مجلة العودة

مع فلسطين .. ضد الفلسطينيين

مع فلسطين .. ضد الفلسطينيين


ماهر شاويش


لعلّ هذه المقولة تجسّد اليوم صورة التعاطي مع القضية الفلسطينية، التي تبدو مختلفة إلى درجة النقيض. صحيح أنّ مواقف بعضهم من القضية الفلسطينية والمشروع الصهيون لم تتغيّر ربما؛ لكنّ مواقفهم الحادّة من الفلسطينيين تبرِّر طرح علامات استفهام بشأن هذا الانفصام. فكيف يمكن التوفيق بين دعم قضية فلسطين والموقف العدائي من شعبها وحقوقه الإنسانية بشواهده المتعددة؟
لعلّ السؤال الذي يردِّده الفلسطينيون هو عن أسباب هذه المواقف التي فاقت في حدّتها كلّ التوقّعات، حتى من الأطراف التي تدّعي أنها تمثِّل محور "المقاومة والممانعة".
هنا قد لا يكون مفيداً الدخول في تفاصيل التجاذبات الداخلية لكلِّ طرف، لكنّ قراءة مواقف هذه الأطراف غير ممكنة إلا من زاوية الأوضاع الداخلية، ومحاولة استخدام الموضوع الفلسطيني لتحقيق مكاسب محلية، حتى لو جاءت على حساب الشعوب التي تؤكد دعمها لقضيته ليلاً ونهاراً.
أمّأ حين نتحدّث عن العروبة كمفهوم حضاري، وكمعيار في إطار الصراع العربي – الإسرائيلي؛ فإنّ ما نلحظه لعقود خلت، أنّ القضية الفلسطينية بقيت قضية العرب المركزية، فعليها توحّد العرب وبسببها تفرّقوا. كان معيار الانتماء إلى العروبة هو مدى الاقتراب من هذه القضية أو الابتعاد عنها. رغم ذلك؛ تبقى هذه "العروبة" محطّ الاجتهادات المتفرقة والمتعارضة. ولا يغيب هنا مثلاً، أنّ معمّر القذافي دعا ذات يوم الدول العربية إلى طرد جميع الفلسطينيين من أراضيها كي يضطروا للذهاب إلى بلادهم. هكذا يتحوّل شعار العروبة إلى ذريعة للاستباحة. وحين يُسحق الفلسطينيون في سورية، وتُمارس بحقِّهم صنوف القهر، وتُحاصر مخيّماتهم بذريعة "محاربة الإرهاب"، فإنّ التناقض بين الشعار والممارسة يبدو صارخاً. وحين يُحرم الفلسطينيون من أدنى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في لبنان؛ ينبري أرباب هذا النهج ليتذرّعوا بالحفاظ على حق العودة الفلسطيني.
قد تختلف الظروف والمواقع، لكنّ الجوهر واحد تقريباً: يُقتل الفلسطيني وتمارس بحقه صنوف القهر، زيادة على ما يلقاه من الاحتلال الصهيوني، ولا تغيب اللافتات والذرائع. يندفع الفلسطينيون في أطوار متعاقبة من الشتات والتشريد، وصولاً إلى أقاصي من اسكندنافيا إلى البرازيل وتشيلي، بحثاً عن المأوى الذي ضاقت به أنظمة عربية. وحين أخفقت مؤامرات تهجير الفلسطينيين في منافي الارض؛ يلوح الخطر من واقع التكديس داخل مخيمات لا تصلح للحياة الآدمية، بل يُمنع عنها الماء ويُحجَب عنها الهواء. يجري ذلك كلّه تحت العناوين ذاتها.
إذا كانت الأمور كذلك، فأين تكمن المشكلة؟ إنها في الطريقة التي يتعاطى بها بعضهم مع ما يحدث من تطوّرات خاصة بقضية اللاجئين، بين منعطف وآخر. ثمة من يتحدّث عن مشروع تفصيلي ومتكامل، وهناك من يرسم سيناريوهات، متبرعاً باختيار الدول التي قد تقبل بالفلسطينيين. وتتسع الخيالات الخصبة لمشروعات متكاملة وجاهزة للاستعمال والتنزيل في الواقع، بحيث يبدو للسامع والمشاهد وكأنّ قضية اللاجئين قد انتهت أو شارفت على الانتهاء.
للأسف، فإنّ قضية اللاجئين الفلسطينيين لم يعد ينظر إليها بعضُ الساسة العرب إلا من زاوية كونها قضية منتهية، وهذا ما ظهر جلياً في تعديل المبادرة العربية التي يتحفّظ عليها أصلاً اللاجئ الفلسطيني منذ إقرارها سنة 2002، متسائلاً: أين تكمن المصلحة في طرح كهذا وفي هذا التوقيت؟ وأيّ مساعٍ هذه التي توظِّف الفلسطينيين وقضيتهم بمبادرات رخيصة ومكشوفة؟
بالطبع، لا يجد اللاجئون مبرِّراً وتفسيراً في تعديل المبادرة سوى أنها تعبير عن عقلية مهزومة ومأزومة.
ويبقى أّنّ في مركز القضية شعب حيّ ومجرِّب، شعب تشبّث بحقوقه وخياراته قرناً من الزمن، لا يمكن فرض الخيارات عليه في غفلة من الزمن ومتغيِّراته الجارفة.♦