مجلة العودة

النكسة الصهيونية عام 1967

النكسة الصهيونية عام
1967


فادي سلايمة –حمص

قد يتبادر للذهن وللوهلة الأولى أن عام 1967 هو عام النكسة الفلسطينية وعام النصر للصهيونية، ولكن الحقيقة التي لا يعرفها الكثيرون هو أن عام 1967 كان بداية النكسة الصهيونية، وأن أرض الضفة الغربية وقطاع غزة هي في حقيقة الأمر مقبرة (إسرائيل). فبعد احتلالها عام 1967 بدأت التداعيات تظهر في المشروع الصهيوني – لا أقول في ترسانته العسكرية، ولا في تدفق مليارات الدولارات، إنما في العودة إلى مسألة هويته..

قدّر الإسرائيليون أنّ حرب عام 1967، وهي المرحلة الثانية لتهويد فلسطين، سوف تحقق لهم ما يصبون إليه: دولة يهودية من دون فلسطينيين. لكنهم اصطدموا بالواقع الديمغرافي الذي بعث من جديد فكرة ((الدولة ثنائية القومية)) التي اقترحها في عشرينات القرن الماضي ((مارتن بابر))، واستحالة قيام ((دولة يهودية)) من دون فلسطينيين.

فإزاء شعب فلسطيني أصيل نهض يطالب بحقه في هويته وأرضه وقف أحرار العالم -ولأول مرة منذ قرن كامل- يراجعون نظرية الحق الشرعي اليهودي التي زُعمت في تبرير مشروع تهويد فلسطين، وليعلنوا بصوت عالٍ، إنهم مع الشعب الفلسطيني ومع الانتفاضة، حتى أن الكاتب الإسرائيلي (داني روبنشتاين) قال في كتابه ((الناس الذين ليس لهم مكان)) عن الفلسطينيين: ((أعجبت لهؤلاء الفلسطينيين فشعوب العالم كلها تعيش في مكان أما الفلسطينيون فإن المكان يعيش فيهم)).

هنا عاد الحديث عالياً، في أوساط المفكرين، عن البنية الملفقة للدولة اليهودية، يراجعون مقولة بريجنسكي في كتابه "رقعة الشطرنج الضخمة"، فالحديث عن ((الدولة اليهودية))، يماثل الحديث عن ((الدولة الأميركية)) فمنشؤهما واحد، بنية تلفيقية..

إذن هذه البنية الملفقة أضحت بعد حرب 1967 معرضة للاختراق إن أجلاً أو عاجلاً.. إذن هناك خطر داهم..

تحدث ديمغرافيون صهيونيون عن نهاية سوداء للدولة اليهودية، وقدموا الدراسات والإحصاءات..

إن إجمالي السكان الفلسطينيين على كامل أرض فلسطين الكبرى (بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة) ما يقارب 4 ملايين نسمة.

وإن إجمالي السكان اليهود على كامل أرض فلسطين الكبرى (بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة)، ما يقارب 5 ملايين نسمة.

أي نسبة 45% للعرب ونسبة 55% لليهود.

معدلات الخصوبة عند الفلسطينيين: 4,7 طفل لكل امرأة.

يقابلها عند اليهود الشرقيين: 3,14

يقابلها عند اليهود الغربيين: 2,10

يقابلها عند اليهود المهاجرين من روسيا: 1,96

أعلن الدكتور يهودا دون في صحيفة ((هآرتس)) بأن التكاثر الطبيعي سيجعل عدد الشعبين اليهودي والفلسطيني متساوياً في غضون 14 سنة..

واتفق العالمان الديمغرافيان دوف فريدلندر وكلافين جولدشتاير على القول أنه مع الحد الأقصى من الاستيطان اليهودي والاحتفاظ بكل المناطق المحتلة عام 1967 قد يصبح اليهود أقلية عددية، بل لقد نقلت صحيفة ((شيكاغو-تريبيون)) عن البروفسور أرنون سوفر بأن الوضع الديمغرافي الحالي، إذا استمر على ما هو عليه فستختفي (إسرائيل).

