مجلة العودة

إعادة نظر: حكومة مَنْ.. وسياسة مَنْ؟؟ - بلال الحسن

حكومة مَنْ.. وسياسة مَنْ؟؟
 
بلال الحسن
 
 
في آخر حديث تلفزيوني له، أطلق الرئيس محمود عباس تصريحات غريبة، تنم عن عقلية فردية، لا يمكن قبولها في أي دولة، ولا في أي نظام، ولا في أي شكل من أشكال الحكم.

قال عباس عن حكومة الوحدة الوطنية التي تقرر تأليفها بالتوافق بعد إنجاز المصالحة في القاهرة: هذه (حكومتي)، وأنا مسؤول عن (سياستها)، وحاسبوني بعد فترة العام المحددة لها.

تعبر هذه الأقوال عن مفاهيم خطيرة، تتجاوز حتى مفاهيم الحكم الديكتاتوري. فالحكومة هي دائماً حكومة الشعب وليست حكومة الرئيس. وسياسة الحكومة هي مسؤولية المجلس التشريعي الذي يمنح الثقة للحكومة بناءً على بيانها الوزاري، وهي ليست أبداً مسؤولية رئيس الوزراء وحده. ومحاسبة الحكومة ليست نوعاً من المقاولة حتى يقال إن محاسبتها بعد عام، بل هي تخضع للمحاسبة والمراقبة والمساءلة دائماً، وأمام المجلس التشريعي، وعند كل موقف سياسي تعلنه أو تدعو إليه، ومن حق أي عضو في المجلس أن يدعوها للمساءلة عند كل منعطف.

هذه البديهيات يفترض أن العقل السياسي الفلسطيني قد تجاوزها، عبر تجربته الطويلة والمديدة. فاللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مثلاً، كانت تجتمع أسبوعياً، وتناقش كل جديد، أو كل طارىء. ولم يقل أحد قط، لا قبل ذلك ولا بعده، إن اللجنة التنفيذية هي (لجنتي)، ولم يقل أحد أن سياستها هي (سياستي)، بل يقال دائماً أن اللجنة التنفيذية تمثل الشعب، وإن سياستها هي سياسة الشعب.

ما الذي جد حتى دخلت هذه اللغة الجديدة إلى قاموس حياتنا السياسية؟ لا يوجد هنا سوى جواب واحد: الفردية، وعقلية الأبوة، ونزعة الاستئثار بالفهم، والظن أن هناك شخصاً واحداً يعرف ويفهم، أما الآخرون فهم عاجزون عن ذلك.

قد يظن البعض أن هذا الكلام قاس، وأنه لا يصح أن يقال. حسناً، إنه كلام قاس. ولكن أليس من القسوة الاستخفاف بمبدأ التوافق الذي أُقرّ في المصالحة، ثم جرى القفز عنه لفرض اسم رئيس الوزراء؟

أليس من القسوة أن يعلن الرئيس بنفسه فشل نهج المفاوضات، وعبثية المفاوضات، ثم يصر على منهج التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض؟

أليس من القسوة، أن يستخف بتضحيات المناضلين، ويقول إن عسكرة الانتفاضة الثانية قد (خربت بيتنا)؟

أليس من القسوة تعطيل كل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وهي المؤسسة التي يفترض أنها تمثل الشعب الفلسطيني كله؟

أليس من القسوة تعطيل تنفيذ اتفاق عام 2005 لتوسيع منظمة التحرير وتفعيلها طوال هذه السنوات؟

أليس من القسوة عدم تجديد عضوية المجلس الوطني الفلسطيني، وهي العضوية التي كانت تتجدد دوماً في فترات زمنية متفق عليها؟

أليس من القسوة أن لا يجتمع المجلس الوطني الفلسطيني، مصدر الشرعية الفلسطينية الوحيد على امتداد ثلاثة وعشرين عاماً؟

أليس من القسوة أن يُنسف بعد شهرين من المصالحة فقط، مبدأ التوافق، لأن طرفاً أميركياً أو إسرائيلياً، لا ندري، يعترض على مشاركة حركة حماس في الحوار والنقاش والقرار؟

أليس من القسوة أن يصبح هذا هو سجلنا وتراثنا؟ ثم يقال لنا فوق كل ذلك: هذه (حكومتي) وهذه (سياستي)؟

عيب...... عيب