مجلة العودة

انتقلوا من الحجر والسكين إلى الرشّاش والصاروخ تلاميذ "انتفاضة الحجارة" أساتذة المقاومة

انتقلوا من الحجر والسكين إلى الرشّاش والصاروخ

تلاميذ "انتفاضة الحجارة" أساتذة المقاومة
العودة/غزة
 
 
حجرٌ ثالث ورابع... وعاشر ينطلق من كفّه الصغيرة لترجم جنود الاحتلال الذين يختالون بالمركبات العسكرية الثقيلة في أرجاء المخيم ويحملون بنادق ورشاشات الموت. يبتسم الطفل خالد، صاحب السبع سنوات، عندما يصيب هدفه بقوة، وقبل أن يلتقطه الجنود يعود مسرعاً إلى البيت ليروي عن مغامراته مع الجنود لأخوته الصغار.

وبعد عشرين عاماً كبر الصغير "خالد" وصار شاباً يافعاً يرتدي البزة العسكرية ويحمل بجعبته العتاد والسلاح والقنابل ولا يغادر موقع رباطه على حدود قطاع غزة، منتظراً جنود الاحتلال ليذيقهم الألم والعذاب.

خالد القائد الميداني في كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، يقف هو والمئات من أقرانه من فصائل المقاومة الأخرى على ثغور غزة وحدودها، يحمون أرضهم من شراسة حرب قررت إبادة خريطة الحياة في القطاع.

ولم يكن خالد وحده طفل الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة عام 1987" الوحيد، بل كل أبناء جيله استبدلوا بالحجر والمقلاع والسكين البندقية الرشاشة وقاذف الصواريخ دفاعاً عن وطنهم وأرضهم وبيتهم.

 
 

تغيرت المعادلة

 
 

والابتسامة لا تفارق وجهه، قال خالد لـ"العودة": "نحن أطفال الانتفاضة الأولى، كبرنا وأصبحنا رجالاً وشباباً؛ فقبل عقدين من الزمان، كنا ندافع عن أرضنا بالحجر والسكين والمقلاع. أما الآن فقد تغيرت المعادلة".

وصوته يعلو بفخر تابع: "جيل الثمانينيات بات قادة اليوم في مختلف فصائل المقاومة؛ فنحن كنا نجري وراء جنود الاحتلال من بيتٍ إلى بيت ومن حارة إلى حارة، وبتنا هوساً من الجنون بالنسبة إليهم".

واستدرك بقوة: "وفي هذه الأيام تضاعف جنونهم أكثر؛ فقد صنعنا الصواريخ والقنابل التي ندك بها المستوطنات والمغتصبات الإسرائيلية، وكل قوتهم العسكرية وأسلحتهم المتطورة لم تستطع إيقافنا".

وبيّن أن كل أفراد مجموعته في أواخر العشرينيات من العمر، أي من عمر الانتفاضة الأولى بل ويزيد قائلاً: "عمر الانتفاضة الأولى 25 عاماً، هو عمر الكثير والكثير من قادتنا الميدانيين والشهداء الذين ضحوا بحياتهم دفاعاً عن الأرض والوطن".

وتحل ذكرى الانتفاضة الأولى في الثامن من كانون الأول من كل عام، فيعود الفلسطينيون بذاكرتهم إلى أكثر من 25 عاماً للوراء، وتمرّ ذكراها كشريط سينمائي عاجل مخضب بدماء آلاف الشهداء الذين رووا بدمائهم الطاهرة ثرى الوطن.

 
 

الحجارة سلاحنا

 
 

عز الدين (29 عاماً) القائد الميداني في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أعاد شريط الذاكرة إلى الوراء، وبدأ يروي كيف كان يشد المقلاع، ويرمي جنود الاحتلال بالحجارة.

ويقول عز الدين لـ"العودة": "جيل الانتفاضة الأولى هو جيل المقاومة اليوم، وخط الدفاع الأول عن غزة وكل فلسطين"، وأضاف: "كبرنا وكبرت معنا أسلحتنا الصغيرة. كبر الحجر والسكين والمقلاع".

وتابع بالقول: "إذا كانت الانتفاضة الأولى التي اندلعت في كانون الأول/ ديسمبر من عام 1987، وكان عنوانها الحجر، فهي علّمت أطفال غزة كيف يقاومون جنود الاحتلال ويكرهونهم، ويعدون لهم العدة في ريعان شبابهم".

وأشار إلى أن أيّ تصعيد يحدث في غزة، وبكل ما يحمله من شراسة وعدوان، سيخرج للاحتلال جيل قوي كاره للاحتلال، وستكون أدنى أحلامه ألا يرى هذه الـ"إسرائيل" لينعم بأرضه ووطنه وبحريته.

ويشار إلى أن شرارة انتفاضة "الحجارة" اندلعت في 8/12/1987 بعد دهس سائق شاحنة إسرائيلي مجموعة من العمال الفلسطينيين على حاجز بيت حانون "إيرز" في أثناء توجههم إلى عملهم، ما أدى إلى استشهاد 4 منهم وإصابة الآخرين بجراحٍ متفاوتة.

ندافع عن أرضنا

"إبراهيم" طفل الانتفاضة الأولى، انتفاضة الحجارة عام 1987، يبتسم اليوم للحجر الذي تحول في يده إلى رشاش، ويقول بصوت يعلوه الفخر والثبات: "سكين الانتفاضة الأولى وحجرها صارا رشاشاً وقذيفة وصاروخاً، ونحن أطفال الحجارة كبرنا، وأصبحنا في معركة اليوم رجالاً وقادة، وباتت إسرائيل تحسب لنا ألف حساب".

عائداً بذاكرته إلى الوراء، قال إبراهيم (35 عاماً): "بدأت الانتفاضة قبل 25 عاماً، وكنت حينها أبلغ من العمر 10 سنوات، ولم أترك تظاهرة إلا شاركت فيها وقذفت الاحتلال بمئات الحجارة وكنت أصيب هدفي بإتقان".

وأشار إلى أن الظلم والقهر الذي كان يعيشه السكان في قطاع غزة والضفة الغربية هما اللذان دفعاهما إلى الثورة على الاحتلال لاسترجاع حقهم المغتصب واسترداد أرضهم المسروقة وكرامتهم المسلوبة.

وتابع بالقول: "وبعد انتهاء الانتفاضة الأولى وتوقيع اتفاقية أوسلو، كبر الصغار وباتوا شباباً، ودماء الثورة بدأت تفور في عروقهم. ومع حلول انتفاضة الأقصى، انضموا إلى أذرع المقاومة العسكرية وتدربوا على السلاح وباتوا قادة".

 
 

الأطفال والشباب وقودها

 
 

ويرى الحاج "أبو أشرف عاشور" الذي واكب جميع ثورات الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال، وعايش المجازر والقتل والتدمير، أن انتفاضة الحجارة هي أضخم وأطول انتفاضة جماهيرية شعبية عارمة شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة وسطّرت أروع ملاحم البطولة والتضحية والفداء.