مجلة العودة

الغلاف :المؤسسات النِّسويّة الفلسطينية في لبنان..

المؤسسات النِّسويّة الفلسطينية في لبنان..
دور حيوي وعطاء متواصل وعوائق كثيرة
هيثم أبو الغزلان /بيروت

  عاشت فلسطين في أواخر الانتداب البريطاني، ومع الصراع مع الصهيونية، ظروفاً عمّقتها الأزمة السياسية والاجتماعية، لجهة حالة الفقر والجهل والتخلف العام التي طبعت صورة المرأة الفلسطينية قبيل النكبة عام 1948.
وكان للمرأة الفلسطينية دور مهم في تأجيج المشاعر الوطنية والحفاظ على الهوية وحق العودة، إلى جانب تأجيج المشاعر الطبقية والاجتماعية، نظراً إلى شدة معاناتها وعمقها، وتماسّها اليومي المباشر مع كل مظاهر الحرمان والمرض والمعاناة اليومية التي فرضت عليها تدبير ما لا يمكن تدبيره لأطفالها وأقاربها في سياق المعاناة الأوسع على مساحة المخيم التي تلف الجميع من أبنائه وبناته في إطار من الرهبة والقسوة والخوف من الغد، والترقب والريبة، والحذر والاستنفار الدائم. وهذا كله شكل مدخلاً واسعاً لاندفاع أبناء المخيم ومشاركتهم النوعية والكمية الهائلة في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية منذ ما بعد النكبة الأولى 1948 إلى يومنا هذا.
واضطُرت المرأة في ظل تلك الظروف القاسية والمؤلمة إلى العمل الميداني ومكافحة آفة البطالة والعوز... وكان للمرأة إسهام واضح في التمسك بالهوية وحق العودة إلى وطنها الأصلي، فكان استشهاد شادية أبو غزالة أول شهيدة فلسطينية أثناء إعدادها قنبلة متفجرة في تشرين الثاني عام 1968، وكانت فاطمة برناوي أول مناضلة فلسطينية تُعتقَل في تشرين الثاني1967 بعد وضعها قنبلة في سينما صهيون بمدينة القدس، وحكم عليها بالسجن مدى الحياة...
معاملة تمييزية!!
وتخضع اللاجئة الفلسطينية في لبنان لمعاملة تمييزية ناجمة عن وجود قوانين تحرم العاملات حق العمل في عدد كبير من المهن: الطب، المحاماة، الهندسة والصيدلة رغم  المؤهلات المتقدمة التي يمتلكنها، وهي سياسة لبنانية منهجية بحق اللاجئين الفلسطينيين عموماً؛ إلى جانب حرمانهن حق امتلاك العقارات. لا شك في أن هذه المعاملة التي تبررها الدولة اللبنانية برفض التوطين؛ تُضيّق سبل العيش أمام المرأة وتحدُّ من إمكانات تطورها وتقدمها الحضاري الإنساني؛ وتفاقم من معاناتها الناجمة أصلاً عن التهجير.
وترتبط الحركة النسوية الفلسطينية في لبنان ببرنامج ومكونات الحركة الوطنية الفلسطينية الحديثة، وفرضت حضورها السياسي والكفاحي في أوساط تجمعات اللاجئين. وفي عام 1952 كانت أول مبادرة في تأسيس الحركة النسوية الفلسطينية، فأسّست وديعة خرطبيل «الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني في لبنان».
وفي عام 1965 أُسِّس «الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية»، وعقد مؤتمره الأول في القدس بحضور ممثلات عن جميع المؤسسات النسوية الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها. ومن أهداف الاتحاد «تعبئة المرأة الفلسطينية في جميع المجالات والنهوض بمستوى المرأة الاجتماعي والاقتصادي والصحي والثقافي والقانوني... إلخ».
ويرى البعض أن من مميزات الاتحاد خلال مسيرته الطويلة هي حفاظه على صيغته الائتلافية السياسية والاجتماعية التي نمت وتطورت عبر عقد التحالفات وحل الاختلافات وتباين المواقف السياسية، وخصوصاً بعد توقيع اتفاقية أوسلو، وأن ما مرّ به الاتحاد خلال مسيرته لم يصل إلى مرحلة الانقسام الهيكلي لوجود وحدة الموقف السياسي تجاه قضية اللاجئين وحق العودة من جهة، والمهارة التي اكتسبتها قيادة الاتحاد التي مارست حق الاختلاف في إطار الوحدة واعتماد آليات الحوار واحترام الرأي الآخر.
