مجلة العودة

مشاهد بشعة وأشلاء وجثث لم تمحوها الأيام بعد أربع سنوات... "حـرب غـزة" جرحٌ مازال ينزف

مشاهد بشعة وأشلاء وجثث لم تمحوها الأيام

بعد أربع سنوات... "حـرب غـزة" جرحٌ مازال ينزف
 
" 27-12-2008" تاريخٌ حارق محفور في ذاكرة الفلسطينيين الذين تجرعوا المرارة والوجع, يومٌ غُلف بلون الدم القاني مع جثث الشهداء التي تناثرت في كل الأروقة والشوارع, واندلعت النيران اندلعت في كل مكان, وآهات الملكومين وصرخات تعالت من كل حدبٍ وصوب.في ساعات الظهيرة الأولى بدأت قذفت الطائرات الحربية الإسرائيلية بحممها في توقيت متزامن على عشرات المقرات الأمنية والمراكز الحكومية في أنحاء متفرقة من قطاع غزة.

القصف الحربي الإسرائيلي ضرب غزة بكل بشاعة وقسوة، ولم يرحم صغاراً ينامون في أسرتهم أو مقاعد دراستهم, و كباراً في أماكن عملهم مستهدفاً كل شيء يمشي على الأرض و يشي بأنه فلسطيني.

وبالرغم من مرور أربعة أعوامٍ على هذه المشاهدة البشعة إلا أن ذاكرة الفلسطينيون تأبى نسيانه, وما زال ساكناً أمام عيونهم لا يتزحزح.. وصور القتل والإبادة عششت في مخيلتهم كأنها حدثت اليوم.

شهداء وجرحى

وبعد 22 يوماً استيقظ الفلسطينيون مفجعين على جرح مدينتهم الغائر, ليجدوها قد أُحيلت إلى خراباً وعاث الموت فساداً في كل مكان, فأكثر من  1420 فلسطيني رُفعوا على قائمة الشهداء، أما الجرحى فزادوا عن 5450 شخص، ودُمر نحو 16 ألف منزل، وشُردت آلاف الأسر لتصبح الخيام مقرها الدائم بكل ما تحتويه من غربة وقسوة.

وخلفت صواريخ الموت الإسرائيلية آلاف الجرحى الذين سيعاني معظمهم من عاهات وإعاقات دائمة بسبب قصفهم بأسلحة غير تقليدية ومحرمة دوليا مثل القنابل الفسفورية والحارقة, واستخدام إسرائيل أسلحة فتاكة وقوة مفرطة أدت إلى تشوهات وبتر وحروق وإذابة للأعضاء والعظام.

وبحسب إحصاءات وزارة الصحة إن أكثر من 12% من جرحى الحرب على غزة باتوا "معاقين"، حيث تعرض أغلبهم إلى بتر للأطراف العليا والسفلى, وحالات كثيرة فقدت أطرافها الأربعة وهناك 14% من الجرحى تعرضوا للبتر, 4% يعانون من إعاقات ذهنية وعقلية نتيجة لتعرض الدماغ لشظايا صغيرة اخترقت الرأس.      

حماية دولية

وبعد أربعة أعوامٍ على الحرب يحي الفلسطينيون ذكراها وصور القتل والإبادة مازالت ساكنة أمام عيونهم، وبعد أزيد عن عامين من اندلاع الحرب تمكن الفلسطينيون من ترميم بيوتهم الهدمة وإعادة بنائها والبدء في حياتهم من نقطة الصفر.

وعلى الرغم من ما أسماه الاحتلال تخفيف الحصار، إلا أن عجلة الاعمار في غزة لم تدور كما يريد مشردي الحرب، إذ أن مواد البناء لا زالت تدخل غزة عن طريق الاحتلال سوى للمشاريع الإنشائية التي تشرف عليها المؤسسات الدولية، كالأونروا.

وقدر المسح الذي أجراه برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن أكثر من 15 ألف منزل و68 مبنى حكوميا و31 مبنى لمؤسسات أهلية تعرضوا لأضرار كلية أو جزئية.

