مجلة العودة

نسيمة أيوب: التطهير العرقي يهدّد فلسطينيي النقب

           التطهير العرقي يهدّد فلسطينيي النقب
نسيمة أيوب/بيروت
 
 
صدّقت حكومة نتنياهو في بدايات شهر سبتمبر/ أيلول الماضي على خطة برافر Praver  Plan ، التي بموجبها سيُهجَّر أكثر من 30 ألف فلسطيني من بدو النقب، ليجري إسكانهم في سبع بلدات أو تجمعات أخرى كانت قد أنشأتها "إسرائيل" في سنة 1973. ورغم العدد الكبير من الفلسطينيين الذين سيتضررون من جراء هذه الخطة، لم يغطِّ الإعلام الغربي هذا الأمر بما يتناسب مع حجمه، وبالتالي يبدو أن الموقف الغربي هو التجاهل وإمرار الخطة.
 لكن بعض الصحافة عادت فاضطرت إلى تغطية الأمر، وذلك بعد أن قام الآلاف من البدو في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بمؤازرة جمعيات حقوقية ورسميين، بالتظاهر والاعتصام للتعبير عن اعتراضهم على خطة برافر. فقد نقلت جريدة The  Washington  Post في 13 سبتمبر/ أيلول الماضي عن البدو قولهم إن قراهم غير المعترف بها تقوم على أراضٍ يملكونها منذ أجيال. ونقلت عن أحد المتظاهرين قوله "إن البدوي سيعتصم في خيمته وتحت المطر، لكنه لن يترك أرضه." ويكمل قائلاً: "هم لا يفهمون العقلية البدوية".

وتصف الجريدة وضع البدو، فتقول إن نحو 180 ألف بدوي يعيشون في النقب، نصفهم يعيشون في قرى غير معترف بها. لذا، ليس لديهم أي نوع من التنظيم المدني، كالصرف الصحي والمدارس والطرقات وجمع النفايات والعيادات وغيرها... وبالتالي، إن معظم سكان تلك المناطق فقراء وأميّون. ويعترف البدو بعدم استطاعتهم على توثيق ملكيتهم؛ إذ إنهم امتنعوا عن تسجيلها أيام الحكمين العثماني والبريطاني للتهرب من الضرائب، أو حتى لا يخضعوا لنظام التجنيد الإجباري العثماني... فضلاً عن أن للبدو نظامهم الخاص في حيازة الممتلكات.

أما جريدة البرافدا Pravda الروسية، في عددها الصادر في 7 سبتمبر/ أيلول الماضي، فقالت إن ما يعانيه بدو النقب فيه الكثير من العنصرية والتعصب والتمييز؛ فقراهم لا تظهر على الخرائط، ولا يُعترف بهم كمجتمعات لها حقوق، وأي نوع من المأوى يُبنى يتعرض للهدم. وتعرض الجريدة حلاً إسرائيلياً سابقاً لقضية البدو، هو "تقرير غولدبرغ"، الذي أعده قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية سابقاً أليعازر غولدبرغ في 2008، بعد استشارة عددٍ من البدو. وقد أوصى تقريره بوجوب الاعتراف بقرى البدو قدر الإمكان، إلاّ أنّه حدد المنطقة التي يُجاز فيها وجود البدو. ورأى غولدبرغ أن البدو هم مواطنون، لكنهم ليسوا جزءاً شرعياً من البلاد. ثم جاء رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت وطلب من إيهود برافر وضع خطة لتطبيق "تقرير غولدبرغ". إلا أن خطة برافر جاءت مغايرة تماماً للتقرير، ولم يستشر أياً من البدو في أثناء كتابتها. لذلك، رأت البرافدا أن مجرد وضع خطة من دون التفكير بوجوب استشارة من تتعلق بهم الخطة، هو إشارة واضحة إلى أن "إسرائيل" تعدّ البدو "أقل من مواطنين وأقل من....". فخطة برافر تستدعي تطبيقاً شاملاً وعنيفاً من دون إتاحة الفرصة لمجتمع البدو بالتفاوض. والنتيجة للخطة هي قضم أراضي البدو وتقليص مساحتها من 300 ألف دونم إلى 200 ألف دونم.

ونشر الموقع البريطاني Middle  East  Monitor  مقالاً في 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، ذكر فيه أنه في حال تنفيذ خطة برافر، سيخسر البدو بالإضافة إلى أراضيهم، مواشيهم ونمط حياتهم. ويشير المقال إلى أن البلدات التي سيُنقل إليها البدو ستفتقر إلى الكثير من الخدمات وسيسودها الفقر والجريمة وستشابه الغيتواتghettos  أكثر من مشابهتها للمدن، وستُطمس هوية البدو ويصبحون منبوذين في عِقر دارهم... أما البرافدا، فرأت أننا على أعتاب حقبة مظلمة، وأن مجتمع البدو مقبل على معاناة شديدة.

من الجدير بالذكر أن جمعية "مخططون من أجل حقوق التخطيط — بمكوم" و"المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب" تقدّما بخطة متكاملة بديلة لتنظيم وضع هذه القرى، تأخذ في الاعتبار خصوصية المجتمعات البدوية، وهما يعملان حالياً على تسويق الخطة بالتعاون مع جمعيات حقوقية، وذلك لإيقاف خطة برافر.

وهكذا يعاني النقب، مثل غيره من مناطق فلسطين، الانتهاكات الإسرائيلية اليومية الجائرة، من التهجير ومن جرف الممتلكات... والآن من مخطط سيقلب حياتهم. ورغم المحاولات التي لا تحصى للوصول إلى نتيجة ما مع المحتل من خلال المحاكم  أو المفاوضات، إلا أنه لا حياة لمن تنادي، وخاصة إذا كان من تنادي فوق القانون، سواء محلياً أو دولياً.