إذن الخطر الذي يهدد الدولة اليهودية، هو "السكان الفلسطينيون" إنهم القنبلة الموقوتة، القنبلة الديمغرافية.

بعد حرب عام 1967 واحتلال (إسرائيل) للضفة الغربية وقطاع غزة ذات الأغلبية الفلسطينية وصل هوس المسؤولين في (إسرائيل) بتحويلها إلى بلد غير شرقي إلى حد القيام بدعوات تشجع اليهود الغربيين على زيادة النسل وذلك بتقديم مساعدات مادية للعائلات التي تنجب أطفالاً وعدم معاملة اليهود الشرقيين أو الفلسطينيين بمثل هذه المعاملة بحجة أنه لا يجب زيادة النسل عند (المتأخرين). وقد بدأت هذه الحملة بعد سنة 1967 وعلى أثر ازدياد عدد السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة (بعد ضم الضفة الغربية وقطاع غزة)، ولكن المنادين بهذه الحملة خافوا أن يستجيب لها اليهود الشرقيون فكانوا يستدركون ويقولون بأن التشجيع يجب أن يقتصر على المتعلمين والمتقدمين وأنهم يجب أن يعنوا بالكيف لا بالكم، بنوع الأطفال لا بكثرتهم!!.

ولتجنب (النكسة الصهيونية) عقد خلال الفترة الواقعة ما بين 16-21 كانون الأول عام 2000 في المركز المتعدد الاختصاصات ((هيرتسليا)) في الأرض المحتلة مؤتمر كبير حضره نحو 300 شخصية تحت عنوان: ميزان المناعة والأمن القومي لـ(إسرائيل) –اتجاهات لسياسة عامة- واستنتاجات وخطوط سياسية أساسية.

اشتمل الحضور على أبرز الوجوه في المؤسسات السياسية والأمنية والأكاديمية ورؤساء الموساد، وشعب المخابرات، رجال الفكر، كبار الضباط، رؤساء مراكز الأبحاث، رؤساء الدولة السابقين، رؤساء ووزراء حاليين وسابقين، رؤساء الأحزاب وكتل السياسة، أساتذة الجامعات المرموقين.

هذه الشخصيات وغيرها، ممن شارك في المؤتمر وفي ضوء أسماء المؤسسات الداعمة له، تجعل منه واحداً من أهم مراكز صنع القرار الصهيوني وقد يغدو، في مستقبل غير بعيد أهمها على الإطلاق.

القضية التي بحثت وصدرت بصددها دراسات، ما أصبح يعرف بالتهديد الديمغرافي.Description: http://alawda-mag.net/assets/issue69/p14.gif

لقد وضع المؤتمر القضية كأطروحة على الشكل الآتي:

((إن الأقلية في (إسرائيل) ستصل إلى ربع السكان وربما إلى أكثر من ذلك، والأغلبية اليهودية ستأخذ في التقلص، في حال استمرار الاتجاهات الديمغرافية الحالية، وهذا بدوره سيضع (إسرائيل) أمام تهديد كبير من ناحية طابعها وهويتها كدولة يهودية تابعة للشعب اليهودي)).

وتأتي توصيات المؤتمر، لتعيد التأكيد على الهدف الاستراتيجي الذي حددته الحركة الصهيونية منذ مؤتمر بال عام 1897 بالنص على أنه:

((لا يمكن إلا لحدود تضم أكثرية يهودية صلبة على مدى الأجيال، أن تضمن حدود دولة (إسرائيل) ))..

وفي السياق نفسه:

((الثقافة العلمانية أصبحت الثقافة السائدة في (إسرائيل) والشتات وإذا فقدت الأكثرية العلمانية هويتها اليهودية، لن يكون ثمة شعب يهودي)).

