مجلة العودة

صورة إسرائيل الأوروبية

صورة إسرائيل الأوروبية
بلال الحسن
 
 

اجتهدت إسرائيل أن تقدم نفسها للعالم منذ تأسيسها، على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وعلى خطى هذه النظرية وجدنا الجمهور الغربي يمنح تأييده المطلق لإسرائيل ضد العرب وضد الفلسطينيين. ولكن إسرائيل تغيرت في نظر الأوروبيين، تغيرت من الداخل، وتولى الزمن الكشف لهم عن زيف الديمقراطية في إسرائيل، ونتجت عن ذلك أمور كثيرة.

قبل أيام تعرضت سفينة "الكرامة" إلى "اعتقال" إسرائيلي في عرض البحر. السفينة أوروبية، وركابها أوروبيون، انتدبوا أنفسهم للذهاب إلى غزة، لفك الحصار عنها، واستنكارا للحصار الإسرائيلي المفروض عليها، وهو الحصار الذي يشمل مليون ونصف مليون نسمة. هذا الحادث صغير في مقاييس الصراع السياسي، ولكنه كبير جدا في مقاييس الصراع الأخلاقي، وهو في حقيقته ليس صراعا مع الفلسطينيين، إنما هو صراع مع الأوروبيين، الأوروبيين الذين انتقلوا من موقع التأييد لإسرائيل إلى موقع الصدام معها. وهذا تغير نوعي بدأ منذ سنوات، وهو الآن يتصاعد ويتصاعد، وأفقد إسرائيل أهم ركن من أركان التأييد لها.

المواجهة الأوروبية ــ الإسرائيلية تقوم على قاعدة التضامن مع الفلسطينيين، ولكن ما هو أعمق في هذه المسألة، أن هذه المواجهة تقوم على قاعدة أهم وأخطر، هي قاعدة تغير إسرائيل في نظر الأوروبيين، فهي قالت لهم حين قامت أنها قامت من أجل الديمقراطية، وما يشاهده الأوروبيون الآن في إسرائيل ، تحولا يوميا ضد الديمقراطية. يشاهدون برلمانا "كنيست" أخذ على عاتقه أن يشرع أكبر قدر من القوانين العنصرية، حتى ضد الإسرائيليين أنفسهم، وباعتراف الإسرائيليين أنفسهم.

وتحمس الأوروبيون لدعم إسرائيل على قاعدة أنها دولة علمانية، وهم يشاهدون الآن بأم أعينهم أن إسرائيل دولة أصولية، يتقدم الصفوف فيها عتاة المتعصبين، عتاة المتطرفين الدينيين، الذين لا يقبلون حتى اليهود داخل صفوفهم، ويقولون لهم أنتم لستم يهوداً، وهو ما يوازي في الدين القول: أنتم كفرة.

وتحمس الأوروبيون لدعم إسرائيل على قاعدة أنها دولة حرية ومساواة، وهم يشاهدون الآن أمامهم دولة قمع، تعتقل الأوروبيين في المطارات، وتعيدهم من حيث أتوا، وتمنعهم من إعلان رأيهم.

لكل هذا، بدأ الأوروبيون ينتقلون من موقع تأييد إسرائيل إلى موقع العمل ضدها، حتى أنهم قاطعوها أكاديميا، وشنوا عليها حربا اقتصادية، إذ نشأت حركة رفض استقبال البضائع الإسرائيلية التي يتم إنتاجها في "المستوطنات"، والتي أقيمت على أراضي الفلسطينيين التي اغتصبت منهم، وأحيانا على أنقاض بيوتهم وقراهم. وبادرت الشركات الإسرائيلية إلى نقل أعمالها من المستوطنات إلى خارجها. أما اعتقال سفينة الكرامة، واعتقال روادها، ونقلهم قسرا إلى ميناء عسقلان (أشدود)، فهو آخر مثل تقدمه إسرائيل للأوروبيين ليزدادوا اقتناعا بوجهة نظرهم.

يبقى أن الحكومات الأوروبية لا تستمع إلى موقف الشارع الأوروبي، فتستمر في تأييد إسرائيل، وفي إعلان تحالفها السياسي مع الإدارة الأميركية من أجل دعم إسرائيل. وهي أزمة واضحة داخل أوروبا، وستكبر مع الأيام شيئا فشيئا، وتصل بالضرورة إلى مستوى المواجهة بين الحكومات والشعوب.

إسرائيل تغيرت من داخلها، وسقطت من حولها الأكاذيب، وشاهد الأوروبيون ذلك وفهموه، وكسب الشعب الفلسطيني بذلك أصواتا جديدة داعمة لنضاله.

 ونضال الشعوب له في التاريخ نتيجة واحدة، أن يسقط الظلم، وأن ينتصر المظلومون من أيام عبودية روما حتى الآن.