مجلة العودة

إعادة نظر: حركات التغيير والنفاق الأوروبي - بلال الحسن

حركات التغيير والنفاق الأوروبي

بلال الحسن

يمارس الغرب نفاقاً سياسياً ملحوظاً تجاه ما يجري في المنطقة العربية. إنهم يتحمسون لدعم حركات التغيير، ويتحدثون لنا طويلاً عن الحرية والديموقراطية، وعن ضرورة حماية المدنيين وعدم التعرض لهم. ولكن ما أن يصل الأمر إلى «إسرائيل» وما تفعله تجاه المدنيين الفلسطينيين، حتى يصمت الغرب ويبدأ ممارسة نفاقه السياسي العلني. ما إن يصل الأمر إلى مآسي المدنيين الفلسطينيين حتى يتغير قاموس السياسة الغربية، فيجري الحديث عن الفلسطيني «الإرهابي»، ويتضمن ذلك تأييد ما تفعله «إسرائيل» بحقهم.

 
وقد حدث في الأشهر الأخيرة انفلات إسرائيلي في مواجهة الفلسطينيين، فمارست «الدولة» الإسرائيلية الخطف العلني للمواطنين الفلسطينيين ونقلهم من دولة إلى أخرى. ومارست «إسرائيل» القصف الجوي بالطائرات العملاقة للمدنيين في قطاع غزة، وواصلت الاعتقال اليومي للمواطنين في الضفة الغربية. فعلت كل ذلك من دون أن نسمع أي صوت أوروبي ينصح «إسرائيل» بالتوقف عن هذه الإجراءات القمعية.

وحين بدأ الحديث من جديد، عن تسيير «أسطول الحرية» من قبل أحرار العالم، لتذكير الناس بحصار غزة، وضرورة فك هذا الحصار الظالم عنها، لم يكتف الغرب بالصمت فقط، بل برزت حالات تعاون بين «إسرائيل» وبعض الدول الغربية، عنوانها أن العواصم الغربية ستمنع سفن أسطول الحرية من الانطلاق من موانئها. وهكذا أصبح حتى العمل السلمي لنصرة مدنيين محاصرين مرفوضاً من الغرب. ومطلوب منا بعد ذلك أن نصدق شعارات الغرب التي تتحدث عن نصرة الحرية والديموقراطية.

وفي هذا السياق، لا بد من أن نحاسب أنفسنا أيضاً، فنلقي نظرة فاحصة على حركات التغيير العربية، ونقول إن رفع شعارات الحرية والديموقراطية أمر إيجابي جداً، لكن هذا وحده لا يكفي؛ إذ لا يكفي أن نعلن موقفاً سياسياً صحيحاً، بل يجب أن يكون هذا الموقف شاملاً للصورة السياسية كلها. وإلى جانب شعارات الحرية والديموقراطية يجب أن نرفع شعارات إدانة «إسرائيل»، ويجب أن نرفع شعار رفض التدخل الأجنبي في شؤوننا، ويجب أن ندين أي موقف عربي يرفع شعار الحرية والديموقراطية ثم لا يجد غضاضة في التعامل مع الغرب وطلب دعمه.

وإذا كانت مطالب الإصلاح شرعية ومقبولة، فإن نظرتنا إلى الإصلاح المنشود لا تكتمل إلا إذا كانت لنا وقفة صريحة بوجه السياسة الأميركية مثلاً، هذه السياسة التي تفرض الحصار على سوريا منذ سنين، ولا تتورع أن تقول علناً إنها تسعى إلى إسقاط النظام، مركزة على شعار الإصلاح، ومتجاهلة واقع الحصار الذي تمارسه، ولسبب واحد وحيد هو الموقف من الاحتلال الإسرائيلي. ولسبب واحد وحيد هو الدعم لحركات المقاومة الفلسطينية والعربية ضد «إسرائيل».

إن الشباب العربي المطالب بالتغيير، يصبح في حالة أقوى حين تكون رؤيته شاملة لتحسين الأحوال في بلده من ناحية، ولحماية بلده من السياسات العدوانية الخارجية من جهة أخرى. فجذر التغيير قرار سياسي. ونحن نريد قراراً سياسياً وطنياً، يحقق الإصلاح، ويحمي البلد من التدخل الخارجي، ومن نزعات الانفصال التي نجدها في أحداث مثل أحداث ليبيا واليمن. وهنا لا نستطيع أن نغمض أعيننا عما تفعله «إسرائيل» باعتبارها أداة السيطرة الأساسية للغرب تجاه المنطقة العربية.