مجلة العودة

الغلاف: الأونروا في سورية بعد تقليص الخدمات.. إلى أين؟

الأونروا في سورية بعد تقليص الخدمات.. إلى أين؟
وليد محمد محمد/دمشق

 
 
 بدأت الأونروا تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين في سورية فعلياً في أيار من عام (1950) بعد قرار تأسيسها ذي الرقم (302) الصادر في الثامن كانون الأول/   ديسمبر لعام (1949) تحت مسمى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا"، الذي اعترفت فيه بضرورة استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس، مع عدم الإخلال بالقرار (194) الصادر عن الجمعية العامة. وإن كانت أدبياتها قد خلت من أي تعريف سياسي لها، فإن ذلك لا يغير من حقيقة أن نشأتها ارتبطت بعامل سياسي كان العنوان الأساسي للقضية الفلسطينية، متمثلاً بقضية اللاجئين.

 ويبرز السؤال: هل هي سيف مُصلَت عليه وورقة ابتزاز للتنازل عن حقوقه الوطنية، أم أن ما تقدمه من خدمات حق طبيعي يحتاج إليه اللاجئ الفلسطيني كأي إنسان يعيش على الكوكب، إلى حين انتفاء سبب لجوئه ونكبته؟

عن التساؤل السابق

تقتضي الموضوعية الحديث عن إنجازات الأونروا الكبيرة وتأثيرها الإيجابي على مجتمع اللاجئين في سورية منذ تأسيها حتى اليوم   والدور الذي أدته في مساعدتهم على تجاوز آثار نكبتهم وتحصينهم من الجهل والأمية والأمراض والفقر، وتمكينهم من الوقوف أمام التحديات الحياتية التي واجهتهم، وخاصة خلال سنوات اللجوء الأولى. ومن الإنصاف الحديث عن خصوصية وضع اللاجئ الفلسطيني في سورية، وتمايزه عن غيره من اللاجئين الفلسطينيين في أماكن الشتات، نظراً إلى أنه يحظى بحقوق مدنية كثيرة يتساوى فيها مع المواطن السوري في كل شيء تقريباً، ماعدا الترشح والانتخاب، الأمر الذي هيّأ له حياة كريمة خففت من وطأة الشعور بالاغتراب والنكبة، والأمر الذي سهّل على الأونروا مهمتها كمكمّل لما تقدمه الحكومة من خدمات لمجتمع اللاجئين عبر المؤسسة العامة للاجئين الفلسطينيين. ومنذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، شعر اللاجئون الفلسطينيون في سورية، مثلهم في ذلك مثل بقية إخوانهم في مناطق عمليات الأونروا الأخرى، بتراجع مستوى الخدمة وحجمها، مع تقليص كبير للخدمات التي تقدمها في البرامج التي تعمل عليها (التعليم، الصحة، الخدمات الاجتماعية وبرامج تنظيم الأسرة... إلخ). ومع اقتناع البعض ووفق ما تقدمه الأونروا من تبريرات لهذا التقليص والتراجع بأن العين بصيرة واليد قصيرة نتيجة لعدم وفاء الهيئات المانحة لالتزاماتها المالية، يُعزي كثير من اللاجئين ذلك إلى سياسة ممنهجة يفرضها المتبرعون المتنفذون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية نحو إنهاء تدريجي لمهماتها وإفراغ ما يمثله بقاؤها من سمة سياسية للفلسطينيين. إن ذلك لا يعفي الأونروا من القيام بالمهمات التي أُنشئت لأجلها، رغم حالة التضييق المالي التي تمارس عليها والتي أثبتت التجارب أنه يمكن تجاوزها عبر توسيع دائرة المتبرعين وزيادة حصصهم كي تتمكن من إنجاز برامجها على الوجه الأمثل الذي يلبي حاجة مجتمع اللاجئين المتضرر نتيجة هذا التقليص في الخدمات، الذي نشأت عنه آثار سلبية ومعوّقات تؤثر في تنفيذ برامج الأونروا المختلفة وتقلل نسب النجاح فيها. هنا, لا بد من الحديث عن تلك الآثار وما ينتج منها بغية الوقوف عليها أمام المعنيين لتجاوزها وحل ما أمكن من المشاكل الناجمة عنها:

