مجلة العودة

بين حقّ العودة .. وحقّ الحياة

بين حقّ العودة .. وحقّ الحياة


ماهر شاويش


بين حق العودة وحق الحياة، لا يزال اللاجئ الفلسطيني يتقلّب على جمر الانتظار؛ فلا هو عاد، ولا هو عاش حياة كريمة تعينه  على معركة العودة. هي ليست نظرة تشاؤمية بل واقع مرير شكّلته ظروف صعبة مرّ بها اللاجئ الفلسطيني على مدار خمس وستين سنة قضاها في المنافي.
منذ إرهاصات النكبة الأولى، ونقول الأولى؛ لأنّ نكبات تبعتها، لم تتوفر للاجئ الفلسطيني بيئة حاضنة بما للكلمة من معنى. فقد تقاذفته الخطوب في البلدان العربية التي إليها التجأ، فأثخنت الجراح جسده النحيل، فزُجّ في صراع داخلي تارة، وأُقصي عن قضيّته تارة أخرى، وذلك غالباً بذريعة الحفاظ على حقِّه في العودة إلى دياره وممتلكاته.
محطات كثيرة مرّ بها اللاجئ الفلسطيني. كان فيها دائماً من يدفع الضريبة الأكبر، وها هو اليوم يُقتَل في سورية لأنه أبى أن يُحرَم أهلُها حقَّ العيش بحرية وكرامة تحت شعار مَن "ساواك بنفسه فما ظلم"؛ فالقيم لديه لا تتجزأ.
ومع ذكرى النكبة في كلِّ سنة، يتجدّد السؤال ذاته: ما الذي يريده اللاجئ الفلسطيني؟ فتتلعثم الشفاه، وترتبك الحروف لاختلاف الرؤى وتشابك البرامج؛ لأنّ البوصلة الفلسطينية الجامعة لا تزال مضطربة ومترددة، والمراوحة في المكان هي سيدة الموقف. فمن اتكل على زاد غيره؛ طال جوعه، وعندما لا يكون هناك هدف واضح ومحدّد ينقاد له المركب الفلسطيني؛ فلا عجب أن يكون الفلسطينيون وسيلة لتحقيق أهداف الآخرين وبرامجهم.
أزمة المشروع الوطني يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني في كلِّ مرحلة من مراحل الصراع؛ فلا وقفة جادّة لتقويم هذه المراحل، ولا حرص حقيقياً على استخلاص العبر والدروس والجهد المبذول من كلِّ الأطراف، هو لقذف كرة المسؤولية إلى ملعب الآخر، فتُساق المبادرات لرفع العتب، ويتوه بعضهم في جلد بعضهم الآخر ليضمن الجميع بقاءه في حلبة أوشك متابعوها على الانفضاض من حولها.
بذريعة الحفاظ على حقّ العودة، صبّت أنظمة عربية جام غضبها على اللاجئ الفلسطيني، فمُنع التملّك، وحُرم العمل وحرية التنقل، وعانى أبناؤه وأحفاده الأمرّين. وبالمقابل؛ كان واضحاً بالبرهان العملي كم أنّ هذه الذريعة واهية. فالفلسطينيون في أوروبا، مثلاً، تشبّثوا بحقّ العودة، على ما يحظون به، نسبياً، من سعة في العيش وامتيازات في التنقّل والحركة والحقوق. بل إنّ إسهام الفلسطيني في أوروبا في حمل قضيّته يشهد تعاظماً مضطرداً عاماً بعد عام، وتتطوّر جهوده جماهيرياً وسياسياً وإعلامياً وحقوقياً وإنسانياً، بما دفع الاحتلال إل? إطلاق أبواقه التحريضية ضد النشاط الفلسطيني العام في القارّة الأوروبية.
بقي القول إنّ اللاجئ الفلسطيني ينظر بتفاؤل إلى بلدان الربيع العربي، وينتظر منها، على الأقل، تفعيل بروتوكول الدار البيضاء لعام 1969م دون تحفّظ؛ ففيه من البنود ما يحفظ كرامة اللاجئ ويصون حقه في العودة.
وباختصار، فإنّ اللاجئ الفلسطيني ينشد حقّ الحياة، أمّأ عقله وقلبه وجوارحه فتقبض على حقِّ العودة. ♦