مجلة العودة

بعد شهر من التهدئة غزة ما زالت تعاني والاحتلال يماطل

بعد شهر من التهدئة
غزة ما زالت تعاني والاحتلال يماطل

على الرغم من مرور أكثر من شهر على التهدئة التي وقّعت عليها جميع فصائل المقاومة مع العدو الصهيوني برعاية الحكومة المصرية، إلا إن الأوضاع داخل قطاع غزة ما زالت على ما هي عليه قبل التهدئة، فالعدو مصرّ على إغلاق المعابر وتشديد الحصار على السكان المدنيين، وعدم إدخال الأدوية والمواد الغذائية والمواد اللازمة لتسيير الحياة بالحد الأدنى، فضلاً عن استمرار إغلاق معبر رفح؛ الشريان الوحيد الذي يربط قطاع غزة بالعالم الخارجي، وما يترتب عليه من موت يومي للحالات المرضية التي لا تجد العلاج اللازم في مستشفيات القطاع نتيجة استمرار الحصار.

الرضيعة هديل

أعلنت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، وفاة رضيعة مريضة منعها الحصار الإسرائيلي للقطاع وإغلاق المعابر من السفر لإكمال العلاج، ليرتفع عدد ضحايا الحصار إلى 205 ضحايا.

وأكدت اللجنة الشعبية، أن الرضيعة هديل جواد الحداد (19 شهراً) توفيت بعد معاناة مع المرض منذ قرابة عام، وحرمانها من السفر لتلقي العلاج. ونقلت اللجنة عن ذوي الرضيعة أن هديل أجريت لها عملية قلب مفتوح قبل ستة أشهر، لكنها منعت من السفر لإكمال العلاج. ويتهدد الموت مئات الحالات المرضية من مختلف الفئات العمرية في القطاع بسبب الحصار وإغلاق المعابر ونقص الدواء والعلاج اللازم في المراكز الصحية.

أبو زيد تناشد

من جانبها طالبت المفوضة العامة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» بفتح معابر قطاع غزة التجارية بشكل كامل ومعبر رفح كشرط أساسي لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة.

وقالت كارين أبو زيد، في تصريحات صحفية «إن الأوضاع في غزة لم تتغير، وإن المعابر يجب أن تفتح لإدخال كل مواد البناء حتى نتمكن من تشغيل مشاريعنا الكبرى التي تبلغ حوالى 93 مشروعاً معطلة منذ عام تقريباً إضافة إلى مشاريع بقيمة 200 مليون دولار لمنظمات أممية».

وأضافت أن «الأوضاع بالنسبة إلينا لم تتغير في «الأونروا» بعد التهدئة، حتى أننا نحصل أحياناً على مواد أقل»، مشيرة إلى أنها ستعقد اجتماعاً في وقت لاحق مع الاحتلال لمناقشة إدخال مواد البناء ومواد أخرى إلى القطاع.

وعن آلاف الفلسطينيين الذين باتوا بلا بيوت منذ سنوات في جنوب القطاع، قالت «إن «الأونروا» قدمت حلولاً مؤقتة لهؤلاء الناس الذين طالت معاناتهم»، مؤكدة أن مشكلة إسكانهم ستُحلّ في حالة دخول مواد البناء إلى قطاع غزة.

وأوضحت المفوضة الأممية «أن مئات الأطفال الذين نحتفل بهم اليوم مع نهاية العام الدراسي يعطون دلالة كبيرة على قدرة الفلسطينيين على الحياة والإبداع، إذا توافرت لهم ظروف جيدة، والمطلوب الآن أن تفتح المعابر ويُسمح لسكان غزة بحرية الحركة من قطاع غزة وإليه، حتى نرى تحسناً حقيقياً في أوضاع الفلسطينيين في القطاع».

وأكدت كارين أبو زيد أن ما حدث من تقدم كبير في مستوى التعليم في قطاع غزة، كان جهداً مشتركاً للأسرة والمؤسسة التعليمية بمدرّسيها ومدرائها، والجهود التي بذلها المدرسون في برامج المعالجة لآلاف الطلبة التي مكنت من الوصول إلى تلك النتائج الكبيرة.

جون جينج يؤكد

وأكد المدير العام لعمليات «الأونروا» في قطاع غزة جون جينج أنه رغم التزام الجانب الفلسطيني بالتهدئة ووقف إطلاق الصواريخ على أهداف إسرائيلية، إلا أن المعابر لم تفتح بالحد الذي يحتاج إليه سكان القطاع، والوضع يزداد سوءاً.

وقال جينج : إن الوضع في غزة ما زال محبطاً للناس، فلدينا تهدئة وهذا جيد، وهناك وقف لإطلاق الصواريخ وهذا أيضاً جيد، ولكن المعابر لم تفتح بعد إلى الحد الذي نحتاج إليه، لذلك ما زال سكان قطاع غزة يعانون هنا.

