مجلة العودة

اللاجئ الفلسطيني بين الحياد والتحييد

اللاجئ الفلسطيني بين الحياد والتحييد

ماهر شاويش

إنّ أخطر حدث عرفه التاريخ الفلسطيني الحديث بجميع تعقيداته هو النكبة، فقد كانت زلزالاً نتجت عنه هزّات ارتدادية متتالية منذ ذلك الوقت وحتى الآن، ولعل أكبر هذه الهزات هي قضية اللاجئين التي طال بها العهد ولم ينصفها المجتمع الدولي والعربي إلى الآن بعودتهم إلى ديارهم التي هُجِّروا منها.
واليوم لا يعيش ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني في ديارهم؛ بل هم في منافٍ ومخيمات في دول الشتات المختلفة. والإطار القانوني لعودة اللاجئين واضح وصريح في هذا المجال؛ فما تمّ تطبيقه عمليًا في كوسوفا والبوسنة وأبخازيا والأورغواي وأوغندا وجنوب إفريقيا والعراق وأفغانستان يمكن تطبيقه على الفلسطينيين. وهناك العديد من الأمثلة على الإجراءات الدولية الفاعلة في كوسوفا والبوسنة وتيمور الشرقية. ثم إنّ احترام القانون الدولي والالتزام به، وخصوصًا ما يتعلّق بحقوق الإنسان، يعني أنّ عودة اللاجئين إلى موطنهم هو نتيجة منطقية وطبيعية.
ومن المُسلّم به أنّ حقّ العودة للشعب الفلسطيني هو أمر مقدس لا يمكن المساومة عليه أو التنازل عنه؛ فملف اللاجئين هو عنصر قوّة في القضية الفلسطينية وليس نقطة ضعف، رغم المعاناة التي يقاسيها الشعب الفلسطيني. وإنّ العودة حق فردي وحق جماعي لا يملك أحد أن ينزعه من الشعب الفلسطيني. ومشاركة الفلسطينيين في الحياة السياسية في هذا البلد العربي أو ذاك لا يمكن أن تكون مدخلاً للتوطين؛ فالشعب الفلسطيني رغم افتخاره واعتزازه بكل البلاد العربية لا يمكن أن يقبل بديلاً عن أرضه التاريخية.
إلا أن استعادة الشارع العربي مكانته وكلمته بعد الإطاحة بالعديد من أنظمة التسلّط جعل قضية اللاجئين وحق العودة يستعيدان مكانتهما السياسية التاريخية بحكم كون اللاجئين الفلسطينيين في الشتات جزءًا أساسيًا من نسيج تلك الشعوب التي صنعت الربيع العربي. ولم تكن مسيرة العودة باتجاه الحدود والتي جرت في 15 مايو/ أيار 2011 وفي أكثر من مكان (سورية ولبنان والأردن ومصر) إلاّ دليلاً على استعداد اللاجئين لتقديم الشهداء من أجل ربيعهم المرتقب.
ولا يغيب عن الأذهان هنا، حالات التوتير التي شابت تناول ملف الفلسطينيين في بعض الدول العربية، خلال محطات بعينها. إنها "الفلسطينوفوبيا" التي تعني الخوف من العامل الديمغرافي أو السياسي االناتج عن الوجود الفلسطيني لاجئًا في البلاد المضيفة. في محطات الماضي مخاوف ارتبطت بالبندقية الفلسطينية تارة، وبالوطن البديل تارة أخرى، بالسلاح الفلسطيني أحياناً وبالتركيبة السكانية الطائفية أحياناً أخرى، وضمن ذلك كثير من القراءات الموهومة للدور الفلسطيني وللتعميمات الجائرة لأوزار جزئية أو معزولة، والنتيجة موجات من التضييق على الفلسطينيين، والأعمال الانتقامية غير المبرّرة بحقهم، وتهجيرهم إلى أقاصي الأرض.
إن قراءة متأنية لأحداث عرفتها بلدان عربية، مثل الأردن، ولبنان، والعراق، والكويت تقود إلى نتيجة مفادها أنّ حياد اللاجئ الفلسطيني وتحييده في الأزمات الداخلية العربية هو السلوك الأفضل للدفع بالقضية الفلسطينية نحو هدفها الرئيس، وليبقى حقّ العودة في دائرة الضوء. إنها رسالة تأتي في توقيتها الدقيق مع التطوّرات الميدانية التي تشهدها سورية، وخاصّة مخيم اليرموك المحاذي للعاصمة دمشق. إنّ في ما مضى عبرة وعظة لمن ألقى السمع وهو شهيد . ♦