مجلة العودة

الملف: الغزيون وحملة والوثائق المصرية يئنون وجعا ً من معبر رفح!

لا تسهيلات والأحلام بددتها الأوهام

الغزيون وحملة والوثائق المصرية يئنون وجعاً من معبر رفح!

 

رزق الغرابلي – غزة

 

لا تريد الحاجة نعيمة جاد الله (48 عاماً) أن تناشد أحداً إلا (الله)، بعد أن أصابها الإحباط، تركت زوجها المريض في مصر قبل شهر، وقدمت إلى غزة لاصطحاب أولادها الثمانية والعودة بهم إلى مصر، لكن.. من يعيدها تارة أخرى!..

 

استعطفتنا دموعها التي انهمرت عند شباك مكتب التسجيل للسفر في مدينة غزة، وهي تنادي بأعلى صوتها على الموظف هناك: "يخلليلك ولادك يا بني تقدملي موعدي، بدي ألحق زوجي المريض، والله ما إلو حدا هناك إلا الله".

 

وتشير الحاجة المكلومة –وهي تتحدث لمراسلنا إلى أنها سجلت للسفر عن طريق معبر رفح ، و أُعطيت موعدا ً في 24 أغسطس الحالي ، رغم أن تأشيرة سفرها تنتهي في 27 يوليو الفائت ، وتضيف متسائلةً : "أليس من المفروض أن يراعوا الأولويات، إذا انتهت تأشيرتي من سيُخرج لي بديلاً عنها، ومن سيقف مع زوجي في محنته ومرضه؟".

 

وترددت جاد الله 10 مرات على مكتب تسجيل محافظة خان يونس –حيث تقطن- دون أن يسعفها أحد، حتى أغلق مكتب التسجيل هناك، وتضطر منذ أيام للقدوم إلى غزة لمحاولة إقناع المسئولين لتقديم موعدها حتى لا تلغى تأشيرتها، فتحرم من السفر لزوجها.

 

وتحدد السلطات المصرية أعداد المسافرين يومياً بأقل من 500 مسافر، الأمر الذي يحدث أزمة مستمرة للمسافرين في غزة، جراء آلاف الطلبات المقدمة للسفر من قبل المواطنين وأصحاب الإقامات والطلبة والمرضى وأصحاب الأعمال في الخارج.

 

وتوضح إحصاءات سابقة صدرت عن معبر رفح ووزارة الداخلية في غزة أن إنهاء أزمة المسافرين من غزة تتطلب السماح لـ 2000 مواطن بالسفر يومياً، غير أن إمكانات المعبر تسمح فقط لـ 1000 مواطن بالسفر، ولو تم ذلك لتقلصت الأزمة إلى مستوى متدني.

 

لن أحضر زفاف ولدي

 

وفي مكتب شكاوى يتبع مكتب تسجيل السفر بغزة كان الحاج محمد الأسطل وزوجته يتناوبون المناشدة لتقديم موعد سفرهم إلى الإمارات العربية المتحدة لحضور زفاف نجلهم البكر الذي يعمل هناك.

 

وقال الحاج الأسطل (62 عاماً)   لمراسلنا : "نحن في زمن يحرم فيه الأب من حضور زفاف ولده، تخيل!..  قدمنا للسفر قبل أسبوعين وحددوا لنا موعداً في شهر أكتوبر (بعد شهرونصف)، رغم أنا أبلغناهم أن زفاف ابننا سيكون في 16 آب الجاري .

 

ويضيف "جئت اليوم فقط لأحاول المحاولة الأخيرة، ، وإذا فشلنا في تقديم الموعد، فسيكون موعد العرس قد فاتنا ، ويا فرحة ما تمت، وحسبنا الله ونعم الوكيل".

 

وأشاح الحاج بوجهه عنا بعد أن نزلت دمعة من عينه، واستكملت زوجته الحديث بنبرات ملئت حزناً، "إلى متى يستمر هذا الوضع، والله حرام، ألا تكفي الحرب والاحتلال، أنا ألوم المصريين بعد الثورة لم يتحسن الوضع، وتبددت آمالنا بعد تكرار ما كان يحدث في زمن مبارك" حسب قولها.

 

يُشار إلى أن السلطات المصرية قررت مطلع يونيو الماضي فتح معبر رفح بشكل كامل، وإحداث تسهيلات جوهرية على حركة المسافرين من وإلى قطاع غزة، غير أنها تراجعت عن هذا القرار، بفعل ضغوطات أمريكية وإسرائيلية، حسب ما أكد مراقبون ومسئولون.

 

وبينما أثار القرار الأول بفتح المعبر بشكل كامل فرحة عارمة لدى الفلسطينيين، ثارت ثائرة الغزيين -حكومة وشعباً- حنقاً على السلطات المصرية بعد تراجعها عن القرار وتبديد الآمال والوعود، وبدأ المواطنون يتهمون مصر الجديدة بالسير على نهج النظام السابق في حصار غزة.