وأضاف التقرير: "نتيجة لذلك، يقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن هناك 600 ألف طن من الركام والأحجار التي يلزم أن تتم إزالتها".

وقال الممثل الخاص لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأرض الفلسطينية المحتلة ينس تويبرج- فراندزن: "الركام يختلط بمواد سامة وضارة، ويمكن أن يحتوي على مخلفات عسكرية غير منفجرة، لذا ينبغي أن تتم إزالته بشكل عاجل من أجل حماية حياة الفلسطينيين في قطاع غزة، وتيسير الوصول الفوري للخدمات الإنسانية والاجتماعية الأساسية".

سرطان وتشوهات

وأمام جريمة وحشّية لا زالت تسكن علاماتها أجساد وبيوت سكـان المدينة المجروحة بدأت ظواهر صحيّة خطيرة وغير طبيعية تبرز في قطاع غزة في مقدمتها ارتفاع عدد المواليد المشوَّهة ومعدلات الإجهاض المبكر وازدياد الإصابة بالأمراض السرطانية.

ودقت مؤسسات حقوقية ناقوس الخطر معلنة أن الوضع الصحي والبيئي في غـزة خطير للغاية بسبب استخدام الجيش الإسرائيلي أسلحة محتوية على مواد سامة ومشعة في عدوانه على القطاع.

وبسبب تلك الآثار ما زالت صحة مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة معرضة للتأثر بها في أي لحظة، إضافة لتلوث جميع مكونات البيئة الأساسية من مياه وتربة وهواء التي تعاني من تدهور خطير أصلاً جراء بقاء هذه المواد في تربة وهواء القطاع واستنشاق المواطنين لها بشكل يومي.

وبعد أشهرٍ من الحرب أعلنت صحة غزة عن بعض حالات تشوه الأجنة نتيجة استنشاق الأمهات للغازات السامة .

وكشفت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان أن عدد حالات الأطفال المولودين بتشوهات خلقية خلال ثلاث شهور "أغسطس وسبتمبر وأكتوبر" من عام 2008 في قطاع غزة قبل العدوان بلغت 27 حالة ، فيما بلغت في نفس الفترة من العام 2009 بعد العدوان 47 حالة ما يعني تضاعف عدد الحالات.

ووضح التقرير أن 50% من التشوهات تتركَّز في الجهاز العصبي والتصاق في الأعضاء، كما أشارت إلى أن مناطق جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا كانت الأكثر في حالات التشوه ( المناطق التي شهدت أكثر الاعتداءات الإسرائيلية).

أسلحة قاتلة

وبدأ قطاع غزة يحصد نتائج استخدام إسرائيل لأسلحة تحتوي على مواد سامة ومشعة ومن بين المظاهر الخطيرة التي رصدتها المؤسسات الحقوقية :" زيادة أعداد المواليد المشوهة، وارتفاع معدل الإصابة بالأمراض السرطانية المختلفة خاصة بين الأطفال وكبار السن، وارتفاع حالات الإجهاض المبكر بين السيدات الحوامل."

وكان باحثون إيطاليون قد أكدوا في وقت سابق أكـد أن حرب إسرائيل على غـزة شبعت تربتها بالسموم وهو الأمر الذي يُشكـل خطراً على صحة الأجنة والحوامل ولم يسلم منها صغار المدينة وكبارها.

وعلى صعيد الأسلحة المستخدمة من قِبل الاحتلال في الحرب، اتهم خبراء أوروبيون وحقوقيون وأطباء وأصحاب منازل مدمرة بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي استعملت أسلحة محرمة دولياً في عدوانها على غزة، حيث حملت أجساد بعض الضحايا آثار التعرض لمادة "اليورانيوم" المخفف بنسب معين.

واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قوات الاحتلال باستخدام الأسلحة الفسفورية والتي تصيب بحروق مؤلمة وقاتلة ومن الصعب الابتعاد عنها.

والفسفور الأبيض هو السلاح الجديد الذي بدأت قُوات الاحتلال الإسرائيلي تستخدمه بكثافة ضِد المدنيين والأحياء السكنية الفلسطينية.