البرنامج التعليمي

تقدم الأونروا خدمة التعليم في سورية   لنحو 119 مدرسة لمرحلة التعليم الأساسي تشمل أكثر من (66500) تلميذ وتلميذة، ومركز مهني واحد لنحو (1200) طالب. يعمل في هذه الخدمة نحو (2700) كادر تعليمي، وتستحوذ على حصة الأسد من الميزانية. ولدى الأونروا في هذا المجال برنامج طموح تسعى إلى تنفيذه. لكن مهما بلغ هذا البرنامج من تطور، فإنه سيبقى أسير محددات البيئة الاقتصادية الاجتماعية السياسية والنفسية لمجتمع اللاجئين، وخصوصاً في المخيمات. فالمخيم الذي يعيش أبناؤه مع الفقر والبؤس والبطالة وانخفاض مستوى المعيشة وقلق وتوتر بشأن الحاضر والمستقبل هو ما يلقي بظلاله على بيئة المدرسة ونظامها التعليمي،   وستكون النتيجة مدمرة إذا لم تأخذ المدرسة دوراً ريادياً في تشخيص المشكلات وإيجاد الحلول لها والوقوف على السلبيات التي قد تتحول إلى ظواهر كارثية على العملية التربوية برمتها وتبقى العبرة بالمردود. وعلى سبيل المثال، ما زالت مشكلة التسرب للتلاميذ قائمة، بل تزداد، وقد وصلت إلى أكثر من (9%) في بعض المدارس، بينما تستمر مشكلة اكتظاظ الطلاب في الصفوف، وبلغت في بعضها نحو خمسين تلميذاً، الأمر الذي يحرم الكثير منهم خاصيةَ متابعتهم من المدرس، وخاصة التلاميذ ذوي المستوى المتوسط والمتدني، مع الاستمرار بسياسة طي الشُّعَب بدلاً من زيادتها. وهناك مشكلة نظام الدوامين، الصباحي والمسائي، الذي تعمل عليه جميع مدارس الأونروا في سورية، الأمر الذي   يمنع المدرس من التواصل مع التلاميذ المقصّرين أو اكتشاف المواهب والأذكياء منهم، ويحرم الطلاب الاطلاع على التجارب المخبرية والميدانية والاستفادة من المكتبات والموسوعات العلمية   لضيق الوقت. وتنتج من هذه المشكلة أيضاً مشكلة أكبر تكاد تتحول إلى ظاهرة خطيرة، هي وجود نسبة ليست بالقليلة بين التلاميذ وفي مراحل دراسية متقدمة (خامس ـــــــــ سادس) لم تتعلم بعد القراءة ولا الكتابة بلغتنا العربية، نتيجة عدم المتابعة من المدرس والمدرسة، لعدم توافر الوقت اللازم. هذه المشكلة تحتاج إلى حملة وبرنامج خاص لتداركها. ومن المعروف أن نسب النجاح مرتفعة لدى طلاب الأونروا، مقارنة بنظيرتها السورية في الشهادتين الابتدائية والإعدادية، وخصوصاً في ظل توحيد الأسئلة، وهذا شيء إيجابي. والخطأ هنا هو الركون إلى هذه النسبة وتعميمها وعدم الالتفات إلى الواقع، ما يبعدنا عن إيجاد آليات لحل المشكلة، مثلاً: مدرسة نموذجية في مخيم اليرموك نسبة النجاح فيها مائة بالمائة، بينما يتكرر منذ سنوات انخفاض يصل إلى خمسين وأكثر بالمائة في نسبة الناجحين في بعض المخيمات، ومنها مخيم خان دنون على سبيل المثال.

