فلسطينيو الغرب... الجذور والتاريخ
نسيمة أيوب - بيروت
لا شكّ في أن الجالية الفلسطينية أينما وُجِدت لها بصمة في إبراز هويتها
وتعزيز الشعور بحقها في العودة بين أبنائها أولاً، ولدى مضيفيها ثانياً. فترى الجالية
الفلسطينية في الغرب بمؤسساتها وجمعياتها ناشطة وبارزة في هذا المجال... كذلك نرى الكتب
والأبحاث والمقالات التي تناقش الشأن الفلسطيني بجميع أبعاده، وباللغة الإنكليزية،
تملأ المكتبات والمواقع الإلكترونية وغيرها.
لكن بالمقابل، تبقى محاولات توثيق جذور هذه العائلات وتاريخها متناثرة
هنا وهناك. البعض منها بيد الفلسطينيين المغتربين أنفسهم، والبعض الآخرعبر وسائل إعلامية.
هذا بالإضافة إلى المشاريع الغربية ذات الطابع العلمي التوثيقي التي تعدّ المجتمع الفلسطيني
المهاجر جزءاً من نسيجها الاجتماعي، وبالتالي من الطبيعي توثيق جذوره وشجرة عائلته.
الأنساب وشجرة العائلة
يُعَدّ موقع net.family-Palestineمن المواقع التي تحاول جلب الشتات الفلسطيني لتسجيل أسماء أفراد العائلة
وبناء شجرة العائلة، بالإضافة إلى تحديد القرية الأصلية التي ينتمون إليها. وله أيضاً
تجربة متواضعة في تأمين خدمات الموقع باللغات الألمانية والفرنسية واليونانية والإسبانية
والعربية، بالإضافة إلى الإنكليزية التي تبدو أنها اللغة الأصل في الموقع... وبحسب
الموقع، فإن الإدارة الرئيسية له تنطلق من برلين في ألمانيا، ولها فرع في بيت لحم في
فلسطين.
هناك مواقع أخرى تُعنى بعائلة محددة، أي بتاريخها وأخبارها وشجرة عائلتها
وصورها... كعائلة "أبو حجلة”، وذلك على موقعهم The Abu
Hejleh Homepage ويعرض الموقع
تاريخ العائلة وشجرتها والمصاهرات معها وفي ما بينها. كذلك فإنها أضافت موقعاً على
الفايسبوك كرادف لتفاعل العائلة في ما بينها.
ولفتني موقع أميركي اسمه ePODUNK،
وهو موقع يرصد كل المجتمعات المهاجرة إلى الولايات المتحدة، ومنها المجتمعات الفلسطينية.
فهو يحدد مثلاً المواقع الأميركية التي تحوي كثافة سكان فلسطينية أكثر من 1%. ويمكن
المتصفح أن يرصد شجرة العائلة منذ وصول أول شخص منها إلى الولايات المتحدة، وما تبع
ذلك من ولادات ووفيات. وينشر الموقع أيضاً أخبار الصحف القديمة عنهم، ممتلكاتهم، سجلاتهم
العسكرية، تاريخ العائلة بالإضافة إلى سجلات الإحصاء الخاصة بهم. لا شك في أنه موقع
متميّز ودقيق، واللافت أن رصيده المعلوماتي قد يعود بالمتصفح إلى القرن التاسع عشر
مع صور حقيقية عن السجلات.
هناك مشاريع أكثر تخصصاً وعلميةً وعمقاً كموقع FamilyTreeDNA،
وهو موقع له عدة مشاريع، منها مشروع يُعنى بجمع الخريطة الجينية لأهل بلاد الشام، أي
فلسطين والأردن ولبنان وسوريا. يقع المركز الرئيسي لهذه المؤسسة في ولاية تكساس الأميركية،
وهي على ما يبدو مؤسسة ربحية. إلا أن ربط العائلات ببعضها عبر الخريطة الجينية قد يكون
له مفاعيل إيجابية في إثبات حق العودة، ولو على المدى الطويل.
الذاكرة الشفوية والتاريخ
إن ربط العائلات بعضها ببعض عبر إثبات جذورها الفلسطينية هو من الوسائل
القوية التي تعزز الشعور بالانتماء إلى الوطن. قد يكون هذا الإثبات بالوثائق، وقد يكون
أيضاً بذاكرة موجودة عند كبار السن الذين عايشوا مرحلة ما قبل النكبة وبعدها، أو ما
يسمى التاريخ الشفوي.
ربما تساءل البعض عن أهمية هذا التاريخ وصدقيته. أما بالنسبة إلى أهميته،
فهو مهم جداً؛ إذ إنه يربط أبناء الأجيال الجديدة بجذورهم عندما يعرفون تفاصيل عن عائلاتهم
وقراهم. والتاريخ الشفوي يعطي المؤرخين معلوماتٍ لم تكتب من قبل عن النكبة وما حدث
قبلها وبعدها... وبالتالي تُدرج في كتب التاريخ وتصبح مرجعاً معتَمداً، وخاصةً إذا
آزرت الروايات بعضها بعضاً.
عندما نبحث عن تاريخ شفوي لفلسطين باللغة الإنكليزية، نرى أن جامعات مثل
أوكسفورد وكولومبيا أعطتا أهمية لكتب تسطّر هذه الشهادات الشفوية. أما على المواقع
الإلكترونية، فسنجد موقع Deir Yassin Rememberedقد خصص بعض المقابلات لمجزرة دير ياسين تحديداً. كذلك سنجد الفضائية PRESSTV قد خصصت
برنامجاً اسمه Diaspora أي الشتات، تتحدث فيه كل حلقة عن تاريخ عائلة محددة، كيف وأين عاشت قبل
النكبة وأثناءها، ويتخللها عرض بعض الأفلام التوثيقية.
بعد ساعات طويلة من البحث، تبيّن لي كم هي كبيرة الثغرة في هذا الجانب
التوثيقي من تاريخ الشعب الفلسطيني. وقد تكون المحاولات الموجودة حالياً قادرة على
رأب هذا الصدع، إلا أن العمل المطلوب ضخم ويحتاج إلى مؤازرة ودعم، وخاصة أن الرقعة
الجغرافية التي ينتشر فيها الشتات كبيرة، والعامل الزمني ضاغط سيُفقدنا أولئك الذين
يحملون في ذاكرتهم تاريخ فلسطين. ♦