مجلة العودة

مخيم الحسينية.. فصول من المعاناة من الموت قنصاً أو بالحصار

  "العودة" في المحطة الثالثة
مخيم الحسينية.. فصول من المعاناة من الموت قنصاً أو بالحصار
 
ماهر محمد – مخيم الحسينية – خاص "العودة"
 
 

في المحطة الثالثة من جولتنا في مخيمات دمشق وريفها، من مخيم اليرموك إلى سبينة، والآن في مخيم الحسينية بريف

Description: http://alawda-mag.net/assets/issue72/20-21(2).jpgالعاصمة السورية دمشق، رحلة خطرة عنوانها إما الموت برصاصة قناص أو قذيفة أو بصاروخ أرض أرض.

مرة أخرى من مخيم اليرموك ننطلق صباحاً إلى الحسينية.صديق لي يعرف الطريق جيداً، وعلى دراجة نارية نبدأ الرحلة، مروراً بمناطق تسيطر عليها قوات المعارضة السورية،وصولاً إلى مخيم الحسينية.

طرق أبرز ما فيها الخطورة في منطقة صهيا، حيث تنتشر قناصة النظام السوري ومدفعيته، على جبال صهيا، وهنا لا بد من أن نصبح كالطير في السرعة لنتفادى القنص والقصف.

وصلنا بسلام إلى مخيم الحسينية،فبدا المشهد كأنه مخيم خاوٍ على عروشه مع حالات نزوح جماعية للأهالي هرباً من الموت الذي تنشره قوات النظام السوري من قصف وقنص وتدمير، وكذلك انعدام مقومات الحياة.

بطاقة مخيم

تبلغ مساحة مخيم الحسينية في ريف العاصمة السورية دمشق 3 كم2، يسكن فيه قرابة 80 ألف نسمة، معظمهم من الفلسطينيين، بالإضافة إلى نازحين من الجولان المحتل، وبعض المناطق الأخرى.

تأسس المخيم عام 1985م بعد هدم الحكومة السورية لبعض منازل الفلسطينيين في مخيم جرمانا بدمشق، على إثرها نزح الأهالي تجاه الحسينية جنوب السيدة زينب.

وصل عدد شهداء مخيم الحسينية منذ اندلاع الثورة السورية إلى 200 شهيد، وسجلت حالات استشهاد لعائلات بأكملها، وغالبية سكان المخيم من قرى قضاء صفد، منها الحولة والقيطية والعبسية...

حكاية المخيم مع القصف

قصة مخيم الحسينية مع قصف طائرات الميغ السورية، فهي ثلاث، هنا في أول مكان زرناه، استشهد 18 لاجئاً من عائلة واحدة أكثرهم من النساء والأطفال، قضوا تحت أسقف منازلهم التي تهاوت عليهم لتنهي مسيرة هذه العائلات.

أبو خالد من سكان المخيم يحدثنا بجوار منازل دمرت، فيقول:"في مخيم الحسينية لا يوجد عصابات إرهابية ولا يوجد مسلحون. هو مخيم مدني، رجال المخيم يغادرونه ويتركون عائلاتهم للعمل خارج المخيم في أعمال حرة.بالنسبة إلى الحياة في المخيم لا يوجد طعام ولا ماء ولا كهرباء، ودائما يستهدف المخيم بالقصف بالمدفعية والهاون والطائرات".

يضاف إلى ذلك القصف اليومي بقذائف الهاون والمدفعية التي يتعرض لها مخيم الحسينية، فلا تخلو حارة من منزل مدمر أو شهيد أو مصاب أو معتقل.

عشرات الشهداء من أهالي المخيم قضوا بالقصف والقنص، معظمهم من النساء والأطفال.

مساجد برسم الاستهداف

حتى مساجد المخيم لم تسعفها مكانتها الإسلاميةمن القصف، قصفت ودمرت وانتهكت مكانتها الدينية، حيث دخلنا عدة مساجد طاولها القصف، توقفت مآذنها عن رفع الأذان والنداء بحيّ على الفلاح حتى اللحظة.

الواقع المعيشي

الواقع المعيشي لمن بقي من أهالي المخيم بعد حالات النزوح الجماعي التي ازدادت خلال شهر حزيران الماضي، عقب سيطرة قوات النظام السوري على منطقة البحدلية المجاورة للحسينية، والخشية من دخول جيش النظام إلى المخيم وارتكابه مجازر مروعة:

يعاني مخيم الحسينية نقصاً حاداً في مياه الشرب والغسل، في ظل قطع المياه، وكذلك قطع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة.

وفضلاً عن ذلك، يأتي الحصار المفروض على المخيم من قبل النظام السوري، والنقص في المواد الغذائية، وخاصة الخبز والطحين وكذلك الغاز والمحروقات.

وتوقفت مراكز الأونروا الصحية عن تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، وأيضاً أوقفت المسيرة التعليمية لأهالي المخيم بسبب تعرض المدارس للقصف، ما أدى إلى ارتقاء شهداء من الطلاب.

في المخيم أربعة أفران، جميعها تعرضت للقصف، وبالتالي توقفت عن العمل، ما أدى إلى انعدام مادة الخبز واعتماد السكان على جلبها من مناطق دمشق التي يسيطر عليها النظام السوري، وبالتالي يجبر اللاجئون على المرور بحواجز الأمن، وهذا يعرضهم للاعتقال العشوائي.