وأعرب مدير عمليات «الأونروا» عن أمله في أن تفتح معابر قطاع غزة بشكل سريع لإدخال جميع الأشياء اللازمة، ليس فقط الغذاء والدواء، ولكن أيضاً الأشياء الأخرى التي يحتاج إليها الناس لكي يستطيعوا العيش في غزة.

وطالب سكان قطاع غزة بأن يرفعوا صوتهم عالياً لكي يرفع الحصار عنهم، ويأخذوا حقوقهم الإنسانية، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني أساساً لم يأخذ حقه الإنساني، مشدداً على أن «الأونروا» ستستمر في دعمها للفلسطينيين رغم الصعاب التي تواجهها وستقف بجانبهم في كل المحن.

وأكد جون أنه دائماً ينقل رسالة للعالم مضمونها: «إننا نريد عدالة للفلسطينيين، وعندما تتحقق العدالة يتحقق كل شيء»، مشيراً إلى أنه إذا رفع الحصار وفتحت المعابر عن قطاع غزة فإن الشعب الفلسطيني لن يكون بحاجة للمواد الغذائية، لأنه سيوفرها لوحده.

وقال: «إنني متأكد تماماً أن هناك أياماً جميلة قادمة للفلسطينيين، ودولة فلسطين وعاصمتها القدس قادمة إن شاء الله»، موضحاً أنه رغم ما وصفه «بجبل الصعاب» الذي يواجهه الشعب الفلسطيني إلا أنه يجب عليه أن يستمر ويتقدم لكي يتخطى هذا الجبل.

الفول لم يسلم

حتى المأكولات الشعبية وفي مقدمتها الحمص والفلافل والفول التي تعتبر تراثاً وتقليداً ويطلق عليها البعض لحوم الفقراء تأثرت بالحصار، وتوقفت المطاعم التي تقدمها عن العمل أو قلصت من إنتاجها بسبب نقص الغاز المنزلي، وبات الفقراء مهددين بنقص البروتين بعد ارتفاع أسعار البروتين الحيواني.

وأوضح المواطن أبو أحمد صبح أنه لم يتوقع أن يصل الحصار إلى المأكولات الشعبية «الفلافل والفول»، التي تعتبر طعام الفقير والفطور اليومي لآلاف المواطنين، مشيراً إلى أن الأسر كبيرة العدد تعتمد بالدرجة الأولى على الفول والحمص والفلافل كصنف أساسي في مائدة الطعام، ولا سيما الإفطار والعشاء.

وأكد أنه منذ انقطاع الغاز المستخدم في البيوت والمطاعم والمطابخ اضطرت محال بيع الفول والفلافل إلى إغلاق أبوابها أمام زبائنها، ما أدى إلى استياء المواطنين لعدم حصولهم على فطورهم الشعبي.

وأكدت المواطنة أم إيهاب أن آثار الحصار لم تقتصر على الوضع الصحي والإنساني والبيئي والاجتماعي، بل تعدت ذلك لتشمل كل مناحي الحياة.

وأوضحت أن الأم في البيت أكثر من يعاني من ذلك لأن مسؤولية البيت في قطاع غزة تقع بالدرجة الأولى على عاتقها، ومع نقص الغاز المنزلي وغلاء الأسعار باتت مطالبة بتدبر أمورها واجتياز المشكلة، لافتة إلى أن الوجبات الشعبية كالفلافل والحمص والفول كانت تخفف من هم البيت وتجهيز موائد الإفطار.

وأوضح عيسى العماوي (29 عاماً) صاحب مطعم للمأكولات الشعبية في غزة، أن الفول والفلافل والحمص هي «بروتين» الفقراء في قطاع غزة المحاصر، في ظل ارتفاع أسعار اللحوم والدجاج، معرباً عن استيائه لما وصلت إليه الأوضاع في غزة.

وأشار إلى أن مطعمه لم يغلق منذ أكثر من 10 أعوام، إلا أن تصاعد أزمة الغاز المنزلي أجبره على رفع لافتة على باب المحل يعتذر فيها عن تقديم وجبة الفلافل، مشيراًَ إلى أن وجبة الفلافل هي الوجبة الرئيسية والمميزة لديه في المطعم، وهي التي ساعدته في إقبال المواطنين عليه.

وأكد أن خسارته اليومية تتفاقم لعدم بيع الفلافل الذي يعتبر مصدر الدخل الأكثر بجانب الفول والحمص، موضحاً أنه قلص من عدد العمال حتى يتمكن من جلب الغاز.

وأعرب العماوي عن خشيته من استمرار هذه الأزمة، وخاصة أن العديد من المطاعم أغلقت أبوابها.

أما أبو محمد أبو العينين (41 عاماً) فكان حاله أسوأ من غيره بعد أن أغلق أبواب مطعمه مدة أسبوع ونصف الأسبوع، مشيراً إلى أن توقف عمل المخابز زاد من حدة الأزمة، ولفت إلى أنه تمكن من حل هذه المشكلة بجلب شوال دقيق وخبز أرغفة الساندويتشات في البيت.

