مجلة العودة

أدب العودة: النكبة والعودة في الكاريكاتير الفلسطيني - فتحي صالح

النكبة والعودة في الكاريكاتير الفلسطيني
المفتاح أصبح إرثاً تتناقله الأجيال تمسكاً بحق العودة
فتحي صالح  / دمشق
 
 العودة حق مقدس لكل فلسطيني هُجّر من أرضه عنوة، ولا يمكن أية مؤامرة أو قرار دولي أن يلغي هذا الحق.. هذا ما يدركه كل الفلسطينيين وعلى رأسهم المثقفون والكتاب والفنانون.

ورسامو الكاريكاتير لهم دورهم المباشر، فناجي العلي يُعد أشهر رسامي الكاريكاتير وأبرزهم في تناول النكبة التي ارتبطت حياته بها، غادر وطنه عام النكبة وهو في العاشرة، فأدار ظهره للعالم وتوقف عمره وحنظلة لن يكبر بعد الآن إلا إذا عاد للوطن، هذا شرط ناجي العلي الذي توالت عليه النكبات فكانت دافعه نحو الإبداع.

في الصورة البصرية الكاريكاتيرية يتمثل حق العودة وقضية اللاجئين الفلسطينيين في جوانب عدة أهمها المكان، مكان اللجوء في مخيمات الشتات حيث يتعرض الفلسطينيون لمعاناة يومية وأزمات خانقة متلاحقة جسّدها ناجي العلي بأعمال عبرّت عن مختلف الشرائح الفلسطينية/ لا صلح.. لا تفاوض.. لا اعتراف/ عبارات من نسج عمله حملت الكثير منها حلم العودة/ عائدون.. إننا لعائدون/.. في الصورة البصرية نرى أيضاً رجلاً – من الغلابة – مبتور الساق عكازه مفتاح، ونرى فاطمة يتدلى على صدرها مفتاح من خيط حول عنقها، هو مفتاح العودة التي لا يزال ينتظرها كل لاجئ فلسطيني.

أمية جحا رسامة الكاريكاتير الفلسطينية التي امتدت شهرتها على امتداد الوطن العربي وأكثر، تقول إن كل رسوماتها تعبر عن النكبة. في أعمالها رموز تثير الذهن باتجاه مدلولات تختزلها لتعبر عن خلاصة حقيقة ما.. ولا أوضح من حقيقة العودة التي عبرت عنها بالمفتاح الذي ترافق مع توقيعها وأصبح جزءاً دالاً على هويتها الفنية.. المفتاح أصبح إرثاً تتناقله الأجيال تمسكاً بحق العودة، هذا ما عبرت عنه في إحدى رسوماتها حيث لا يجد الأب الفلسطيني وهو على فراش الموت ما يورثه لابنه سواه.. وفي رسم آخر يلتقط الابن مفتاح والده الذي يسقط شهيداً ليكمل مسيرة النضال من أجل العودة.

نرى مثلاً الفنان عماد حجاج يحطم مؤامرة الوطن البديل بواسطة مفتاح كبير استخدمه كمطرقة شاب فلسطيني فقير خرج من رحم الأرض ليقول: «لا» للتآمر على الشعب الفلسطيني المشرد في بقاع الأرض والمناضل في سبيل العودة واسترجاع حقوقه المغتصبة.

في السياق نذكر أن الفنانة أمية جحا قامت بعمل أول فيلم كرتوني عن النكبة بعنوان «حكاية مفتاح» تدور أحداثه حول قرية فلسطينية هُجّر أهلها منها عام 1948.. يؤدي دور البطولة (مفتاح العودة) من خلال عودته إلى العام النكبة يروي كشاهد عيان تفاصيل النكبة الفلسطينية وانتهاءً بما آل إليه حال الفلسطينيين حتى يومنا هذا.

ويرى الفنان محمد سباعنة أن موضوع النكبة حاضر في كل لحظة وكل يوم، لذلك كرس جزءاً كبيراً من أعماله للنكبة المتجددة في حياة الشعب الفلسطيني فبينت أعماله الأوضاع الاجتماعية البائسة والمعاناة اليومية للاجئ الفلسطيني.

وهذا ما فعله عدد كبير من رسامي الكاريكاتير الفلسطينيين الذين نلحظ أن الرمز الأول لديهم للتعبير عن العودة وما تتركه من رعب يصيب العدو الصهيوني هو المفتاح الذي أخذ أشكالاً ومهمات متعددة؛ ففي أحد أعمال الفنان مراد دراغمة نرى جندياً صهيونياً حاول التخلص من المفتاح الفلسطيني (حق العودة) بطمره في حفرة حفرها، لكن المفتاح نما كسنبلة وأثمر مفاتيح عدة، في دلالة على أن هذا لا يطمس ولا يموت.

وترسم حنين المصري الفلسطيني المتجذّر في أرضه كشجرة الزيتون وهو يقتلع جندياً صهيونياً بواسطة مفتاح كبير، المحتل الغريب الذي يحاول أن يتجذّر في الأرض غارساً قدميه التين تشبهان السكاكين، محاولاً بتر الجذور الفلسطينية عبثاً.

الفنان أشرف غريّب يرسم تمثالاً لحاخام صهيوني يحمل بيده اليسرى شمعداناً ملوثاً بالدم الفلسطيني، وباليد اليمنى يحمل مفتاحين من الطراز الحديث وُسما بعبارة (USA)، هذا الصنم مشيّد فوق جماجم أهلنا عام 1948، لكن امرأة فلسطينية قُتل طفلها في حضنها ترفع من تحت منصة التمثال المفتاح الفلسطيني بحجمه الكبير، وقد كتبت عليه كلمة (عائدون).

ورسامون فلسطينيون آخرون كثر حذوا حذو زملائهم في التعبير عن النكبة وحق العودة منهم: (أمل كعوش، عصام أحمد، عاصف الخزندار، أحلام عثمان، زهراء حسن الماجد، هاني عباس، معتز علي، وديع خالد، رقية معزوز، خليل الشوفان، أسامة نزال...).

هكذا نرى أن همّ رسامي الكاريكاتير الأول هو تصوير النكبة وآثارها وانعكاساتها، وأن شغلهم الشاغل هو العودة.