مجلة العودة

أدب العودة: مجلة العودة في «حصاد الأربعين» - سمير عطية

مجلة العودة في «حصاد الأربعين»
تعزيز لإعلام وثقافة العودة ومواكبة وتوثيق لأدبيات القضية
 

سمير عطية/ دمشق

أكملت مجلة العودة عددها الأربعين في مطلع العام الجديد 2011، ولأن مجلة «العودة» كانت ولا تزال تعمل على تفعيل ونشر ثقافة العودة بمفهومها الشامل، ولأن تعزيز حضور هذه الثقافة في الوجدان الفلسطيني، كان من الضروري أن يكون هناك قراءات متعددة لهذه التجربة في شهرها الأربعين، وأحسب أن هذه القراءة ستحفز قراءات أخرى على الوقوف عند هذه التجربة المهمة، فـ«العودة» تعمل على إحداث حراك إعلامي في الأوساط الفلسطينية والعربية عبر تسليط الضوء على هذه القضية المهمة، التي تُعَد ركيزة من ركائز القضية الفلسطينية.

وإذا كانت بعض التعريفات المعاصرة تذهب إلى أن مفهوم «الثقافة» يدخل في التخصصات المختلفة، إلا أن الحديث في هذه المحطات يتبنى المفهوم الأكثر شيوعاً، والأقرب إلى مفهومه من خلال التركيز على جوانب التراث والأدب والتاريخ.

سيرة ومسيرة

تنضم «العودة» من خلال أعدادها الأربعين إلى ركب الصحافة الفلسطينية المعاصرة، رغم أن عمرها قصير إذا ما قورنت بأعمار الدوريات الفلسطينية الأخرى. والوقوف عند هذه التجربة مهم، وتحديد معالمها ضروري، ومن الأهمية أن تأخذ هذه المطبوعة خلال هذه المرحلة حقها من الدراسة. فهي من ناحية استمرت في الصدور على نحو شهري منتظم منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهذا يعكس استقراراً منهجياً وإدارياً وصحفياً لديها، جعلها تسير في منحى تصاعدي خلال الشهور الأربعين الماضية، سواء في ماهية الشكل الخارجي والإخراج الفني لصفحاتها الخارجية والداخلية، أو من خلال تطوير المضامين الداخلية لصفحاتها، وتنوعها السياسي والاجتماعي والإعلامي والثقافي والفني.

كذلك فإنها غطت جغرافياً الحضور الفلسطيني، فتلون المشهد الفلسطيني في صفحاتها، وتعددت الفعاليات والإضاءات، وأحدثت حراكاً إعلامياً في هذه المساحة من التخصص.

وظلت بوصلتها واضحة باستمرار تشير إلى العودة.

إن من المعطيات المهمة في هذه الوقفة أيضاً، أنَّ ميلاد هذه المجلة جاء في خضم تحديات تموج بها الساحة الإعلامية في العالم أجمع في وجود ثورة الاتصالات والتكنولوجيا. ففي الوقت الذي يستمر الحديث فيه عن سطوة الفضائيات وهيمنة الإنترنت على المشهد الإعلامي، يؤكد آخرون أن الإعلام المطبوع من صحف ومجلات سيظل حاضراً بل ومؤثراً في الواقع، آخذاً بتقنيات التكنولوجيا.

في هذا الواقع المليء بالتحديات المهنية، انطلقت «العودة» في فضاء الإعلام الفلسطيني والعربي، مقتربة من هموم الشعب الذي تنقل همومه وتسطر أحلامه، ومواكبة للحراك الحديث لثورة الاتصالات، فأنشأت منذ اللحظة الأولى موقعاً إلكترونياً لها، يصلها بالوطن وأهله، ويصل الوطن بها، وعملت من أجل ذلك على إيصال هذا الجهد إلى آلاف القرّاء عبر العناوين البريدية الإلكترونية، لتضعهم من خلال ذلك في صورة أهم التقارير والتحليلات والمقالات والحوارات والفعاليات.

أما التحديات لم تقف في الدائرة المهنية الإعلامية والجدل حول العمل الإعلامي، والوسيلة الأكثر نجاعة ونجاحاً في التأثير في الرأي العام، بل إنها واجهت تحديات في الواقع الفلسطيني نفسه في فلسطين والشتات، وأثبتت قدرة على التمكن من القراءة الواقعية والدقيقة له، فعملت من خلال القضية التي تحمل المجلة اسمها «العودة»، على أن تكون جهة إعلامية توحد ولا تفرق، تبني ولا تهدم، تعمل ولا تتلكأ، مساهمة في الحفاظ على حق العودة، مؤكدة من خلال هذه الوسيلة رؤيتها في توحيد المشهد الفلسطيني في الداخل والخارج على قضية العودة، وإبراز هذه القضية على النحو الذي تستحقه من جهة، ويستحقه أبناؤها القابضون على الجمر من جهة أخرى.

