مجلة العودة

إعادة نظر: المفاوض الذي لا يعرف حدود فلسطين - بلال الحسن

المفاوض الذي لا يعرف حدود فلسطين

بلال الحسن

هناك في تاريخ الاستعمار، محاولة دائمة لبناء جيل يفكر بالطريقة الاستعمارية، وكما يريد المستعمر. ينشئ المستعمر من أجل ذلك مدارس خاصة، ويبعث خبراء التدريس عنده، ويرسل خبراء التربية، ثم يختار جيلاً من الشبان الصغار السن، ويبدأ في تلقينهم ثقافة المستعمر، يعلمهم لغته، وطريقته في التفكير، ويطلعهم على ثقافته، ويريهم كم هي تلك الثقافة راقية ومتطورة. والهدف إيجاد مواطن برازيلي أو كوبي أو هندي أو إفريقي أو عربي، ينسحق فكرياً وحضارياً أمام ثقافة المستعمر وحضارته.

فإذا وصل الشاب إلى تلك المرحلة، تبدأ المرحلة الثانية التي هي هدف الاستعمار الحقيقي، أي أن يبدأ الشاب الجديد هذا بالدفاع عن سياسة المستعمر، ويطلب استمرار الاستعمار في بلده، ثم يبدأ بمواجهة كل قوة وطنية من أبناء جلدته، تقاوم الاستعمار وتطالب بخروجه، رافعين في سياق ذلك شعار الاستقلال.

لقد تكررت هذه المهمة الاستعمارية في أكثر من بلد، ومورست حتى في بلدان عريقة مثل الهند، حيث قضى الإنجليز سنوات طويلة حتى أوجدوا نخبة هندية استعمارية فعالة، ولكن كل تلك السنوات الطويلة ذهبت كلها هباء، وقضي عليها في سنوات قليلة، ولم يحتج الشعب الهندي إلى مدارس أو جامعات ليهزم ثقافة المستعمر، كل ما فعله أنه قلّد زعيمه غاندي، فحمل مغزله، وبدأ يغزل ملابسه بنفسه، مقاطعاً كل بضائع المستعمر، ومقاطعاً بعد ذلك كل قيم المستعمر وثقافته، وشهد التاريخ أنّ مغزل غاندي قد هزم الإمبراطورية البريطانية.

لكن هناك ظواهر شاذّة في هذه العمليّة، إذ يجري أحياناً إنتاج (مثقف الاستعمار) بسرعة شديدة، من دون مدارس، ومن دون شرح، ومن دون تعليم، ونجد في النتيجة أمامنا وزيراً أو مدرساً أو سياسياً، يضع نفسه في خدمة ما يريد المستعمر، لقاء طموح لمنصب مثلاً.

وها نحن نشهد في الضفة الغربية نموذجاً تطبيقياً لما نقول.

عملت «إسرائيل» بين عرب الوطن، عرب 1948، لإيجاد الفلسطيني الصهيوني الذي يدافع عن الصهيونية ويطلبها. عملت ستين سنة كاملة، وفشلت. ونشأت فوق أرض الوطن كتلة فلسطينية من أصحاب الأرض الأصليين تقول: نحن فلسطينيون، نحن عرب، ونحن لذلك خصوم للصهيونية، وخصوم لدولة «إسرائيل».

أما في الضفة الغربية، فنحن نشهد ظاهرة مختلفة، فما هي إلا سنوات قليلة بعد أوسلو، حتى نشأ لدينا أشخاص يقولون (من حقنا أن نعرف أين تقع حدود فلسطين). والذي يطالب بهذا الحق هو «زعيم» سياسي، وهو «مفاوض» في الوفد الفلسطيني. إنه لا يعرف حدود فلسطين، ويطلب من الناطق الأميركي بلسان وزارة الخارجية أن يدله على هذه الحدود.

وهو لا يتوقف عند ذلك، يقول للأميركي فيليب كراولي: إذا أبلغتني أين هي حدود فلسطين فسأعترف بـ«إسرائيل» فوراً، وبأي صفة سميتموها.

فيليب كراولي لم يتأخر في الجواب، وقال: (الولايات المتحدة تعترف بماهية «إسرائيل» الخاصة، الولايات المتحدة تعُدّ «إسرائيل» دولة يهودية).

فيليب كراولي يعرف ما يريد، أما الزعيم السياسي الفلسطيني، والمفاوض الفلسطيني، فإنه لا يعرف أين تقع حدود فلسطين.

هذا الزعيم.. هذا المفاوض.. اسمه ياسر عبد ربه.

هذا الزعيم.. هذا المفاوض.. هو أمين سر ما يسمى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

فهل تصدقون؟ هل تصدقون أنه ينطق باسمه فقط؟

ولماذا لا يتكلم الصامتون؟♦