مجلة العودة

نصارى الأرض المقدسة في "ستون دقيقة"

نصارى الأرض المقدسة في "ستون دقيقة"
 
 
نسيمة أيوب - بيروت

عرض برنامج 60 Minutes (ستّون دقيقة)، الذي تبثه قناة CBS الأميركية تقريراً عن حال "النصارى في الأرض المقدسة”، وذلك في 22 نيسان/ أبريل الماضي. وقد تحدّث البرنامج عن أعداد النصارى التي تتناقص بنحو دراماتيكي عبر الزمن. فقد كان عددهم سنة 1964 يقارب الثلاثين ألفاً، وأصبح الآن يقارب الأحد عشر ألفاً
 من أصل 800 ألف من سكان القدس القديمة، أي ما يقارب 1.5% من السكان. وقد تخوّف الزعماء الدينيون النصارى من أن تخلو المدينة يوماً من الأيام من النصارى.
يتابع التقرير الأميركي بأن "إسرائيل” تحصل على الأرض وموارد الماء والمواقع الأثرية، أما الفلسطينيون فيُدفعون إلى ما وراء الجدار. ويصف سكان بيت لحم ما فعله الجدار بأنه حوّل البلدة إلى "سجن في الهواء الطلق”.

كذلك يصف التقرير الذي أعده بوب سيمون خروج الفلسطينيين من بيت لحم إلى القدس، التي تبعد سبعة أميال فقط، بأنه "المعاناة”. هذه المعاناة تسبقها أسابيع وربما أشهر للحصول على "إذن” من السلطات الإسرائيلية، لا يُمنح في كثير من الأحيان.
يرى التقرير أن محافظة النصارى الفلسطينيين على ثقافتهم معرّضة للخطر؛ ففي بلدات كبيت لحم، التي كانت في السابق ذات صبغة نصرانية واضحة، أصبح المسلمون الآن أغلبية واضحة ومتزايدة. طبعاً، يحاول الإسرائيليون من خلال التقرير تعليل ما يحدث بإلصاق التهم بـ”الأصولية الإسلامية”، لكن التقرير كان منصفاً عندما نقل نفي أحد كبار النافذين النصارى لتلك المقولة؛ إذ قال إن لديه 12 ألف زبون في الضفة الغربية، وإنه لم يسمع قط أن المسلمين هم سبب المغادرة.

وسلط التقرير الضوء على وثيقة أعدها سنة 2009 ناشطون نصارى تهاجم التطرف الإسلامي، لكنها في الوقت نفسه تدعو إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالطرق السلمية. وتبنّت الوثيقة 13 طائفة مسيحية... وقد أبدى الإسرائيليون تخوّفهم من تلك الوثيقة، وذلك خشية ردّ فعل نصارى العالم تجاه الاحتلال.
ونظراً إلى أن برنامج "ستون دقيقة” من أشهر البرامج في تاريخ الإعلام الأميركي... ونظراً إلى ما قد يكون من ردّ فعل أميركي تجاه عرض تقرير كهذا، اتصل سفير "إسرائيل” في واشنطن، مايكل أورن، بالمنتج المنفّذ للبرنامج ورئيس أخبار CBS، ليصف التقرير بأنه "عمل حقود ومدمّر”. بالمقابل، استنكر سيمون ردّ الفعل الإسرائيلي وعدّه سابقة في تاريخه الصحافي الطويل!!

هذا التقرير أثار بلبلة قبل عرضه وبعده، وتناولت الصحف الأجنبية أبعاد التقرير وحلّلت ردود الفعل الإسرائيلية التي أثارت التعجب في كثير من الأحيان. وهنا أشير إلى ما نشره موقع  Telegraph Palestine The في 25 نيسان/ أبريل الماضي عن أسباب المحاولات الإسرائيلية لفرض رقابة على تقرير سيمون حتى قبل عرضه.
فأولاً أخبر التقرير الأميركيين أن هناك فلسطينيين نصارى... وهذا عكس ما يريد الإسرائيليون إيصاله إلى الجمهور الأميركي؛ أي إن الفلسطينيين - إن كانوا موجودين أصلاً - أصوليون عنيفون. كذلك عرف الأميركيون أن 10% من  الـ700 ألف الذين هجّروا سنة 1948 كانوا نصارى. ثانياً، ذكر التقرير أن هناك فلسطينيين لوثريين وكاثوليك و... أي ينتمون إلى كنائس لها امتداداتها في الولايات المتحدة. وهذا عكس ما يريد الإسرائيليون إيحاءه، أي إن الأميركيين أقرب للإسرائيليين، وهناك روابط مشتركة معهم أكثر من الفلسطينيين. ثالثاً، التقرير كان واضحاً بأن "إسرائيل” تستعمر أراضي فلسطينية وتحتلها.
رابعاً، أشار التقرير إلى معاناة الذهاب إلى القدس من حيث الوقت المطلوب والحواجز والأذونات، ما يصوّرها شبيهةً بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. خامساً، التقرير كان منصفاً بإيصاله إلى الرأي الفلسطيني وتحدي الرواية الإسرائيلية عبر شاشات التلفزة الأميركية...فما بالك لو كان هذا الصوت نصرانياً؛ فهو بلا شك سيكون وقعه أكبر.
إن إبراز معاناة الفلسطينيين، سواء في الداخل أو الشتات بأنها معاناة نسيج مجتمع متعدد الأديان، له أثره البالغ في مجابهة تلك الحملة التي تصف الفلسطيني بأنه مسلم أصولي متشدد يكره الغرب ويعادي المصالح الأوروبية والأميركية. لطالما أجادت "إسرائيل” تصوير نفسها أنها صديقة الولايات المتحدة، فمتى نجيد لعبة المصالح المشتركة في تسويق القضية الفلسطينية؟ أمر آخر: إنها لمن المرّات النادرة التي نرى فيها بعض الإنصاف من الإعلام الأميركي ومقاومة للضغط اليهودي. فهل هذا إشارة ما، ولو بسيطة، لتحول في اتجاهات الرأي العام الأميركي؟
 نرجو ذلك! ♦