مجلة العودة

الغلاف: قوانين عنصرية بالجملة.. والخـافي أعظم! - ماهر الشاويش

قوانين عنصرية بالجملة.. والخـافي أعظم!

ماهر الشاويش/ دمشق

تقوم الصهيونية على أساس أن اليهود هم شعب الله المختار، وقاد هذا الإيمان بالاختيار والاستعلاء إلى التمييز بين اليهود وغيرهم من أبناء الديانات الأخرى.

ولم ينعكس ذلك التفاوت والتمييز العنصري على الفكر الصهيوني فقط، بل أيضاً على الكيان الصهيوني وليد الصهيونية والإمبريالية العالمية، فأصبحت عنصرية الدولة هي السائدة في المسماة دولة «إسرائيل». ما أدى إلى إصدار العديد من القوانين العنصرية التي تجسّد هذا الفكر.

نصرية تاريخية ومتجذرة

تتضمن هذه القوانين بعض ما ورد من النزعات العنصرية في التوراة والتلمود والصهيونية تجاه فلسطينيي 48، وذلك لاقتلاعهم من أرضهم وترحيلهم وإحلال يهود العالم محلهم بالحروب العدوانية والمجازر الجماعية وتكريس الأمر الواقع بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية، ولا يزال هذا التوجه العنصري مستمراً منذ أكثر من ستين عاماً.

وبدأت القوانين الإسرائيلية العنصرية بالظهور منذ تأسيس الدولة المسماة «إسرائيل» ولا تزال مستمرة حتى الآن بمصادرة الأراضي والمياه الفلسطينية وترحيل الفلسطينيين وهجرة اليهود إليها.

ويجسد قانون العودة لعام 1950 وقانون الجنسية لعام 1952 والتعديلات التي أدخلت عليه عام 1971 وقانون أملاك الغائبين وقوانين الأراضي والعديد من القوانين الأخرى، ومنها قانون المواطنة في عام 2007 العنصرية في القوانين الإسرائيلية بأجلى مظاهرها وعلى مرأى ومسمع الأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان.

وينص قانون العودة على أن (كل يهودي «في العالم» له الحق في العودة إلى البلاد كيهودي عائد!)

وهذا القانون من أكثر القوانين عنصرية، بل إنه مصدر أساسي للعنصرية ولا مثيل له في قوانين أي بلد من بلدان العالم. وهو موجه إلى جميع اليهود في العالم يدعوهم للهجرة إلى فلسطين بغض النظر عن جنسيتهم أو الشعوب التي ينتسبون إليها، وبغض النظر عن عدم وجود أي علاقة بينهم وبين فلسطين، بل على أساس كونهم يهوداً. وقانون العودة هو أبشع أنواع العنصرية والتمييز العنصري، ويجسد أيضاً التفرقة العنصرية تجاه الفلسطينيين، وينكر عليهم حقهم في العودة إلى ديارهم لكونهم عرباً وليسوا يهوداً.

قوانين مقترحة

وفي ضوء الهجمة الإسرائيلية الشرسة المتواصلة على فلسطينيي 48، ومحاولات تقليص حقوقهم السياسية والمدنية وإقصائهم وتقييد نشاط أحزابهم وقياداتهم، طرحت رزمة من القوانين «ما فوق العنصرية»، ووضعت أخرى إضافية على الطاولة، حيث جرى الحديث الآن عن سبعة اقتراحات قوانين، باعتبارها «جرعة مصغّرة تعكس بوضوح تدهور وخطورة الواقع الإسرائيلي الآخذ بالتطرف تحت حماية (القانون)».

أولاً: اقتراح قانون النكبة: في البداية كانت الغاية من القانون حظر إحياء ذكرى النكبة وفرض عقوبة السجن على كل من يحييها، وفي ما بعد تبلورت صيغة معدّلة تنص على سحب أي تمويل حكومي للأجسام التي تحيي النكبة. مشروع القانون هذا يعبّر عن محاولة عنصرية للمساس بحق حرية التعبير لدى الأقلية العربية الفلسطينية في البلاد، والمساس كذلك بحقها بالتعبير عن هويتها القومية والوطنية.

ثانياً: تصريح الولاء لأعضاء الكنيست: بموجب الاقتراح، على عضو الكنيست عند أداء القسم أن يصرّح بولائه لدولة «إسرائيل» كدولة يهودية وديموقراطية، وولائه لقوانينها ورموزها ولنشيدها الوطني. الهدف من اقتراح القانون هذا هو الحدّ من دور الأقلية الفلسطينية بالتأثير والمشاركة الفعّالة في «الديموقراطية الإسرائيلية».

ثالثاً: اقتراح قانون حظر التحريض: بموجب الاقتراح، سيجري تعديل «مخالفة التحريض» الحالية، بحيث يكون التعامل مع كل مادة منشورة تنافي تعريف دولة «إسرائيل» كدولة يهودية وديموقراطية على أنها تحريض، وستفرض على الناشر عقوبة السجن. هذا الاقتراح يقلص من مساحة حرية التعبير، ويجعل التعريف للمخالفة الجنائية فضفاضاً أكثر بالتناسب مع الموقف السياسي.

