مجلة العودة

ماهر شاويش :المشروع الوطني الفلسطيني ... وإعادة الاعتبار

المشروع الوطني الفلسطيني ... وإعادة الاعتبار
ماهر شاويش

يبدو الوضع الفلسطيني في ظلِّ المعطيات الراهنة، في حاجة ماسّة إلى مخاض عسير، كي ينتظم في مساره المأمول. إنه المسار الذي يعيد إلى الشعب الفلسطيني الأمل، وإلى قضيته الحياة، بعد أعوام عجاف من الانسداد والألم والهوان.
لكنّ ذلك لا يُلغي السعي الحثيث إلى تنمية الخطّ الوطني، وتعزيز الإيمان بضرورة بناء شراكة وطنية قادمة، كرافعة حتمية لانتشال الواقع الفلسطيني من وهدة المزالق والأزمات.
والسؤال المطروح بعد لقاءات المصالحة المتكرِّرة: هل ما زال الوضع الفلسطيني في قلب الأزمة؟ وهل سيجتاز قسوة المرحلة الراهنة إلى ذلك المخاض العسير الذي يُرسي طائفة من القناعات والمحدِّدات والمسلّمات الوطنية التي تهيِّئ بدورها الحلّ والانفراج على قاعدة التوافق المشترك، فتتبلور معادلة وطنية جديدة ذات حصانة، بعيداً عن يد العبث والتخريب؟
ربّما كانت الإجابة ماثلة في إعادة الاعتبار إلى المشروع الوطني الفلسطيني، بعيداً عن الشعارات الجوفاء والوعود الخائبة والذكريات المنقطعة. فمع كلّ يوم جديد تتعمّق جذور الأزمة وتكتسي تعقيدات وتشابكات جديدة، وتزداد الحاجة إلى هذه الخطوة، ويقتنع الكلّ الفلسطيني ضمناً بأنه لا سبيل سوى التوافق الوطني مدخلاً قسرياً لبداية تفكيك الأزمة الداخلية، وإعادة الاعتبار التدريجي إلى القضية الكبرى.
من هنا، تبدو مقاربة المشروع الوطني مُحبِطة، أو تجعل المشروع يبدو مستحيل التحقيق، إذا ما بقي الوضع الفلسطيني على حاله من حيث الانقسام وغياب الرؤية. فلا يمكن أن نتحدّث عن مشروع وطني من دون إرادة شعبية وبلا استراتيجية عمل وطنية. وسيكون المشروع مستحيلاً أيضاً إذا ما بقيت المفاوضات على عبثيّتها أو انتقلت سراً لتؤسِّس لتسوية جديدة تُدخِل الوضع الفلسطيني في دوامة من التيه، وسيكون مستحيلاً إذا بقيت المراهنة على واشنطن ونتائج انتخاباتها.
وفي مقابل هذه المُحبِطات تلوح حقائق على الأرض، وهي تفرض نفسها؛ أهمّها وجود شعب فلسطيني متجذر في وطنه ومكافئ في العدد للصهاينة، والمؤشرات تفيد بأنّ نسبة الفلسطينيين ستزيد على نسبة اليهود من مستوطني فلسطين التاريخية خلال سنوات. وحقيقة أخرى تقول إنّ الفلسطينيين لم يرفعوا الراية البيضاء رغم كلّ المحن التي تلحق بهم.
وما يعطي مسحةً من التفاؤل في المشهد الداخلي الفلسطيني هذه المرّة، هو بلورة تفاهمات داخلية من شأنها أن تسمح بإحداث اختراق مهمّ يحمل بشرى التوافق والمصالحة، وينهي الانقسام النكد في الحياة السياسية الفلسطينية.
كان واضحاً منذ البداية أن الجهد الداخلي الفلسطينية قادر، عبر الحوارات البينية، على إرساء تفاهمات مقبولة يُصار إلى تطبيقها عقب توقيع المصالحة؛ لأنّ التطبيق يبقى فلسطينياً خالصاً ورهناً بالإرادة الداخلية أوّلاً وأخيراً.
فما الذي يمنع من تفعيل لجان المصالحة، وعلى رأسها لجنة الانتخابات المركزية التي ستتولّى الإعداد للانتخابات المقبلة، واللجنة القيادية المؤقّتة التي ستمثّل المرجعية الفلسطينية القيادية حتى موعد إجراء الانتخابات المتوافق عليها، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية، ولو في الحدود الدنيا، وإعطاء الشعب الفلسطيني طمأنات فعلية لا شكلية بغية منح قطار المصالحة إشارة الانطلاق على سكّة الشراكة المثمرة؟
من المؤكّد أنّ العوائق كثيرة، وأنّ أرباب المصالح المتّصلة بالاحتلال كُثر أيضاً، لكنّ اعتماد النهج التوافقي كفيل بتأليف القلوب وبناء الثقة وجمع شتات الكلمة وشعث الموقف على مقوِّمات الحدّ الأدنى وطنياً، وتكريس رؤية وطنية نقيّة من الشوائب والأجندات المشبوهة.
بقي القول إنّ من واجب جميع شرائح المجتمع الفلسطيني وفعاليّاته الرسمية والشعبية، تقديم الدعم لخطوة المصالحة وإسنادها، فهي في الأساس تخدم عنواناً جامعاً للشعب، وقد لا نجد مبرِّراً مقنعاً للنكوص أو للسير بعكس اتجاهها، ولا سيما في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وحالة الانقسام التي تسود أوساطه، والحاجة الملحّة إلى إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني. إنها لحظة بناء مرجعية قادرة على صون حقوق شعبنا، ونستطيع القول إنّ دعم هذه الخطوة إنما يمثّل معيار الوفاء للقضية برمّتها.
مضت فصول عسيرة من الانقسام والانسداد، لكنّ الشعب لن يتغاضى عن لحظته الراهنة وتشكيل مستقبله برشد. ♦