مجلة العودة

تحقيق: مراكز رعاية الناشئة وتحديات الحفاظ على الذاكرة - قيس أبو سمرة

طفلٌ ينتسب إلى المخيم وينسى مدينته!!
  مراكز رعاية الناشئة وتحديات الحفاظ على الذاكرة

قيس أبو سمرة/ الضفة الغربية

بين زقاق مخيم عسكر القديم شرق نابلس توزع مجموعة من الأطفال للعب كرة القدم، ورغم ضيق المكان إلا أنهم يلهون ويلعبون دوماً، تأقلموا مع المكان، وكأنهم لا يعرفون سوى المخيم الذي ولدوا فيه وتربوا.
لكنَّ الغوص في أفكارهم يعكس صورة التربية التي عاش عليها هؤلاء الأطفال. فإبراهيم مجدي (10 أعوام) يُعرِّف عن نفسه لمجلة «العودة» بأنه من مدينة اللد ويسكن في مخيم عسكر القديم.

ويخبر إبراهيم عن مدينته الكثير، رغم أن عينه لم تبصرها يوماً. وأصدقاء إبراهيم كل منهم يحمل حكاية عائلة فلسطينية هُجرت من بيتها عام 1948.

حكاية الأطفال الفلسطينيين وتذكرهم لقراهم ومدنهم المحتلة تنسف مقولة طالما رددها الاحتلال الصهيوني: «الكبار يموتون والصغار ينسون».

ولا يقف الأمر عند هذا؛ ففي أسواق المخيمات الفلسطينية تُسمى الكثير من المحال التجارية بأسماء البلدان الأصلية، فمنهم من سمى بقالته بيافا وأخرى سلمة وثالثة المويلح، ولكن ماذا عن الجهد المؤسسي في الحفاظ على ذاكرة الأجيال؟

مراكز ترعى جيل الناشئة

تعمل مؤسسات ثقافية وأخرى اجتماعية على تأهيل الشباب والأطفال بالمخيمات الفلسطينية لحمل حق العودة وترسيخه بعقولهم، وتوفير مراكز للتفريغ النفسي وقضاء وقت الفراغ.

مدير مركز يافا الثقافي فايز عرفات يتحدث لـ «العودة» عن الدور الذي تقوم به المراكز في إعداد جيل الناشئة، مبيِّناً أنَّ المركز الذي أسس عام 1996 يَعتبر حقَّ العودة خطاًّ أحمر، وأنه يعمل بمكتبة الطفل التي تعد اللبنة الأولى للبدء بتدريب الشباب ليصبحوا قادة في أماكنهم ومخيمهم.

وأضاف عرفات: «إن المكتبة تحتوي على مجموعة من القصص والكتب المتنوعة التي تُراعى فيها أدق الأمور لتبني الجيل، من ضمنها البرامج الترفيهية والمنهجية كالمسابقات والرحلات والمخيمات الصيفية».

ويقول مدير المركز: «يتعلم الأطفال في هذه المرحلة قضايا عامة، ويُنظم مسرح حكواتي ورحلات إلى القرى المهجرة، للتعرف إلى البلد الأصلي على أرض الواقع».

وينتقل الطالب في ما بعد إلى دورات حق العودة، وهي ما يُسمى دورات جيل الناشئة ما فوق سن الـ 14, ويدرس الطالب جغرافية وتاريخ فلسطين ويتعرف إلى التاريخ قبل النكبة وبعدها.

وينتج الشباب في هذه الدورة قصصاً وتقارير عن قراهم ومدنهم المهجرة، ونكون بالتالي قد أوصلنا الشباب إلى توثيق النكبة بأقلامهم وبصورهم حيث يتعلم الشباب فن التصوير وإنتاج الأفلام الوثائقية.

ولفت عرفات إلى أن الشباب كانت لهم مشاركة فعالة في إصدار مجلة «صوتنا» باللغتين العربية والإنجليزية، وهي عبارة عن تحقيقات وقصص من أطفال يسكنون بمخيمات الضفة الغربية.

وختم مدير مركز يافا الثقافي حديثه للعودة فقال: «ينتقل الشباب في ما بعد إلى دورة إعداد الكادر، وهنا يصبح الأطفال قادة يناقشون حق العودة وحقهم بأراضيهم المهجرة».

قادة مجتمع

أما إبراهيم الجمَّال منسق الانشطة بمركز يافا الثقافي فيقول لـ«العودة» إنه التحق بالمركز حين كان في سن العاشرة، وتتلمذ عبر دورات متعددة، والدافع للالتحاق ندرة وجود مراكز تهتم بالشباب في المخيمات الفلسطينية.
وأضاف أنه اليوم أصبح قادراً على بناء جيل من الشباب بالمخيمات الفلسطينية في ظل وجود حالة ضعف بالمعرفة الحقيقية لكونهم لاجئين فلسطينيين يسكنون بمخيم وبهذا الزقاق وضمن الضغط العمراني المتراص.