البرنامج الصحي

حققت الأونروا في برنامجها الصحي في سورية نجاحاً ساهم في خفض معدلات سوء التغذية بين الأطفال والرضّع إلى الحد الأدنى وتنفيذ برامج توفير الرعاية الصحية الأولية الوقائية الشاملة. ويلاحظ منذ عقد مضى تراجع مستوى الأونروا وأدائها في مجال الخدمات الصحية في سورية،   الأمر الذي أدى إلى تذمر وعدم رضا لدى اللاجئين عن بعض جوانب التقصير الملموسة، التي يمكن ذكر بعض منها على سبيل المثال: حصر عمل المراكز بالفترة الصباحية، مع عدم وجود مراكز مناوبة، أدى إلى اكتظاظ كبير فيها، ونتيجة لقلة عدد الأطباء العاملين، أصبح لكل 113 مريضاً تقريباً طبيب واحد. وإذا ما قيست فترة دوامه بأربع ساعات، فهذا يعني أن الفحص سيكون شكلياً، وفي معظم الأحيان بالنظر. كذلك تبرز ظاهرة عدم توافر الأدوية في هذه المراكز، وخاصة لمرضى السكري والضغط، وخلو صيدليات المراكز من أنواع كثيرة من الأدوية منذ الأيام الأولى في الشهر. ولا بد من الإشارة إلى أن افتقار الأونروا في سورية إلى وسائل تشخيص متقدمة ومختبرات متطورة ومراكز للتصوير، وخاصة الطبقي المحوري والمرنان أوجد عبئاً كبيراً وإضافياً على كاهل اللاجئ، في ظل ارتفاع تكاليف هذه الخدمات. كذلك، لا بد من الإشارة إلى عدم وجود أطباء ذوي اختصاصات متنوعة، فضلاً عن افتقار هذه المراكز لعيادات العلاج نفسي. ولا بد من الحديث عن بعض التصرفات غير المقبولة التي يبديها البعض من الكادر الطبي تجاه المرضى، كالصراخ والتوبيخ والتعامل بفوقية، وهذه مسؤولية إدارية يجب الوقوف عندها ومعالجتها، مثلما يجب معالجة ظاهرة المحسوبية والواسطة، وخاصة عند إجراء العمل الجراحي في المشافي التي تتعاقد معها الأونروا. ولا يخفى على أحد ما طرأ على علم الطب والطبابة من تحول، نتيجة لتعقد الحياة وتطورها وظهور تكنولوجيا طبية حديثة ومتطورة وظهور أمراض جديدة واختفاء أخرى قديمة. وللأسف، لم يلمس اللاجئ في مراكز الأونروا هذا التغيّر، بل يتمنى لو بقيت الأمور على حالها، وبات المطلوب التوسع في الخدمات الصحية والطبية ومواكبة متطلبات العصر.

مسؤوليات وذرائع

لا شك في أن الأونروا مثّلت العامل الأكثر أهمية في الواقع الاجتماعي والحياتي للاجئين في السنوات الأولى للتهجير، وحققت على هذا الصعيد نجاحاً. لكن بعد توقيع اتفاق أوسلو، بدأ التراجع في تقديم هذه الخدمات،   ورغم اعتراف الأونروا بأن 30 بالمائة من اللاجئين الفلسطينيين في سورية هم عند حد الفقر، لا تتجاوز نسبة الذين يحظون بالخدمات 7 بالمائة من المسجلين، وتتناقص النسبة مع مرور الوقت كما الكمية المخصصة لكل عائلة، الأمر الذي ينطبق على مستوى الخدمات. وفي هذا الجانب تبرز أكثر من مشكلة وأكثر من قضية.

من الضروري اليوم إعادة تمتين الثقة بين مجتمع اللاجئين والأونروا من خلال حثّ الأخيرة على الالتزام بالدور والوظيفة اللذين حددهما لها قرار إنشائها ذي الرقم (302) من دون التساوق مع أية مشاريع، وتحت أي مسميات مهما كانت الذرائع. كذلك من الواجب على مجتمع اللاجئين التمسك بالأونروا كمؤسسة قدمت الكثير للشعب الفلسطيني وما زالت تقدم مع ضرورة حثها على زيادة حجم الخدمات ومستواها، التي تقدمها بما يتناسب والتغيرات الديموغرافية والاحتياجات المتزايدة لمجتمع اللاجئين، ولما تمثله من دلالة سياسية مرتبطة بأم القضايا، متمثلةً بمشكلة اللاجئين وحق عودتهم .