مجلة العودة

عمار الخطيب أحد جرحى مسيرة العودة 2011

عمار الخطيب أحد جرحى مسيرة العودة 2011
كيف لي أن أنسى أرض الآباء والأجداد؟!
 
 
العودة - دمشق

أنا الفلسطيني أغمد بالأرض جراحي ليستفيق النهر ويعربد في غضب، أصوغ من لحم المكان اسمي، ومن عبق البارود صوتي، وأقف بيني وبين موتي يكبر السؤال، حالماً بالعودة إلى ميراث آبائي وأجدادي، فكيف لي أن أنسى حقي في أرض فلسطين؟
بهذه الكلمات عبّر عمار سمير الخطيب، أحد جرحى مسيرة العودة الأولى 2011/5/15، عن انتمائه إلى فلسطين ومدى اشتياقه للعودة إليها. هذه الكلمات تختزل الكثير من الأقوال والشعارات الرنانة التي لا تغني ولا تسمن، وخاصة عندما يؤكد أنه سيثبت للعالم أن إرادة العودة أقوى من جبروت الطغيان، وأن اللاجئ الفلسطيني موجود وحيّ وشرايينه تنبض حباً وأملاً بالعودة إلى فلسطين.
الشاب عمار سمير الخطيب لاجئ فلسطيني ابن قرية دلتا (قضاء صفد)، يقطن في مخيم اليرموك – جنوب العاصمة السورية دمشق. عمار الذي لم يكمل من العمر ربيعه، ولم يتجاوز (15) عاماً، ابن المخيم الذي تربى على عشق الوطن والحلم بالعودة إليه، اندفع للمشاركة في «الزحف إلى فلسطين» إحياءً للذكرى الـ 63 للنكبة. لكن هذا اليوم بقي محفوراً في ذاكرته إلى الأبد؛ فكم تمنى أن يصل إلى تخوم الوطن الذي طالما سمع عنه وعشقه في قلبه وعقله. إنه حلم كل اللاجئين الفلسطينيين الذين رضعوا حب فلسطين من صدور أمهاتهم ومن حكايات الآباء والأجداد، هذا الحلم هو الذي جعل فلسطين ترتسم بعقله وقلبه ولا تفارق مخيلته، وكذلك ليدحض المقولة الصهيونية بأن «الآباء يموتون والصغار ينسون»، وليؤكد أن العودة إلى تراب الوطن لا تكون إلا من طريق المقاومة وبسواعد الشباب المؤمنين بقضيتهم وحقهم في فلسطين.
عمار الذي وطئ بقدميه تراب مجدل شمس، شعر بنشوة حملته فوق أجنحتها، ورعشة في بدنه جعلت حلم العودة يداعب مخيلته ويوقظه من سباته، تنسم رائحة أرضه ودماء آبائه وأجداده الزكية، التي سالت فوق خناجر كيان غاصب غدار لا عهد له. انتابه حينها شعور لا يوصف عندما تخيل أنه يحرر وطنه الذي احتله الصهاينة طوال عقود وأبعدوه عنه. يقول وملامح حب الوطن ترتسم على وجهه: «بدخولي إلى الأرض المحتلة حققت شقاً من أحلامي. أما الشق الثاني، فكان التصدي للصهاينة ومقاومتهم وجهاً لوجه».
يروي عمار الخطيب لحظة دخوله إلى أرض الجولان فيقول: «عندما رأيت مجدل شمس لم أشعر بنفسي إلا وأنا أسير باتجاهها وكأنني أسير إلى فلسطين. اخترقنا الحدود واقتلعنا الأسلاك الشائكة التي تفصل بيننا وبين العودة إلى أرض الوطن. كنت تحت تأثير حب فلسطين، فحملت روحي في يدي وبدأت أرشق جنود الكيان الغاصب بالحجارة، فردوا علينا بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء ظناً منهم أنهم سيرهبوننا ويمنعوننا من اجتياز الحدود، لكن تلك الطلقات جعلتنا نتقدم باتجاههم ونُكبر ونردد الهتافات الداعية إلى تحرير فلسطين، فقام هذا العدو الذي لا يفهم إلا لغة القتل وسفك الدماء بإطلاق الغازات المسيلة للدموع والذخيرة الحية باتجاهنا. في بداية الأمر أغمي علي، وعندما استيقظت من الغيبوبة وجدت نفسي في الأراضي السورية المحررة، فنهضت وعدت أدراجي إلى أراضي مجدل شمس المحتلة، ودخلت وأنا أرفع علم فلسطين بيد وأرمي الحجارة على جيش العدو الصهيوني باليد الأخرى، ولم أشعر إلا بطلق ناري أصاب ساقي اليسرى. وعلمت بعد نقلي إلى مشفى أباظة في القنيطرة أن لدي كسراً متفتتاً في عظمي الساق. وأردف الخطيب قائلاً: «لن يرهبونا، ولن يخيفونا بهذه الطلقات والجراح»، وهذه الرصاصة التي اخترقت جسدي هي «وشم» نحته الكيان الصهيوني على قدمي اليسرى ووسام فخر يذكرني بوطني وبحق العودة إليه. أما بالنسبة إلى الدماء التي سالت منِّا، فهي رخيصة أمام التضحيات التي قدمها غيرنا لفلسطين، وبهذه الدماء نكون قد أكدنا للعدو الصهيوني أن اللاجئين لن ينسوا بلادهم، ولن يترددوا في الدفاع عنها والعودة إليها، وإذا أتيحت لي تلك المحاولة مرة أخرى فسأذهب وأدخل إلى بلدي، ولن تثنيني إصابتي عن الاستمرار، فدرب العودة يحتاج إلى التضحية، وسَنُعلّم العدو أننا شعب لا يتخلى عن وطنه».
أخيراً، يمكن القول إن عمار سمير الخطيب هو واحد من أبناء الشعب الفلسطيني المكلوم الذي عانى مرارة النكبة وآلامها. صحيح أن عمار لم ير فلسطين، لكنه يعي كما غيره من أبناء الشتات الفلسطيني أن إرادة العودة لن تتحقق بالقرارات الدولية التي لا يعيرها الكيان الصهيوني أي اهتمام، أو عبر مبادرات سلام «ماراثونية» حاولت بلوثتها أن تسمم عقولنا وتدجننا، جاعلة منا كائنات لا تصوت ولا تنقر، وإنما بالتمسك بالثوابت الفلسطينية والمقاومة لتحرير الأرض من براثن العدو الذي لا يفهم إلا لغة القوة. ولا يسعني ختاماً إلا أن أردد معه هذه الكلمات: «يا شبابنا، انفضوا عنكم الغبار، تعالوا نحقق حلم العودة... اجعلونا شعباً يحمل تاريخاً عريقاً وذاكرةً قويةً لا تنسى دماء آبائها وأجدادها. ♦