ويعمل الاتحاد حالياً في لبنان ضمن خمسة محاور: التعليم ما قبل المدرسي، (رياض الأطفال والحضانات)، تنظيم النشاطات الصيفية للأولاد، تنظيم مخيم صيفي للأطفال بالتنسيق مع مجموعة من المؤسسات الأهلية الفلسطينية و»الأونروا» وبعض المؤسسات الأجنبية، تنظيم دورات وورش عمل لتوعية النساء على القضايا الصحية والاجتماعية والبيئية، والمكتبات العامة.
أطر جديدة
 وبعد اتفاق أوسلو عام 1993، وضعف دور منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان تجاه اللاجئين، برزت أطر جديدة منها: اللجان النسائية التابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما.
- «اللجان النسائية» في حركة (حماس) من مهماتها الدعوة والاهتمام بالجوانب التربوية والسياسية والاجتماعية من خلال كفالة أسر الشهداء ورعايتهم من كافة الجوانب.
وتقوم اللجان النسائية بمشاريع عبر مؤسسات تُعنى بتشغيل المرأة الفلسطينية وتعليم المهن والحرف كي تتمكن من مواجهة الصعوبات.
- الهيئة النسائية لحركة الجهاد الإسلامي: تعمل على نشر الوعي السياسي والديني وتهتم بأسر شهداء الجهاد، وتُنظم المهرجانات والاحتفالات في المناسبات الوطنية والدينية.
- «لجان المرأة» التابعة لـ»الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» تُركز في عملها على إقامة الندوات والحلقات التثقيفية والصحية، بهدف تحصين المجتمع الفلسطيني ونشر التوعية والاهتمام بتعليم المرأة وتوفير فرص عمل لها إذا أمكن ذلك...
- «المنظمة النسائية الديموقراطية الفلسطينية» التابعة للجبهة الديموقراطية: يتركز عملها على تفعيل دور المرأة من خلال الاهتمام بـ: أسر الشهداء، والعاملات والموظفات وربّات المنازل. وتعمل على مشاركة النساء في صنع القرار الوطني عبر دعم ترشيحهن للمواقع القيادية في مختلف الهيئات وفق اعتماد كوتا لتمثيل النساء بنسبة لا تقل عن (30%).
- اتحاد لجان المرأة العاملة الفلسطينية في لبنان (الإطار النسوي لحزب الشعب الفلسطيني): يسعى الاتحاد إلى إيلاء المرأة اهتماماً يمنحها كل حقوقها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية...
الجمعيات المتخصصة
أسهمت المنظمات غير الحكومية المتخصصة (NGOS)، مع المنظمات والهيئات النسائية التابعة لفصائل العمل الوطني الفلسطيني والإسلامي، بشكل منفرد أو مشترك بتحقيق إنجازات كبيرة لقضية المرأة والدفاع عن قضايا اجتماعية عديدة.
وكان لهذه الجمعيات دور بارز في المخيمات؛ إذ انخرطت المرأة في برامج الدفاع عن الحقوق الوطنية والمدنية والاجتماعية في لبنان، عبر المشاركة بتحركات ناجحة أسهمت في تحقيق مطالب اجتماعية هامة: بناء وكالة (الأونروا) مدارس ثانوية، إلغاء الرسوم المالية التي فرضت على الطلبة الفلسطينيين في الجامعة اللبنانية، تحسين رواتب أسر الشهداء، المطالبة بحق العمل وإلغاء قانون منع التملك العقاري... ومن هذه الجمعيات:
- جمعيـة النـجــدة الاجتماعية: الهدف الرئيسي للجمعية هو تمكين المرأة «باعتبارها عنصراً أساسياً في المجتمع الفلسطيني»، وذلك من خلال تمليكها الوسائل والأدوات الضرورية ليكون لها دور بارز في مجتمعها. وتعمل الجمعية لجعل المرأة فاعلة ومنتجة، وتعتمد على نفسها وتُسهم بشكل رئيسي في تطوير المجتمع الفلسطيني في لبنان.
