مجلة العودة

مراكز الشباب في المخيمات... رياضة وتطوّع وطموح

مراكز الشباب في المخيمات... رياضة وتطوّع وطموح

 
لبانة ذوقان ولينا الحج محمد/ الضفة الغربية
  
طموح لا تحدّه أي معوّقات، وإرادة لا يلجمها قيد اللجوء وقلة ما باليد، ومحاولات حثيثة للوصول إلى أعلى المراتب. تلك هي أبرز سمات المراكز الشبابية في مخيمات اللجوء بالضفة المحتلة، التي وُجدت لتكون الملجأ الأول للشباب الذين تفتحت عيونهم وسط جدران المخيمات وفي أزقته الضيقة، علّهم يجدون في تلك النوادي المساحة الكافية لاحتضان هواياتهم وطموحاتهم، وتجدد عهدهم مع حياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً.

ففي كل مخيم للاجئين بالضفة، لا بد أن تجد مركزاً للشباب، يعمل على تشكيل الفرق الرياضية، وتطوير مهارات المنتسبين إلى المشاركة في المباريات على مستوى الوطن في الداخل، وحتى المشاركة في الفاعليات الرياضية خارج الوطن. الأمعري.. تحدٍّ وعزيمة

وعلى الرغم من جملة الصعوبات التي تواجهها مراكز الشباب في المخيمات، إلا أنها وجدت لنفسها مكاناً في المحافل الرياضية على مستوى الوطن وخارجه، وأثبتت قدرة أبنائها على التحدي وصنع الانتصارات.

ويُعَدّ مركز شباب مخيم الأمعري في مدينة البيرة وسط الضفة المحتلة، نموذجاً يحتذى به على مستوى النوادي الرياضية في الضفة الغربية، حيث صنعت الإرادة والعزيمة لدى القائمين عليه والمنتسبين إليه ما كان مستحيلاً، وحققت فرقه العديد من الانتصارات والجوائز في الوطن وخارجه، كان آخرها الحصول على وصيف كأس رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم.

ويقول مدير النادي يونس أبو الريش لـ"العودة": "نسعى في مركز شباب الأمعري إلى توفير كافة الأنشطة الرياضية لمختلف الأعمار من براعم وأشبال وشباب، ولدينا فريق لكرة القدم وملعب معشب ومجهز لكرة القدم، ونعمل حالياً على تجهيز بركة مغلقة للسباحة، حيث نوفر لتلك الفرق مدربين أكفياء وملابس وأدوات رياضية، إضافة إلى اهتمامنا برياضة المبارزة، حيث لدينا 35 لاعباً ولاعبة حققوا العديد من الإنجازات، وأيضاً هناك العديد من لاعبينا اختيروا لضمهم إلى المنتخب الوطني".

وأشار أبو الريش إلى أن مركز الشباب يُعَدّ المتنفس الوحيد للأطفال والشباب بسبب طبيعة المخيم والحياة فيه. فبعد أن ينتهي الدوام المدرسي، لا يجد الأطفال والشباب مكاناً مناسباً لاستيعابهم واستيعاب هواياتهم وتطويرها غير المركز، حيث بلغ عدد الهيئة العامة فيه 1570 عضواً يختارون الهيئة الإدارية بانتخابات تنظم كل عامين.

ويشير إلى أن أعضاء الهيئة العامة هم متطوعون في المركز، ولا يتقاضون أية أجور، إلا أن المدربين يتقاضون رواتب تُجمَع من طريق رسوم الاشتراك الرمزية التي يدفعها المنتسبون، ومن خلال التبرعات من بعض العائلات بالمخيم ومن مؤسسات المجتمع المحلي ومن الحكومة.

ولفت أبو الريش إلى أن توفير الدعم الكافي هو من أكثر الصعوبات التي تواجهها إدارة النادي، وخاصة في ظل المنافسة التي يطمح إليها المنتسبون والرياضيون في المخيمات، وأضاف: "طموح الرياضي لا يتوقف، وشبابنا يطمحون إلى الاحتراف بكرة القدم وغيرها، وهذا الأمر بحاجة إلى دعم وتمويل كافٍ، فالاحتراف له متطلباته، وهذه الصعوبات تواجه كل النوادي في المخيمات".