رابعاً: اقتراح قانون الولاء لدولة إسرائيل: بحسب مشروع القانون هذا، يُشترط الحصول على مواطَنة إسرائيليّة بالتوقيع على تصريح ولاء «لدولة إسرائيل كدولة يهوديّة، وصهيونيّة، وديموقراطيّة، ولرموزها وقِيَمها». وفرض مشروع القانون على كلّ مواطنٍ واجب الخدمة في الجيش أو في إطار بديل، وخُوّل وزير الداخليّة الصهيوني سحب المواطنة مِن كلّ مَن لا يوقّع على التصريح، أو لا يخدم الدولة. عمد هذا المشروع لشرعنة الترانسفير العنصري ضد المواطنين العرب.

خامساً: قانون المواطنة: في شهر تمّوز عام 2010، مُدِّدَ للمرّة السادسة سَرَيانُ القانون الذي يمنع أزواجَ المواطنين الإسرائيليّين، من الفلسطينيّين أو من مواطني الدول العربيّة، من الحصول على مكانة في «إسرائيل»، على الرغم من الانتقادات التي وجّهتها المحكمة العليا إلى القانون بسبب انتهاكه القاسي لحقوق مواطني «إسرائيل» الدستوريّة، وللحقّ في الحياة العائليّة والمساواة.

سادساً: اقتراح قانون السينما: بموجبه لن يتمكن طاقم الفيلم الحصول على دعم من دون تصريح الولاء لدولة «إسرائيل» كدولة يهودية وديموقراطية ولرموزها.. من أعضاء الطاقم. هذا الاقتراح يضرب عُرض الحائط بالحق في التعبير عن الرأي والحق بالاحتجاج والحق بحرية الإنتاج الفني.

سابعاً: تعديل قانون الجمعيات التعاونية - لجان القبول، الذي ينص على اشتراط القبول للبلدات الجماهيرية، «بالموافقة والعمل على تحقيق أهداف ومبادئ الأكثرية القاطنة في هذه البلدات»! وذلك بهدف منع المواطنين العرب من أي إمكانية لقبولهم للسكن في هذه البلدات. هذا المشروع ينافي الحق الذي تضمنه قوانين الأساس في المساواة والحق في اختيار أماكن السكن، ومن خلاله سيكون من صلاحية جهة خاصة أن تقرر من يسكن في البلدة حسب انتمائه السياسي أو اعتقاداته الدينية أو حسب اعتبارات إثنية وقومية، ما سيكرّس العنصرية وسيزيد الفجوات والفروق في المجتمع.

قوانين أُقرت

أول هذه القوانين، «قانون المواطنة»، الذي أقرته حكومة نتنياهو بالغالبية الساحقة من وزرائها، ويفرض القانون الجديد على كل من يريد الحصول على «الجنسية الإسرائيلية» أداء قسم «الولاء» لإسرائيل دولة يهودية وديموقراطية، ما حدا بجدعون ليفي من هآرتس إلى أن ينشر مقالاً بعنوان «جمهورية إسرائيل اليهودية» على غرار «جمهورية إيران الإسلامية»، وما دفع بدان ميريدور من الليكود إلى وصف القانون «بالضار والزائد» الذي ستكون له عواقبه على سمعة «إسرائيل» ومكانتها، وبالأخص علاقاتها مع «عرب 48»، المستهدف الأول بالقانون.

ثاني هذه القوانين، «قانون النكبة»، الذي أُقر بالقراءة الأولى وسيعرض على الدورة الشتوية لإقراره نهائياً، ويقضي بقطع تمويل الحكومة عن كل حزب أو منظمة أو هيئة تتحدث عن «نكبة فلسطين» أو تحيي ذكراها، وهذا القانون مصمم بالأساس لمواجهة الأحزاب والقوائم العربية في مناطق 48.

ثالث هذه القوانين، قانون «منع التحريض»، وبموجبه سيُحبَس أي شخص وتُعاقَب أية جهة تنكر «حق إسرائيل في الوجود كوطن قومي للشعب اليهودي». هذا القانون هو التجسيد «المحلي» إن جاز التعبير لمطلب «يهودية الدولة» الذي يحاول نتنياهو فرضه على السلطة الفلسطينــيـــة فـي رام الله.

رابع هذه القوانين، قانون «لجان القبول»، وبموجبه سيتيعن على أي عربي الحصول على إذن مسبق للسكن في أي حي يهودي، وسيُفرض على كل عقد بيع أو إيجار الحصول على هذه الإجازة مسبقاً، تكريساً لمبادئ الفصل العنصري، وإمعاناً في التضييق على سكان البلاد الأصليين.

وأخرى تنتظر..