وتابع الجمَّال: «نواجه حالات كثيرة لا تعرف إلا أنها من مخيم بلاطة، إلا أنهم اليوم أصبحوا يُعرِّفون الآخرين ببلدهم الأصلي، بل كتبوا قصصاً عنها، ومنهم من أنتج أفلاماً وثائقية تحكي قصة اللجوء».

ويقول فيصل صالح منسق العلاقات العامة في المركز لـ«العودة»، إنّ المراكز الثقافية بالمخيمات الفلسطينية لها الدور الكبير في التأثير على العالم. فاليوم جيل الشباب يعرض معارضه، ويكتب وينتج الأفلام وتعرض في دول العالم، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية. ومنها فيلم «حلم نور» الذي حصل على الجائزة الأولى بشيكاغو عام 2006، ويحكي قصة الحجر الفلسطيني الذي بنينا منه بيوتنا ومن ثَمَّ هُدم ثم أصبح عنواناً للمقاومة الفلسطينية.

بدوره تحدث فادي المسيمي مدرب فرقة عائدون للدبكة الشعبية عن الدور التراثي وأهميته في رسالة التمسك بالأرض، فقال إن فرقته سافرت إلى عدد من دول العالم، وعرضت وصلات شعبية تراثية بالزي الشعبي وهي رسالة من أطفال فلسطين، أطفال المخيمات للعالم وحقنا بالعودة إلى أرضنا.

ويضيف: «كنا نسير بالأسواق بالزي الشعبي، ما يؤكد أننا مصرون على العودة إلى أراضينا وبيوتنا».

إنجاز يصر على العودة

عبد الرحمن ملخ من سكان مخيم قلنديا قرب القدس يقول للعودة: «أنا من مدينة يافا ومتدرب بمركز الطفل بالمخيم».

ويضيف: «عملت على إنتاج فيلم وثائقي عن حياة لاجئة فلسطينية عاشت اللجوء، بينما كانت طفلة واليوم لديها 11ولداً و25 حفيداً».

ويصور كيف تجمع الحاجة أحفادها وتقص عليهم قصة اللجوء وكيف طرد الاحتلال الإسرائيلي عائلتها وعائلات أخرى من بيوتهم، وهي تحتفظ - حتى اليوم- بمفاتيح بيتها، وتصف البيت الذي تملكه عائلتها بأدق التفاصيل.

أما الطفل محمد الخطيب الذي التحق بمركز يافا الثقافي بمخيم بلاطة، فقد انتسب إلى مخيم بلاطة، حين سأله المشرف من أين أنت؟ ولم يكن يعلم الخطيب أنه من مدينة كفر سابا قضاء يافا.

إلا أن الخطيب اليوم يُعد من أبرز الشباب الناشطين بالمخيم، ويعمل دائماً على الحديث عن بلده، ويُعرف زملاءه بالمدرسة عنها فهو ينشط بالبحث والقراءة لجمع أدق التفاصيل، ولا يكل بسؤال كبار السن والاستفسار عن بلده وبيته.

ومن النماذج الطفولية الأخرى في المركز، كان هناك الطفل عادل حوتري الذي أعد لوحة حائط، شملت معلومات هامة عن قرى وبلدات فلسطينية مدمرة في فلسطين المحتلة عام 1948م، وقدم حوتري عدداً من المواضيع الخاصة بقرى ومدن في الإذاعة المدرسية.

ويظل العمل على حفظ الذاكرة من التحديات المهمة التي تعمل عليها هذه المراكز، فالطفل خالد قطاوي يقول إنه سمع الكثير عن بلدته الأصلية، ولكن لم يزرها يوماً، ومن خلال مركز يافا الثقافي استطاع أن يزور بيته ويقطف ثمرة برتقال من بيارات جده بيافا وأحضر معه حفنة من ترابها إلى المخيم.

يضيف: شعرت بالراحة الكبيرة عندما تعرفت إلى بيت عائلتي وبياراتها، إلا أنني تضايقت كثيراً لعدم قدرتنا على العودة إليها والسكن فيها بسبب الاحتلال.

ويختم قطاوي: «هنا نعيش في مخيم تتراص الجدران بعضها فوق بعض، حياة في القبور وهناك الحياة في الجنة لا بد أن نعود إليها يوما ونتنشق عبقها».

ومع هذا يتعاظم الأمل لدى أطفال فلسطين وشبابها في العودة، وتحقيق هذا الحلم رغم كل التحديات.♦