ويسعى مركز شباب الأمعري إلى تطوير مهارات منتسبيه من خلال وضع الخطط والمشاريع من قبل لجنة مختصة لتطوير البرامج والقاعات والارتقاء أكثر بمستوى اللاعبين والفرق الرياضية بالنادي.

وأحرز مركز شباب الأمعري العديد من البطولات والجوائز، كان آخرها الحصول على كأس الرئيس أبو عمار لأندية المحترفين، وحصل أحد لاعبيه على لقب بطل فلسطين للمحترفين العام الماضي. وأخيراً، حصل المركز على وصيف كأس رئيس الاتحاد الآسيوي الذي يُعَدّ من أهم الإنجازات الرياضية التي تحققها فلسطين.

وعن سرّ النجاح الذي وصل إليه نادي الأمعري، يقول مدير المركز يونس أبو الريش: "العزيمة والإرادة هي التي دفعتنا للاستمرار ورفع علم فلسطين عالياً أمام آلاف الجماهير. لقد شاركنا في فرنسا، تونس، سوريا، العراق، الأردن، وأخيراً في طاجكستان، وقد استطعنا أن نوصل رسالتنا للعالم من خلال تلك المشاركات".

وتابع: "رغم الصعوبات المادية التي نواجهها، إلا أننا لم نستسلم، ونسعى إلى تطوير قدراتنا باستمرار، ونحن ندعو كافة الأهالي في مخيم الأمعري لتثقيف أبنائهم وحثهم على المشاركة في أنشطة المركز المختلفة؛ فهي تعمل على تنمية شخصياتهم وتطويرها وصقلها، ونحن نلاحظ الاختلاف بين من تربى في المركز وأصبح لديه هدف في حياته، ومن لم ينتسب إلى مثل هذه المراكز ولم يصقل شخصيته بأية اهتمامات أو هوايات".

شحّ الإمكانات

وإلى مخيم عين بيت الماء غربيّ مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، حيث يشكو مركز الشباب فيه شحّ الإمكانات التي من شأنها توفير متطلبات فئة الشباب والأطفال في المخيم. إلا أنه يحاول قدر الإمكان إشباع حاجة الشباب الرياضية.

وينتسب 500 شاب وفتاة إلى مركز شباب مخيم العين، يمارسون فيه العديد من أنواع الألعاب الرياضية، ويشاركون في المباريات التي تنظم داخل الوطن وفي بعض الدول المجاورة.

وكما هو حاصل في باقي المراكز الشبابية في المخيمات، يرشح هواة الرياضة ومحبو العمل الاجتماعي في المخيم أنفسهم لإدارة المركز بشكل تطوعي، حيث يسعون إلى توفير الإمكانات المادية لتدريب المنتسبين وتوفير مدربين، إلا أن المركز يعيش حالياً حالة من الركود لغياب الدعم المالي الكافي لسدّ حاجاته.

ويتكوّن المركز من عدة غرف مكتبية لأعضاء الهيئة، وعدد من القاعات توزعت فيها بعض الأجهزة والأدوات الرياضية، وملعب لكرة القدم. وفي خطوة من شأنها توفير دخل للنادي، أُنشئت قاعة في المركز لتأجيرها للمناسبات والأفراح لأهالي المخيم.

ويقول أمين الصندوق وعضو الهيئة الإدارية في المركز "أبو أحمد" لـ"العودة" إن المركز شكّل فريقاً لكرة القدم، فريقاً لكرة الطاولة، وفريقاً لكرة المضرب، إضافة إلى وجود رياضة كمال الأجسام، مشيراً إلى أنه يجري العمل لتشكيل فريق لكرة الطائرة، وكرة السلة.

وتحدث "أبو أحمد" عن فريق كرة القدم التابع لمركز المخيم، حيث يشارك الفريق منذ تأسيس المركز عام 1959م في مباريات عديدة حصل خلالها على العديد من الجوائز وحقق العديد من الإنجازات. كذلك  الفريق مشارك في اتحاد كرة القدم الفلسطينية، وهو فريق بدرجة ثانية، وكان قد حصل عام 1994م على كأس المملكة الأردنية الهاشمية، وحصل أيضاً عام 1995 على بطولة مراكز الشباب الاجتماعية لسباعيات كرة القدم، إضافة إلى المباريات التي تجري بين مدن الضفة، وحصولهم على مستويات جيدة فيها، وشارك أيضاً أبطال لعبة التايكوندو ضمن الوفد الفلسطيني في بطولة الحسن الدولية، التي أقيمت عام 2001م في عمّان وحصلوا على مراكز جيدة فيها.