وبالرغم من الترشيد وتقليص ساعات العمل، إلا أن كل محاولات أبو العينين باءت بالفشل، واضطر إلى إغلاق مطعمه، مشيراً إلى أن ما بقي من الغاز يكفي فقط لاستخدام المنزل، ما اضطره إلى إعطاء الأولوية للبيت.

الاحتلال يمنع الحقيقة

استنكر جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار والنائب في المجلس التشريعي، منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي وفد تحقيق دولياً من دخول الأراضي الفلسطينية للاطلاع والتحقيق في العدوان والحصار الإسرائيلي.

وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منعت وفد تحقيق دولي رفيع المستوي من دخول الأراضي الفلسطينية، وخاصة قطاع غزة، لمشاهدة الحقيقة على الأرض جراء ممارسات وعدوان وحصار جيش الاحتلال.

واعتبر الخضري، في تصريح صحفي أن هدف الاحتلال من ذلك التعتيم على الحقيقة، ولتبقى آلة الإعلام الإسرائيلية تنقل الافتراءات والأكاذيب بخصوص الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية.

وأكد أن المنع يهدف أيضاً إلى تغييب دور المؤسسات الدولية التي بدأت تأخذ منحى ايجابياً بالتعاطي مع القضية الفلسطينية والحصار الإسرائيلي لغزة.

وشدد الخضري على أن هذا المنع يؤكد انتهاكات الاحتلال وعقابه للفلسطينيين والتنكر لكل مبادئ حقوق الإنسان، واستهداف المدنين المحميين بالحقوق الدولية.

ورأى رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، أن منع «إسرائيل» للوفد من الزيارة أكبر دليل إدانة أمام العالم، داعياً العالم إلى التحرك وإرغام الاحتلال على فك الحصار وفتح معابر قطاع غزة بشكل كامل.

وشدد الخضري، على أن منع الوفد لا يعني منع الحقيقة من الوصول إلى العالم، مبيناً أن ممارسات الاحتلال هذه لن تثني المتضامنين مع الشعب الفلسطيني على مواصلة جهودهم ونشاطاتهم من أجل التضامن معنا وفضح الاحتلال.

ويضم الوفد «السفير براساد كارياوسام، مندوب جمهورية سريلانكا الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك الذي تترأس بلاده لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وأعضاء اللجنة التي يترأسها وهما سفيرا كل من ماليزيا والسنيغال».

كارتر يشهد

من جانب اخر التقى جمال الخضري وفد مركز كارتر، مطالباً المجتمع الدولي بوقف العدوان والحصار على شعبنا الفلسطيني.

وشرح الخضري، خلال اللقاء، الوضع في الأراضي الفلسطينية جراء الحصار والعدوان الإسرائيلي، مؤكداً أن المشكلة ليست في الجانب الفلسطيني بل في الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاصر الشعب ويمارس عليه العدوان.

وأشار الخضري، إلى عدوان الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية ودهم المؤسسات المدنية والخيرية إلى جانب حصار القطاع، ومحاولات تهويد القدس المحتلة، وبناء الجدار الفاصل في الضفة وفصل القرى والمدن عن بعضها البعض، وزيادة عدد الحواجز والسواتر، إلى جانب الاستيطان المتزايد.

وطالب الخضري الوفد الزائر بالتحرك في هذا الاتجاه والضغط على «إسرائيل» لتقر باحتلالها وحصارها، وتوقف هذه الممارسات وتفك الحصار عن مليون ونصف المليون في القطاع، وحصار الضفة والقدس.

ولفت إلى أن الشعب الفلسطيني هو المستهدف، فأرضه تُسلب ويُستهدف أطفاله ونساؤه ورجاله، ويقتلون ويعتقلون ويصابون.

وتطرق إلى الآثار السلبية المترتبة على حصار غزة على مختلف الجوانب والقطاعات، مستهجناً صمت العالم عن هذا الحصار وآثاره. متسائلاً كيف يصمت العالم عن حصار طفل يحرم من دخول مدرسته بالزي والحقيبة الجديدة؟ ومريض ينتظر الدواء ولا يجده حتى يموت؟ وشاطئ البحر يتلوث يومياً بملايين الليترات من المياه العادمة بسبب منع الاحتلال إدخال مستلزمات محطة المعالجة؟

وأضاف رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار: أين الأخلاقيات والقوانين والحماية للمدنين التي جاءت عبر اتفاقية جنيف الرابعة؟

بدوره، استنكر الوفد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، مشدداً على أن الحصار كان يجب أن لا يكون من البداية. وكان الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر قد وصف حصار غزة بغير الإنساني، ودعا إلى وقفه.