضة السورية تجاه فلسطينيي سورية وقضية فلسطين. وتؤكد الوثيقة أنّ قضية فلسطين هي قضية الأمة المركزية، وأنّ الشعبين السوري والفلسطيني شعب واحد، وأن لهما مستقبلاً واحداً، وتؤكد الالتزام بكافة حقوق اللاجئين الفلسطينيين ورعايتها.

أما المخيم كبقعة جغرافية، فهو مهدَّد من قبل النظام، الذي لا يزال يقصفها، والذي قد يقدم على تغييرات في بنيتها وفقاً لرؤية أمنية أو عسكرية، إذا ما استقرت الأمور لمصلحته، وخاصة مخيم اليرموك جنوب العاصمة.

من ناحية أخرى، إنّ تردّد الفلسطينيين المهجَّرين في ظل مرحلة انتقالية غير مستقرة، في العودة إلى سورية قد يكون قائماً، وخاصة الأفراد الذين وصلوا إلى أوروبا لاجئين، أو الذين استطاعوا تسوية وضعهم القانوني في بلد ما. ويبدو أنّ النشاط الاقتصادي المميز لفلسطينيي سورية، الذي انهار تقريباً خلال الأزمة، قد لا يستطيع التعافي بسرعة إلا من خلال ما يفرضه نشاط ما بعد الحرب الاقتصادي والمتعلق بإعادة الإعمار.

وخلاصة الموضوع، أنّ مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في سورية لا يمكن ضمان استقراره سياسياً وحقوقياً، إلا في ظل نظام يقيم دولة القانون، التي تمنح اللاجئ الفلسطيني حقوقه وفق ما يقرره القانون 260 لعام 1956.

توصيات ومقترحات

-  إن قضية فلسطين هي مسؤولية الجميع، ويجب أن تظل القضية التي تجتمع عليها الأمة وحكامها مهما كانت اختلافاتهم.

-   تأكيد الدور الإغاثي والإنساني لفلسطينيي سورية، دون توريطهم في العمل المسلح، وتجنيب المخيمات أن تكون ساحة لتصفية الحسابات.

-   إن معاناة فلسطينيي سورية، وأبعادها الإنسانية والسياسية تستحق أن تكون في سلّم أولويات اهتمام القيادة الفلسطينية.

-  التحرك العاجل من أجل حلّ مشكلة الفلسطينيين اللاجئين المهجرين إلى الدول الأخرى، وخاصة الأردن ولبنان.♦

✽ يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ طارق حمود بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.