وفي خضم هذا السيل من القوانين التي تستهدف الحركة الوطنية في أراضي فلسطين 1948، أعلن عضو الكنيست اليميني المتشدد ميخائيل بن آري تقديم مشروع قانون يسعى لإضفاء صفة ما يسمى الإرهاب على الحركة الإسلامية لفلسطينيي الداخل.

ويستهدف مشروع القانون المقترح بصورة رئيسية الحركة الإسلامية الشمالية، بقيادة الشيخ رائد صلاح والتجمع الوطني الديموقراطي.

ويقترح بن آري في مشروع القانون تعديل تعريف ما يسمونه «التنظيمات الإرهابية» لتضم كل من يعبر عن تأييده للكفاح المسلح أو ما يسميه الإرهاب، وكل من يعترض على السيادة الإسرائيلية في الحرم القدسي الشريف.

ويطالب في هذا الصدد بتعديل تعريف ما يسمى «المنظمات الإرهابية» ليشمل «حركات وأحزاباً تشجع التنظيمات الإرهابية، أو تؤيد العمل المسلح ضد «إسرائيل»، أو تسعى للمس بالسيادة اليهودية في جبل الهيكل المزعوم، الذي يعرف بالحرم القدسي».

وقال بن آري، الذي نشأ في حركة «كاخ» الكاهانية المتطرفة، إنه سيقدم مشروع قانون لـ«إعادة تعريف الحركات الإرهابية» ليتيح الإعلان عن الحركة الإسلامية الشمالية والتجمع الوطني الديموقراطي كـ«منظمتين إرهابيتين».

وبذلك يكون بوسع الجهاز القضائي فرض أحكام بالسجن لمدة عشرين عاماً على قادة تلك الحركات، وخمس سنوات على ناشطين مركزيين فيها، إذا ما أقر القانون.

هي إذن، موجة هستيرية يمينية - عنصرية، تجتاح المجتمع والطبقة السياسية والنخبة الحاكمة في «إسرائيل»، تأخذ الدولة العبرية إلى مستنقع عنصري لا نظير له في أزمنتا الراهنة، مبني على الكراهية ورفض الآخر و«التمييز العنصري»، هي موجة تأتي كثمرة لانزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين بجناحيه العلماني والديني، بدلالة أن كل هذه القوانين، تصدر في البدء عن أحزاب وكتل يمينية (إسرائيل بيتنا والليكود) بيد أنها سرعان ما تحظى بغالبية وازنة عند مناقشتها في الحكومة، واللافت في أمر هذه التشريعات، ذاك التلازم بين اقتراحها والعمل على إقرارها من جهة، والضغوط الهائلة التي تمارسها الحكومة اليمينية لفرض «يهودية الدولة» على الشعب الفلسطيني وقيادته ومفاوضيه، باعتبارها شرطاً لأي تقدم على طريق المفاوضات والسلام، من جهة إخرى، إنها ترجمة قانونية أكثر تشدداً وإقصائية لنص «وعد بلفور» المشؤوم.

مجتمع كهذا، لا يصنع سلاماً ولا يقبل تعايشاً، لا يعرف التسويات والحلول الوسط، ولا يفهم لغة الحوار والتعددية، مجتمع كهذا تعبّر عن مكوناته ومكنوناته، المناورات الحربية الإسرائيلية الأخيرة التي حاكت عمليات «ترانسفير واسعة» لعرب 48 عن مدنهم وقراهم، لكن يبدو أن الرسالة لم تبلغ مسامع المفاوضين الذين أظهروا أنهم في واد وشعبهم في واد آخر.

آلية حماية عاجلة

يتضح مما سبق أن فلسطينيي 48 يمرون بأخطر مرحلة في تاريخهم ضمن سلسلة إجراءات متلاحقة تتنوع بين التضييق وسنّ القوانين، وصولاً إلى عقد صفقة أو اتفاق قد ترسم لهم معالم مستقبل محفوف بالمخاطر ورحلة جديدة من التشرد.

وهذا الأمر يفرض اتخاذ سلسلة من الخطوات العاجلة لصناعة وخلق آليات حماية قانونية دولية تمثّل حاجزاً في وجه أية محاولة للانتقاص من حقوقهم، حيث يحتاج اللجوء إلى تلك الإجراءات إلى تحرك نشط من الدول العربية والإسلامية بتنسيق مع المجتمع المدني لاستخدام الإجراءات الدولية في تكوين منظومة الحماية لهم.

وتتوافر عوامل نجاح هذا الحراك في السعي الحثيث والمتابعة والعمل الجاد، وقد برهنت التجربة العملية داخل مجلس حقوق الإنسان على أن النجاح العربي والإسلامي في أي قضية ممكن ونسبه عالية إذا تحققت له الثلاثية المكونة من دبلوماسية جادة ممثلة في الحكومات ومجتمع مدني يعمل بقوة وإعلام مستعد لتغطية الحدث وتفاصيله.