مجلة العودة

تفاصيل صغيرة: مخيم برج البراجنة وحي العتمة

حي العتمة في مخيم برج البراجنة
ملاذ للمريض والفقير والعاطل من العمل
 

من يدخل مخيم برج البراجنة يصادف طريقاً مظلماً، وقد لا يستطيع أن يرجع أدراجه.

أبنية متكدسة تحجب نور الشمس أقيمت عشوائياً، وتقسمها زواريب ضيقة لا تكاد تتسع لمرور شخصين في آنٍ واحد، ومن المؤكد أنك تحتاج إلى مصباح حتى ينير الطريق في النَّهار، فما بالك بالليل؟ وهكذا سيكون مصيرك غير معروف: فإما أن تنزلق قدمك جراء المياه التي تبلل الطريق، أو أنك ستتعرقل بزوايا درجات المنزل الذي يتوسط الطريق، أو أنك ستقع في حفرة غير مغلقة نتيجة حفريات إعادة تأهيل البنى التحتية!

وهناك خيار آخر، أن تغامر وتلتف من خلف الحي وتدخل في زواريب ومفترقات لا تعرفها، وقد تضيع بوصلة توجهك لأن الطرق غير متوازية إطلاقاً ولا تعرف الاستقامة. فالطرق أشبه بمتاهات يضيع فيها أبناء المخيم أنفسهم، لا إشارات ولا دليل أو لوحات تشير إلى الاتجاه الذي تمضي فيه.

جدران الحي لا تصلح لأن تكون لوحات حائط كباقي الجدران في المخيم، المغطاة بصور الشهداء والدعوات والإعلانات، لأن العابر لها لا يستطيع أن يرى أو يدرك لوناً من شدة العتمة. الفائدة الوحيدة للجدران هي أن تستند إليها وتتلمس الطريق كي تعبر بسلام.

لكل مخيم حكاية وفي كل حي قصة، وقصص حي العتمة لا تنتهي. فكم من طفل بكى في العتمة من دون أن يشاهده أحد، وكم من عائلة سكنت وراء جدرانه لتستر حالها وتخفي فقرها وعوزها، وكم من عاطل من العمل جلس يعدّ أيام لجوئه، وكم من مذنب اختبأ في زوايا الحي هارباً من فعلته.

أسلاك الكهرباء والتلفون والإنترنت تزاحم الناس في الطريق. ليس هذا فقط، بل خطوط المياه (النباريج أو القساطل) ممدودة فوق رؤوس الناس بدلاً من أن تكون تحت الأرض!!

هذا الحي المظلم لا يحتاج إلى إنارة كهربائية أو مصابيح، فقبل ذلك هو يحتاج إلى نور هداية لأهل المخيم كي يبصروا واقعهم المأسوي، فقضية اللاجئين أكبر من أن تحل بأضواء تثبت في الطريق.

الحمد لله أن هذه عتمة طريق وليست عتمة جهل، لأن عتمة الجهل ستجعل كل المخيمات مظلمة.

لكن من يتحمل المسؤولية؟ طبعاً لا أحد، لا شخص قرر أن يكون هناك أحياء مظلمة!! ولا سلطة فرضت ذلك، فهي نتيجة تراكمات الكارثة! كارثة اللجوء.

المشكلة في تفاقم، لأن أعداد السكان داخل المخيم تزداد والمساحة تتقلص، وهو ما ينبئ بانتشار الأحياء المعتمة. والبيوت في المخيم تمتد مع الوقت عمودياً لتصبح أبنية متلاصقة.

عمــر وهبه