 

لماذا يخنقنا المصريون؟!

 

وكيل وزارة الداخلية في غزة و مسؤول ملف معبر رفح كامل أبو ماضي تحدث لمراسلنا وقد اعترى حديثه الغضب: "نحن لا نعلم ولا يمكن لنا أن نستوعب لماذا يفعل بنا المصريون هذا".

 

وأضاف "  المعاناة لم تعد معاناة المسافرين والمتقدمين للتسجيل للسفر، بل قفزت المعاناة إلينا، فنحن لا نعرف ماذا يمكن أن نفعل للناس، الأعداد المسموح لها بالسفر ضئيلة، وهناك مرضى يقتربون من الموت وطلاب سيفقدون مقاعدهم وزوجات سيطلقن ووظائف ستفقد".

 

 وتابع "كل هذا . ناهيك عن المعاناة التي يجدها المسافرون هناك عند المعبر، وهم ينتظرون لساعات، ولا يعلم هل سيسافر أم سيعود مع المرجعين بحجج واهية".

 

ونفى أبوماضي أي تسهيلات حدثت سواء بعد الثورة المصرية أو بعد القرار المصري بإجراء تسهيلات على حركة الناس على المعبر، وتساءل "ما المبرر لإغلاق معبر رفح والتضييق على الفلسطينيين وخنق غزة"، مناشداً الثوار المصريين أن يضغطوا بكل قوة لتسهيل حركة المسافرين من وإلى غزة، يكفي ما نحن فيه".

 

المواطن (محمد علي أبو الريش) (29 عاماً) واحد من عشرات المصطفين على شباك الشكاوى، كان يحمل في يده عشرات الأوراق والمستندات، وينادي على الموظفين: "إذا ممكن حد فقط يسمع مشكلتي، في حد يفتحلي قلبه؟".

 

أبو الريش يعمل في الإمارات، وقد جاء خلال الصيف إلى غزة ليتزوج من إحدى قريباته، ثم يعود إلى عمله برفقة شريكته الجديدة، ويشير إلى أنه أخرج لها تأشيرة تنتهي في 18 أغسطس الحالي ، لكن موعد سفرها الذي حدده مكتب التسجيل بعد هذا الموعد بكثير.

 

وقال في مناشدته: "إذا لم تصل زوجتي للإمارات قبل موعد انتهاء التأشيرة، فهذا يعني مزيداً من التأخير، مزيداً من الوقت، مزيداً من المال، تعب لأهلي، تعب لزوجتي، تعب لمكتب التسجيل، وأن أبقى لوحدي هناك".

 

ومثل جاد الله وأبو الريش والأسطل عشرات الحالات التي تتقاطر يومياً على مكاتب التسجيل بغزة، جلها يستنجد لتقديم موعد السفر كيلا تضيع فرص الطلبة والمتزوجين والموظفين والمرضى والمقيمين.

 

وعانى المسافرون عبر معبر رفح على مدار تاريخه من التأخير والتضييق والترحيل بحجج واهية، ولم يشهد المعبر فترة ذهبية يشهد لها الناس بالخير، وكانت أشد فترات المعبر سوءاً، أثناء الحصار الإسرائيلي المشدد على غزة منذ خمسة أعوام، حيث تساوق النظام المصري السابق مع الاحتلال في خنق غزة.

 

وتفاءل الفلسطينيون بعد الثورة المصرية بتسهيل العبور عبر معبر رفح، ورأى الغزيون أحلامهم تتحقق عند القرار المصري الأول مطلع يونيو الماضي بفتح كامل للمعبر، قبل أن تتراجع مصر عن ذلك.

 

مصر مشغولة بنفسها!

 

وإزاء ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني هاني حبيب: "لن يحدث تحسن جلي على المعبر الآن، فالثورة لم تهدأ بعد، وهناك الكثير من الملفات المصرية الداخلية التي ينبغي الانشغال بها بالنسبة للسلطات المصرية، ما يعيق الاهتمام ولو نسبياً بالوفاء بالتعهد المصري بفتح كامل معبر رفح".

 

لكنه نوه  في حديثه لمراسلنا إلى أن تلكؤ الأطراف المعنية بالمصالحة الفلسطينية في إتمام الوحدة الداخلية وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه صعب على مصر الوفاء بتعهداتها التي قطعتها بفتح المعبر بشكل كامل، ولم تشجعها على مزيد من التسهيلات.

 

وذكَّر حبيب  ثوار مصر بأن أحد أسباب ثورتهم هي العلاقات المشبوهة مع "إسرائيل" من قبل النظام السابق، وخنق الفلسطينيين في غزة، وقال: "على الثوار أن يجعلوا غزة من مسئولياتهم بما تعانيه من حصار وإغلاق وتضييق".

