مجلة العودة

تفاصيل صغيرة: الوطن.. حين يحضر بأسمائه في مخيمات الشتات

الوطن.. حين يحضر بأسمائه في مخيمات الشتات
 

«حي صفورية، مدرسة الشجرة، شارع لوبية، حي اللد، جورة التراشحة» وغيرها من الأسماء التي أصبحت من معالم المخيمات، حين يظل الوطن يعيش مع أبنائه في كل شيء.

تقترب فلسطين من حكايات المخيم، تطلع الشمس فتضيء على أوجاع المخيم وأشواقه، ليست بالوجدان، فقط بل على الشفاه.

يوقفك شخص في مخيم البرج الشمالي يسأل عن مدرسة فلسطين، يهاتفك آخر ويخبرك أنه في طريقه إلى مدرسة الكرمل، ثالث يقول إنه ينتظرك في شارع الشهيد فؤاد حجازي، ولأننا في حضرة الشهداء، فحديقة باسم شهداء أطفال غزة، ودوار يحمل اسم الشهيد محمد الدرة، روضة تتخذ من اسم الرضيعة الشهيدة إيمان حجو اسماً لها، وأحياء عرفت باسم البلدة التي هُجروا منها، وحاولوا أن يجمعوا شتات عائلات من قريتهم فكانت، «جورة التراشحة» في مخيم برج البراجنة في بيروت.
 
عشرات المدارس في مخيمات اللجوء، تتخذ من أسماء القرى والمدن عناوين لها، في محاولة للحفاظ على ذاكرة الوطن في وجدان أبنائه، وجدان أثبت أنه مثل الذهب الخالص، لا يزيده الانصهار إلا تألقاً ونقاءً.
 في طريقنا إلى المدرسة، أمسك بيد ولدي لنخرج من البيت في مخيم اليرموك جنوب دمشق. في الجهة الشمالية، على بعد أمتار هناك حارة الفدائيين التي سميت بذلك لكثرة من ذهبوا إلى حدود الوطن ليستشهدوا فوق ثراه.

أسير معه أمتاراً قليلة لنصل إلى الشارع المؤدي إلى مدرسته، يسألني عن اسم الشارع فأجيبه: هذا شارع الشهيد فؤاد حجازي، من المهم أن تعرف اسم الشارع، لكنَّ الأهم أن تعرف من هو الذي سمي باسمه، ولماذا إلى مدرسة سخنين والنقب ونمرين وغيرها نقترب أكثر وأكثر. بعد يومين فقط، أمام المدرسة، كانت إحدى المكتبات تضع أغنية «من سجن عكا طلعت جنازة... محمد جمجوم وفؤاد حجازي». قلت لولدي: هذا هو الشهيد الذي حدثتك عنه، إنه الشهيد الذي لا يغيب عن الوجدان واللسان.

أعتقد أنَّ ولدي حفظ جيداً قصة هذا الشهيد مثل آلاف الطلاب الآخرين.

في دروب المخيم، يسعى اللاجئون إلى حياة كريمة عزيزة، يُشغَلون أحياناً بتفاصيلها وهمومها، لكن البوصلة تشير باستمرار إلى فلسطين، في الحي والمدرسة والشارع، وأحيانا يتخذ الوطن اسما له على محالّهم، عناوينها: فلسطين والقدس والأقصى والعودة.

في دروب المخيمات، تستذكر الحارات والأحياء فلسطين، فتحاول أن تقترب منها، لتظل الذاكرة متوهجة بالوطن وأسمائه.

صرنا بحاجة إلى وسائل أخرى، نسعى من خلالها إلى تثبيت الحكاية والحفاظ عليها، كي تقوم الأجيال بتحقيق الحلم، وهل هناك أجمل من حلم العودة؟