مجلة العودة

الحلّ... في حلّ السلطة

ماهر شاويش


عناوين المشهد الفلسطيني الراهن هي انغلاق أفق التسوية السياسية المزعومة، وتلاشي وهم السلام، وانسداد مسار المصالحة، فضلاً عن تفاقم الاحتجاجات المطلبية في الضفة الغربية، عرين السلطة الفلسطينية، بفعل تزايد وضعها الاقتصادي سوءاً. تُضاف إلى ذلك كلِّه هجمة ضارية على القدس، وقضم للأرض الفلسطينية، وتغوّل مشروعات الاستيطان والتهويد الصهيونية، واتباع العدو الصهيوني سياسة "أبارتهايد" ممنهجة.

في ظلال هذا المشهد، يجد القائمون على السلطة الفلسطينية أنفسهم في حيص بيص، وتخبّط يتجلّى في ردود أفعال وقرارات ارتجالية مضطربة وغير مدروسة. ذلك أنهم ربطوا مستقبلهم السياسي، ومن خلفه مستقبل القضية الفلسطينية، بمشروع السلطة المرتبط أمنيّاً بالاحتلال، والمرتكز على اتفاق أوسلو، والمرتهن بأموال دول مانحة تشترط مواقف مذلّة ومهينة مع كلِّ دفعة مال مشبوه.

أمام هذا الواقع المزري، يبدو المخرج المنطقي في التخلّص من اتفاق أوسلو، وبالتالي التخلّص من مفرزاته، وعلى رأسها تشكيل السلطة الفلسطينية وتوقيع اتفاقات اقتصادية ربطت قوت الشعب الفلسطيني ورزقه بعجلة الاقتصاد الصهيوني. إنّ هذا المخرج هو مطلب واقعي وليس ترفاً سياسياً يلوِّح به الرسميّون الفلسطينيون كلّما حشرهم قادة الاحتلال في الزاوية وضغط عليهم الراعي الرسمي لعملية التسوية المنهارة، الذي لم يجد هذه المرّة وقتاً للضغط بفعل انشغاله في أتون انتخابات رئاسية داخلية يقف أزلامه وذيوله في المنطقة على هامشها.

يجب الإقرار بأنّ مطلب حلّ السلطة الفلسطينية تقتضيه المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني، وتفرضه طموحات وآمال هذا الشعب الذي ضحّى وقدّم ولا يزال يفعل. ينبغي لهذا المطلب أن يترافق مع وضع برنامج تحرّر وطني نسي بعضهم أننا لا نزال في أطواره وعلينا أن ندور في فلكه. يقتضي هذا بالتالي إعادة بناء منظومة العمل الوطني القائمة على ترتيب البيت الفلسطيني وترسيخ دعائمه، من خلال استراتيجية تُبنَى على أساس ثوابت الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في العودة.

قد لا يتّسع المقام للدخول في البرامج التي يمكن أن تُبنَى عليها هذه الاستراتيجية، بتفاصيلها وأسسها وآلياتها، لكنّنا نؤمن بقدرة شعبنا على اجتراح السبل وتوفير الإمكانات اللازمة لذلك. ينبع هذا الإيمان من تجربة هذا الشعب ومن خبراته في كافّة المجالات.

عندما تتوافر النيات الصادقة وتتحرّر الإرادات ويقف الجميع أمام مسؤولياتهم، توجد المخارج وتوضع الحلول وينبري الكلّ الفلسطيني لصوغ مواقف ووضع استراتيجيات عمل وطنية فلسطينية ترتكز على جوهر القضية وجذر المشكلة، أي الصراع الوجودي مع هذا الاحتلال البغيض.

نطرح حلّ السلطة خياراً، ليس انتقاماً من أحد، ولا تشفِّياً من أصحاب هذا المشروع، بل لأنّ شعبنا خبر هذا المنتج المسخ ولمس ما أفرزه على كافّة الصعد، حتى شرع المنظِّرون له بالتخلِّي عن وهمه بعد مرور قرابة عشرين سنة على تجربة مريرة دفع شعبنا الفلسطيني ثمنها من دمائه ووقته وجهده ومستقبله.

آن الأوان لتسمية الأمور بمسمياتها، ووضع النقاط على الحروف، فما بُني على خطأ قد يكون الخطيئة بعينها.