 وللنجدة 26 مركزاً داخل مخيمات اللاجئين وفي محيطها، وتستهدف برامجها المرأة  مباشرة، وتتضمن: دورات في التدريب والتأهيل المهني، التربية الشعبية، برامج تقوية، برنامج الأم والطفل (رياض للأطفال)، برنامج العمل الاجتماعي الذي يتضمن المساعدات الاجتماعية ومشروع العنف الأسري، الإنتاج أو مشروع التطريز (البادية) ومشروع القروض الصغيرة.
وغالبية الأعضاء العاملين في النجدة هم من النساء الفلسطينيات، و(80%) من المستفيدين هم من النساء وفلسطينيات.
- المؤسسة الوطنية للرعاية الاجتماعية والتأهيل المهني (بيت أطفال الصمود): تأسست في (1976/8/12)، وهي مؤسسة إنسانية لرعاية الأطفال الذين فقدوا الوالدين أو أحدهما، ممن يعيشون في المخيمات الفلسطينية في لبنان. تسعى المؤسسة إلى رفع مستوى الأسرة اقتصادياً ومهنياً عبر برامج خاصة بالشباب والمرأة لتأكيد الهوية الفلسطينية عبر حفظ التراث الفلسطيني للأجيال القادمة.
وتقدّم المؤسسة مشاريع الخدمات الاجتماعية التي تتضمن مشروع إسعاد الأسرة، الخدمات التربوية، الخدمات الصحية: عيادات الأسنان مراكز الإرشاد الأسري، الصحة النفسية والعصبية والتدريب والتأهيل المهني، إضافة إلى مشاريع نسوية وإصدار مطبوعات.
- مؤسسة التعاون هي مؤسسة فلسطينية أهلية تنموية تُسهم في تطوير قدرات الإنسان الفلسطيني والحفاظ على تراثه وهويته ودعم ثقافته الحية وبناء المجتمع المدني.
وتمكنت المؤسسة خلال افتتاح فرعها في لبنان من جمع تبرعات لثلاثة مشاريع رئيسية لتنفيذها في المخيمات عبر تقديم رواية «عائد إلى حيفا» في عرض درامي مسرحي في لبنان والدول العربية الأخرى، وتصوير المسرحية بالفيديو وإنتاجها على أقراص مدمجة في مرحلة لاحقة. والمشروع الثاني بعنوان «جذوري في فلسطين»، والثالث بعنوان «12 نافذة على فلسطين»، عبر إنتاج خريطة بصرية لفلسطين عبر 12 لوحة مطرزة.
- المنظمة الإنسانية النسوية: هي منظمة خيرية مستقلة، تأسست في عام 1993 بهدف دعم المرأة والطفل في مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان.
- جمعية المرأة الخيرية: تأسست في 1993، وتعمل في مجالات التدريب المهني، والطفولة المبكرة، والأنشطة العامة...
 وفي الختام، نلاحظ من خلال ما تقدم أن المؤسسات النسوية الموجودة ترتبط بمنظمة التحرير أو بفصائل فلسطينية: إسلامية ووطنية. كذلك هناك منظمات غير حكومية متخصصة (NGOS)، ولكلٍّ أهدافه وتطلعاته ومآلاته في النظرة إلى المرأة ودورها في عملية رفع مستواها وخدمتها.
ويُلاحظ أيضاً التطور من خلال اختلاف ظروف نشأة الاتحاد العام للمرأة عما يعيشه واقعاً اليوم، من خلال اهتمام المرأة بالأنشطة السياسية المتعلقة بحق العودة، والجوانب الاجتماعية والاقتصادية من خلال إبراز دورها اجتماعياً ومعيشياً وإنسانياً وحقوقياً... لنجد أن المرأة من خلال مسيرتها هي من جهة شريكة الرجل في الكفاح والمقاومة من أجل تحرير أرضها ومجتمعها من الاحتلال وتحقيق الاستقلال، ومن جهة أخرى، عليها أن تقوم مقام الرجل في تدبير شؤون الأسرة والحفاظ على تماسكها، عندما يستشهد رب الأسرة أو يعتقل أو يطارد أو يفقد عمله لسبب أو لآخر، وعليها أيضاً أن تعمل على تحقيق ذاتها وإثبات قدراتها  ♦