كذلك ارتفعت نسبة الفقر في المخيم نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة، وانعدام فرص العمل، ما أسهم في زيادة ضنك العيش

Description: http://alawda-mag.net/assets/issue72/20-21%20(1).jpgعلى الأهالي.

معبر الذل

أما قصة المخيم مع معبر الذل أو ما يعرف بـ"معبر قصر المؤتمرات"، فهو فصل آخر من المعاناة، حيث تُعَدّ رحلة الأهالي عبر هذا المعبر خروجاً من الموت إلى الحياة، إن كان اللاجئ حظه جيد.

في هذه الرحلة التي لا تحمل في طياتها أيّاً من معاني الراحة، رافقت "العودة" إحدى العائلات الفلسطينية في هذه الرحلة، التي تبدأ مع انبلاج الصباح حيث تحمل الأسرة الفلسطينية أمتعتها مسافات طويلة. نساء وأطفال يرفعون أغراضهم فوق رؤوسهم، أشبه بتغريبة جديدة.

يسيرون مسافات طويلة يعبرون خلالها طريق ترابية وعرة، وصولاً إلى طريق على جانب المخيم، ثم إلى حاجز قصر المؤتمرات التي تسيطر عليه قوات الأسد.

نترقب عن بعد حاجز الإذلال، نتلصص من فتحة في جدار منزل، خشية القناص، مشهد الأهالي يتجمعون للتفتيش والتدقيق في بطاقاتهم الشخصية، وهناك يتفنن الجنود في قهر الرجال وإهانة النساء وإرهاب الأطفال.

على الحاجز، يمنع نهائياً إدخال المواد الغذائية إلى المخيم، لو رغيف خبز واحداً، يفتشون النساء جسدياً، يشتمون الكبار والصغار.

ومجدداً ألحق في الحاجز عناصر من اللجان الشعبية الفلسطينية التابعة للقيادة العامة وحركة فتح الانتفاضة، وهنا إذلال من نوع آخر، وفق شهادات الأهالي؛ فإن هذه اللجان تعتدي على النساء بالضرب بالكرابيج، وتعتقل يومياً العشرات من أبناء مخيمات جنوب دمشق، كاليرموك وسبينة والحسينية. ووفقاً للأهالي، إن أكثر ما يؤلمهم أنّ هؤلاء اللجان يقولون إنهم فصائل مقاومة فلسطينية؟؟!!

المرأة الفلسطينية صاحبة الوجع الأكبر؛ فهي أم الشهيد وزوجة المعتقل ووالدة الأيتام، وفي حديثها لـ"العودة"، تقول المسنّة الفلسطينية أم عبدالله:"الناس تهجرت والوضع صعب. لايسمحون لنا بأن نُدخل الخبز ولا حتى خضرة، وإذا الواحد جاب ربطة خبز يأخذونها منه ويبهدلونه.بدنا نصبر حسبنا الله ونعم الوكيل".

العمل الإغاثي

في ظل الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه أهالي مخيم الحسينية، تعمل هيئة فلسطين الخيرية على توفير مستلزمات الصمود للأهالي، من خلال توفير الدعم الإغاثي والمالي والصحي، وتوفيرالخدمات والبنى التحتية للمخيم؛حيث وزعتهيئة فلسطين الخيرية حصصاً غذائية على الأهالي، ومساعدات نقدية، منها كفالات الأيتام والعائلات الفقيرة، وكذلك تنفيذ مشروع إفطار صائم خلال شهر رمضان 2013، بتوزيع وجبات الطعام يومي السبت والخميس من كل أسبوع.

وعملت الهيئة على توفير صهريج مياه يومي، لتزويد الأهالي بمياه الشرب والغسيل، ووضع العديد من خزانات المياه في مناطق متفرقة من المخيم، بالإضافة إلى صيانة شبكات الكهرباء نتيجة تعرضها للقصف، وأيضاً نفّذت عدة حملات نظافة ورش مبيدات حشرية.

وتقدم الهيئة الدواء مجاناً لأهالي المخيم من خلال صيدلية الخير الموجودة في مقر الهيئة.

"العودة" زارت مركز الهيئة في المخيم، والتقت مديرها أبو خالد، وتحدث إلينا قائلاً:"نحن في هيئة فلسطين الخيرية أخذنا على عاتقنا منذ اللحظة الأولى لاضطراب الأوضاع في مخيم الحسينية أن نكون بجانب اللاجئ الفلسطيني وتعزيز صموده ودعمه وتقديم جميع المساعدات الصحية والخدماتية والإغاثية له، وذلك انطلاقاً من رسالة الهيئة في خدمة الإنسان الفلسطيني ودعم ثباته".

صرخة ونداء

عبر منبر "العودة" يرسل أبناء فلسطين في المخيمات الفلسطينية في سورية، إلى أبناء شعبهم في كل مكان، نداءً عاجلاً وصرخة ضمير للتضامن معهم وإغاثتهم في ظل حرب الإبادة التي يتعرضون لها، وكسر الحصار الظالم المفروض عليهم، وإعلان فعاليات النصرة لهم حتى تنتهي معاناتهم المتمثلة بالقتل البطيء.