 

وأضاف "يفترض أن ترفض الثورة المصرية هذا الوضع وتحث السلطات من خلال ميدان التحرير على الإيفاء بتعهداتها، وإن استمرت معاناة غزة عند معبر رفح، فهذا يشير إلى تقاعس الثوار عن واجبهم" وفق تقديره.

 

معاناة حملة الوثيقة المصرية

 

وليس بعيداً عن معاناة المسجلين للسفر، تبرز في غزة معاناة الفلسطينيين حاملي الوثيقة المصرية، فهؤلاء وإن كانوا يتحركون في غزة بما يعرف بـ(بطاقة تعريف) تساعدهم في الإجراءات الحكومية داخل القطاع، غير أنهم مخنوقين لا يملك أحدهم مغادرة غزة أبداً، ولو حتى لزيارة أهله.

 

يُشار إلى أن الوثيقة المصرية يحملها كل فلسطيني من قطاع غزة ممن لا يتمتع بحق الإقامة في القطاع بسبب عدم حمله لهوية المواطنة وفق القوانين الإسرائيلية.

 

وينتظر حملة وثائق السفر المصرية أي خطوة إجرائية في ظل الثورة تضع الحل النهائي لمشكلتهم، بدءاً بتجديدها وصولاً إلى تسهيل حركة دخول حامليها إلى مصر وعبورهم إلى القطاع.

 

ويقول محمد الطيب (30 عاماً)، وهو فلسطيني من أم مصرية، يحمل وثيقة مصرية منتهية الصلاحية ويعيش في غزة: "نعاني في الحصول على الإقامة أو تأشيرة الزيارة لمصر لزيارة أهلنا أو حتى تجديد وثيقتي، ولا أحد يعرف كم نعاني".

 

وأضاف "أرأيت في التاريخ أحداً يحرم من زيارة أهله والعيش والإقامة بينهم؟ الصحافة كتبت كثيراً عنا، لكن لا مجيب، نحن تقطعت بنا السبل، بفعل عدم قبول مصر السماح لنا بدخول أراضيها والإقامة فيها".

 

و تابع "للأسف يا ليتهم لم يعطونا هذه الوثيقة، هذه الوثيقة كمن قال لك اركب في الطائرة لتحلق في الجو، ثم تجد الطائرة لا تعمل، لا تستطيع أن تذهب للعمرة أو تسافر لأي دولة، أهلنا الآن في مصر يعانون الإذلال بسبب هذه الوثيقة".

 

و استكمل "عند إجراء معاملة حكومية في مصر  و تخرج الوثيقة للموظف الحكومي وكأنك تقدم لهم كيس مخدرات، لا فائدة لها، وإذا سألت المصريين لماذا أعطيتمونا الوثيقة طالما أننا سنعاني بسببها، يردون عليك: تنفعك بعد سن الخمسين"،  يقول الطيب: "ينتظرون منا أن نعيش حتى نقترب من سن الأموات!".

 

وكابد الفلسطينيون من حملة الوثائق المصرية معاناة كبيرة طوال العقدين الماضيين في ظل إيقاف تجديد الوثائق من قبل الحكومة المصرية، والسماح بتجديد البعض منها "بالقطارة".

 

أمل يتبدد!

 

أما محمود سليم (33 عاماً)، وهو من حملة الوثائق المصرية في غزة كذلك، فأشار إلى أن الأمل كان بعد الثورة المصرية أن تحل مشكلتنا، وفعلا طلبوا منا الأوراق حتى يعملوا لنا جنسية أو إقامة في مصر على الأقل، جهزنا الأوراق كاملة، وأرسلناها وسرعان ما جاء الرد: مرفوضة، لا بد من توقيع حكومة رام الله عليها".

 

وبعد تنهيدة طويلة قال المواطن سليم: "من وين أجيبلك حكومة رام الله يا عمي الحاج، أرسلنا قبل أسبوع أهالينا للحاكم العام بمصر ليشتكوا من هذا الوضع، وبعد ضجة أمام مكتبه أخذ الأوراق، وقال: ستعرفون كل جديد من خلال الجريدة، وهذا معناه: طولوا أرواحكم، يعني لا تحلموا" حسب قول سليم.

 

وناشد سليم السلطة الفلسطينية أن تقف إلى جانب حملة الوثائق المصرية في غزة وإنهاء معاناتهم المتواصلة منذ سنوات، والضغط على السلطات المصرية من أجل إحقاقهم، كما دعا الثوار ليكون لهم دور مهم في هذا الموضوع، وقال: "ألم تقولوا إن غزة من أولى أولوياتكم؟.