زاد رعب الصهيونيين بعد عام 1967 مع ازدياد لهيب القنبلة الديمغرافية الموقوتة (السكان الفلسطينيون)، هذا اللهيب الذي أخذ يتصاعد يوماً بعد يوم منذ عام 1967 وحتى الآن من خلال تصاعد العمل الفدائي كماً ونوعاً، والانتفاضات الفلسطينية المتتالية، بل امتد هذا اللهيب إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948. حتى أصبحت النكسة الصهيونية حقيقة واقعة يرددها العدو قبل الصديق، حتى أن "موشي دايان" وزير دفاع العدو الإسرائيلي نفسه قال في مقابلة صحيفة أجرتها معه مجلة "شتيرن" الألمانية الغربية أنه: بسبب احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 ((وصل الفدائيون حتى تل أبيب وحيفا. وليتنا نستطيع أن نقضي عليهم، تأكد أنني لو استطعت ذلك، لما تأخرت دقيقة واحدة، إننا عاجزون عن قطع دابر الإرهاب!!)).

لا شك في أن هذا الاعتراف، يبطل ويعري كل الإدعاءات الصهيونية، ويثبت خطأ الحسابات التي وضعت في أعقاب حرب عام 1967، وأبرزها اعتقاد السلطات الحاكمة في تل أبيب بأنها انتصرت نهائياً، وأن العمل الفدائي ليس سوى نزوة عابرة، أو مغامرة، في أفضل الحالات..

ويذكرنا هذا بالآراء التي ارتفعت بعد عام 1967، حين طالب قسم من الصهاينة بفتح الحدود بين المناطق المحتلة حديثاً والمحتلة قديماً. وبالفعل تم ذلك، لكن لأشهر قليلة، حيث أدركت سلطات الاحتلال مدى الأخطار الناجمة عن اتصال شعب فلسطين بعضهم ببعض. فكان أن أعيد إغلاق الحدود، وحظر على فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، الانتقال إلى الجزء المحتل منذ عام 1948 إلا بتصريح رسمي.

هذه الإجراءات التي كان إخفاقها واضحاً - حسب اعتراف زعيم المؤسسة الصهيونية ذاته – لم تؤد إلى وقف تغلغل الثورة إلى الفلسطينيين الذين ذاقوا ويلات الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948. فهناك حقيقة تاريخية ثابتة وهي أن المقاومة ثمرة طبيعية يولدها الاحتلال.

لقد تنبأ أرنولد توينبي المؤرخ البريطاني الشهير في عام 1972 بأن: الإسرائيليين سيعودون في النهاية إلى المهجر بالشتات. قال هذا في الوقت الذي كانت (إسرائيل) تقطف ثمار انتصارها في حرب عام 1967. وكانت في قمة النشوة والفخر والاعتزاز، وتبدو أكثر تماسكاً وتلاحماً وجذباً لملايين اليهود المنتظرين دورهم لتكتحل عيونهم برؤية أرض الميعاد!!..

هناك فكاهة مشهورة ظهرت في (إسرائيل) قبل حرب عام 1967 تقول: على آخر شخص يغادر مطار اللد أن لا ينسى إطفاء الأنوار. فهل تتحقق نبوءة توينبي؟؟، وهل تصبح الفكاهة حقيقة؟؟.

إن أميركا استطاعت أن تمد الكيان الصهيوني بالمال والسلاح لتحقق انتصاراً آنياً، ولكنها لن تستطيع أبداً مدَّه بمسألة الهوية لتمنع هزيمة نهائية، كما أن (إسرائيل) فشلت في جعل فلسطين ((دولة يهودية)) من دون فلسطينيين، وفشلت في معالجة أزمة الهوية في حرب عام 1967 بل على العكس إن هذه الحرب زادت من تفاقمها يوماً بعد يوم وحتى اليوم.. وصولاً إلى النتيجة الحتمية وهي زوال (إسرائيل) ونكسة الصهيونية.♦