ولم تقتصر أمطار النيران وحمم الصواريخ الإسرائيلية فقط على البيوت والوازارت والمقرات الأمنية، بل تسببت في تشوهات كبيرة وبالغة الخطورة في جسد القطاع التعليمي؛ إذ ألحقت الهجمات المُتتالية والضخمة على غزة أضرارا أدت إلى سقوط أجزاء كبيرة من مباني العشرات من مدارس القطاع، وتصدع المئات منها، وتطاير زجاج مرافقها.

وتعرضت أكثر من 50 مدرسة للتدمير الكامل والجزئي، إضافة إلى الضرر الذي لحق بعشرات المدارس التي تطايرت نوافذها وأبوابها وتعرضت لوابل من الرصاص وشظايا الصواريخ والقذائف، وقدر مبلغ تكلفة إعادة إعمار المدارس والجامعات ورياض الأطفال التي دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية بـ40 مليون دولار.

مليارات الدولارات

ولم تسلم المنشآت الاقتصادية من العدوان الإسرائيلي خلال حربه على غزة، حيث بلغ عدد المنشآت الاقتصادية التي تضررت ما يزيد عن 700 منشأة اقتصادية؛ منها 432 منشأة تضررت بشكلٍ جزئي و 268 منشأةً بشكل كلي موزعةً على مختلف القطاعات الاقتصادية, وبلغ إجمالي خسائر القطاع الخاص المباشرة الأولية حوالي 183 مليون دولار.

وبلغت الخسائر المباشرة للقطاع الزراعي حوالي الأولية 200 مليون دولار؛ حيث وصلت خسائر الإنتاج الحيواني إلى 52 مليون دولار، والإنتاج النباتي إلى 110 ملايين دولار، بالإضافة إلى القطاع البحري، والتي وصلت إلى 7 ملايين دولار، وتدمير نحو 1000 بئر زراعية، بالإضافة إلى تدمير مزارع الدواجن, وستحتاج غزة إلى العديد من السنوات عشرات الملايين من الدولارات لإعادة بناء هذه المزارع.

وحتى الأشجار لم تسلم من العدوان حيث قام الاحتلال بتجريف ما يزيد على ثلاثة ألف دونم من الأراضي الزراعية, وتم اقتلاع أكثر من مليون شجرة مثمرة، وأصبح معظم أصحاب الأراضي الزراعية المجرفة عاطلين عن العمل، ويواجهون ظروفًا قاسيةً بعد موت مصدر رزقهم الوحيد.

وكانت وزارة الأشغال العامة في حكومة غزة قد قالت أن إجمالي الأضرار التي لحقت بكل القطاعات المدنية والصناعية والزراعية بالقطاع جراء العدوان الإسرائيلي بلغت حوالي 2.215 مليار دولار.

تضامن دولي

وما إن وضعت الحرب أوزارها تعالت وتيرة التضامن الدولي مع غزة التي شهدت تخفيفاً للحصار عقب خُضوع الدولة العبرية للضغوط الدولية لفك الحصار كاملا, واستقبلت غزة عشرات الوفود الدولية للتضامن مع أهلها المحاصرين جالبين معهم أدوية، وأجهزة طبية، وسيارات إسعاف، ومركبات خاصة بالمعاقين، وغير ذلك من المساعدات الإنسانية.

 وسارع المتبرعون إلى رصد المليارات لإعادة إعمار غزة، لكن الحصار الإسرائيلي حال دون ذلك، إلى أن تصاعدت وتيرة التضامن مع الشعب الفلسطيني عقب تِلك الحرب.

 

وكان الأسطول البحري الذي سيرته تُركيا ويحمل على متنه مئات المتضامنين من مختلف الدول العربية والأجنبية، لإغاثة الفلسطينيين المحاصرين خير دليل على مدى تعاطف الشعوب مع أهل غزة بعد الحرب.

إلا أن بحرية الاحتلال التي اعترضت الأسطول البحري فجر الحادي والثلاثين في مايو/ أيار لعام 2010، في عرض الأبيض المُتوسط حالت دون وصول الأسطول إلى شواطئ غزة بعد أن قتلت 9 أتراك وعشرات الجرحى.