مجلة العودة

فلسطينيو سورية وحق العودة.. على مفترق طرق

فلسطينيو سورية وحق العودة.. على مفترق طرق

ماهر شاويش

عندما يغلق الأردن حدوده بوجه اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من الموت في سورية، ويتماهى معه كل من العراق وتركيا، وتضع مصر شروطاً قاسية على دخول اللاجئ الفلسطيني إليها، فيما يستقبل لبنان فلسطينيي سورية على مضض، وضمن محددات صعبة تغلفها تصريحات عنصرية، في ظل هذا المشهد المأسويّ تلوح في الأفق مشاريع مشبوهة وأفكار جهنمية، كلها يندرج تحت ذريعة ليس بالإمكان أفضل مما كان.
فبعد الضغوط التي واجهها الفلسطيني السوري وحجم المعاناة التي يرزح تحتها، طالب الرئيس محمود عباس كاستجابة خجولة لهذا الواقع لاترقى إلى مستوى مشهد الألم والمرارة، طالب الأمم المتحدة بأن تضغط على كيان العدو كي يسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين القاطنين في مخيم اليرموك إلى الضفة الغربية والقطاع، باعتبارهما أراضي السلطة الفلسطينية والدولة المزعومة.
طبعاً، تلقفت "إسرائيل" هذا الطلب ورحبت به، لكنها وضعت شرطاً على اللاجئ الفلسطيني، حيث طالبت بأن يوقع على إسقاط حقه في العودة إلى أراضي الـ48 حيث قريته وبيته وداره التي خرج منها. وما رشح لنا أن السيد محمود عباس رفض هذا الشرط، وتقديرنا أنه رفضه خجلاً وعلى استحياء، لا لشيء، لكنه لا يزال يعتقد أن الطبخة لم تنضج بعد.
جلّ ما نخشاه أن تصبح هذه الفكرة قابلة للتطبيق وموافقاً عليها، ولا سيما مع طول أمد الأزمة السورية واتساع رقعة معاناة اللاجئ الفلسطيني هناك؛ حيث تعمّقت أزمته، وباتت تأخذ أشكالاً مختلفة من قصف وقتل وذبح وتشريد ونزوح وحصار اقتصادي خانق على المخيمات وإعدامات ميدانية بالجملة على الحواجز.
كل هذه الظروف ستجعل البعض يسعى جاهداً إلى إمرار أي مشروع أو فكرة تبدو على أنها تشكل حبل نجاة وخلاص لفصول هذه المعاناة، ولا سيما في ظل ضياع بوصلة القيادة الفلسطينية الرسمية والخلل الذي يعتري ترتيب الأولويات والاهتمامات على أجندتها.
حقيقة، لا نودّ أن نرسم مشهداً مأساوياً، ولا أن نطرح أفكاراً تشاؤمية، لكنّ نظرة فاحصة للواقع وطريقة التعاطي مع قضية فلسطينيي سورية، إضافة إلى استحضار التاريخ في تجارب سابقة حصلت مع اللاجئ الفلسطيني في أماكن متعددة في الشتات، تدفعنا باتجاه التحذير من الوقوع في شرك مشاريع تصفوية كهذا، هذا إن أحسنا الظن. أما البناء على غير حسن الظن، فإنه يجعلنا نقرع الجرس أمام كل أشكال الطيف الفلسطيني من فصائل ورسميين وشعبيين ومؤسسات مجتمع مدني مهتمة لتبقى متيقظة لفخاخ تُنصب لها كهذا.
يبقى الأهم، وهو اللاجئ الفلسطيني ذاته، الذي لا تستطيع أي جهة أن تتجاوزه وتتجاوز حقوقه، ولا سيما حقه في العودة وتقرير المصير، باعتبار أن هذا الحق فردي وجماعي. وهنا نؤكد ثقتنا بوعي شعبنا وإدراكه وحسّه الوطني، ونرفع القبعة أمام تضحياته الجسام وعطائه اللامحدود، يحدونا الأمل بأن تمر هذه الأزمة بما يحفظ هذه الدماء الزكية ويحقنها، وألا تراق إلّا في معركة العودة والتحرير، حيث فلسطين القبلة والوجهة. ♦