صعوبات وطموح

وأشار عضو الهيئة الإدارية في المركز إلى الصعوبات التي يعانيها المركز، التي تمثلت بعدم وجود تجهيزات كافية لكل لعبة، ونقص في المقارّ والصالات، إضافة إلى الوضع السياسي في البلد، الذي انعكس على الوضع العام للمركز، مضيفاً: "أكبر صعوبة نواجهها هي النقص الحادّ في الميزانيات، فالمركز يعاني مشكلة عدم وجود دعم ثابت سنوي أو شهري، وهو غير كافٍ نهائياً، الأمر الذي ينعكس سلباً على قدرة المركز على تقديم الخدمات بشكل جيد للاعبين، رغم وجود عدة أفكار لتطوير المركز والرياضيين، إضافة إلى رغبة الشباب في المخيم".

ودعا أبو أحمد إلى ضرورة مبادرة القطاع الخاص في فلسطين إلى دعم المراكز الرياضية في المخيمات، بما يمكّنها من الاستمرار والبقاء والتقدم في ظل ارتفاع الأعباء المالية المترتبة على الأندية.

من ناحيتهم، طالب لاعبو المركز بأن تولى الرياضة الأهمية المطلوبة، بما يتناسب مع حجم التطلعات، وعدم استغلالها بشكل سلبي، لما للأندية الرياضية من دور مهمّ في رفع مستوى الثقافة الرياضية، وزيادة الوعي الرياضي في المجتمع. كذلك أكد عدد من منتسبي مركز شباب مخيم العين ضرورة نبذ الخلافات والانقسامات بين أبناء الشعب، والاتخاذ من الرياضة وسيلة للمشاركة في حلّ تلك الخلافات.

 

انتهاكات الاحتلال

كذلك، تحتضن مدينة نابلس أحد أهم المراكز الرياضية على مستوى المخيمات في الضفة، حيث يعدّ مركز شباب مخيم بلاطة من أقوى المراكز الرياضية الفلسطينية، إذ تأسس عام 1954، وتشكلت فيه العديد من الفرق الرياضية التي حصدت العديد من البطولات والجوائز. ويتيح المركز أمام الشباب الفرصة في تعلم وممارسة رياضة الجمباز والكاراتيه وكرة القدم والسلة والطائرة واليد والطاولة وألعاب القوى وكمال الأجسام ورفع الأثقال.

ولم تسلم النوادي الرياضية من بطش الاحتلال وانتهاكاته، حيث تعرض مركز شباب بلاطة للإغلاق أكثر من مرة من قبل الاحتلال، واعتقل العديد من اللاعبين فيه والقائمين عليه.

كذلك فإن حاله كباقي المراكز في المخيمات تشكو ضيق الأماكن المخصصة للعب، والنقص في الميزانية، إلا أنه يتطلع متحدياً تلك الظروف برفع الشأن الرياضي في المخيم، من خلال العمل على إنشاء قاعة أو ملعب لكل لعبة، وتكوين فريق خاص بكل لعبة من أبناء المخيم.

ويتطلع عشاق الرياضة في مخيمات اللجوء إلى رفع اسم فلسطين عالياً في المحافل والمباريات العربية والإقليمية والدولية، وأن يوصلوا صوتهم ورسالتهم للعالم، بأننا شعب نستطيع أن نكون وأن ننافس ونستطيع أن نحصد العديد من الإنجازات، رغم ما نعيشه من أوضاع معيشية في منتهى الصعوبة بين جدران وأزقة المخيم الضيقة.

ويسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تقييد طموح الشباب الفلسطيني والحد من إنجازاته الرياضية خارج الضفة، حيث يمنع الاحتلال العديد من اللاعبين الرياضيين بالمنتخبات الوطنية في مختلف الرياضات من السفر للخارج، ما شكل لهم عائقاً حقيقياً أمام تطوير مهاراتهم وقدراتهم، وحدّاً من إمكانية مشاركة العديد منهم من أصحاب القدرات والخبرات في البطولات التي تنظم في الدول الأخرى.