فعملت على الحضور في الهمّ الوطني الفلسطيني وطموحاته وآماله، دون أن تذوب في إطار بعينه إلا إطار الوطن، ورافضة أن تدخل في نقاش إلا من أجل مصلحة قضية العودة والعمل في الحفاظ عليها.

توثيق للذاكرة

ضمن حراكها الإعلامي، حاورت «العودة» في مسيرة «الأربعين» عشرات الشخصيات السياسية والفكرية والإعلامية والثقافية والفنية، وأطلت بين الحين والآخر على علماء الدين في الأمة وموقف الشرع ممّا يجري، وهذا بحد ذاته توثيق للحدث وللشخصية.

وكانت هذه الحوارات في أغلبها متميزة، حيث أضاءت على قضية العودة من مختلف الزوايا، وجاء تنوع الأفكار السياسية للضيوف، واختلاف أماكن إقاماتهم، إثراء للحوار، فجاءت في معظمها عميقة، وجاءت بالجديد والمفيد، ما يحسب لهذه المجلة الوليدة.

وليس المجال هنا لعرض أهم هذه الشخصيات ومضامين ما قالته رغم أهمية ذلك، فقد وثقت ذلك المجلة عبر موقعها الإلكتروني لكل أعدادها الأربعين، وبكل أبوابها التي طُبعت ورقياً، وقد أدركت ذلك بما اكتسبته من خبرة إعلامية وصحفية، فوثقت إصداراتها في إصدار سنوي لأعوام 2008، 2009 وتعمل على الإصدار الخاص بعام 2010م.

ولعلَّ من المفارقات المؤلمة أن بعض هذه الشخصيات التي حاورتها «العودة» قد فارقت الحياة، ما أعطى للحوار قيمة تاريخية وتوثيقية مهمة، وكثَّف من الاهتمام بهذه الإضاءات.

فقد حاورت «العودة» السياسي جورج حبش الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأحد مؤسسي حركة القوميين العرب، والباحث أنيس الصايغ رئيس مركز الأبحاث الفلسطينية وصاحب فكرة مشروع الموسوعة الفلسطينية، وناهض الريس وزير العدل الفلسطيني الأسبق الذي لم يبتعد عن الإبداع الأدبي والشعري في مسيرته، وكذلك الشاعر خميس لطفي، الذي كان آخر حوار أُجري معه، فكان من الأهمية بمكان أن جعل للعودة حضورها المهم في الساحة الثقافية الفلسطينية، وأهمية دورها في قضية العودة، وخاصة في الإعلام الثقافي لذلك.

كل هذا التوثيق من شأنه أن يحفظ الذاكرة، ويعمل على زيادة الوعي المعرفي للأجيال، وإدراكها أن فلسطين بالقدس والعودة، هما ركيزتان في الهوية والانتماء والحضور، ولا يمكن بحال من الأحوال الارتباط بفلسطين من دون الارتباط بهما إيماناً وممارسة وحراكاً بكل مجالاته.

ثقافة فاعلة

من أهم ما قدمته مجلة «العودة» في المجال الثقافي للساحة الفلسطينية، أنها حاولت أن تكسر الحاجز الموجود بين الجمهور من جهة والعمل الثقافي من جهة أخرى، الذي يعاني أمراض «النخبوية» و«التقليدية» و«الانكفاء» في أعماله ومناشطه.

ولعلَّ عدداً من الدوريات الفلسطينية، ومنها مجلة «العودة»، استطاعت أن تتميز في هذا المجال، في تقديم الثقافة الفلسطينية بتخصصاتها ومضامينها كمادة جميلة ومشوقة.

ولأن الحديث هنا عن مجلة «العودة» تحديداً، فإنَّ الموضوعية تقتضي أن أضع بين يدي القراء الكرام، كيف كان ذلك؟

«واحة العودة» التي أطلقتها المجلة، احتوت في بداياتها على تعريف بعدد من رموز فلسطين في الجانب الفكري والثقافي والأدبي، وإضاءات على الجوانب التراثية الفلسطينية في الأمثال والعادات والتقاليد، وضمت كذلك صوراً قديمة لها مدلول، وفيها إشارات تخدم الرسالة العامة لقضية العودة، ومع الأعداد اللاحقة أخذت الواحة تتضح أكثر فأكثر، بين خماسيات شعرية لشاعر من أبناء نكبة فلسطين هو محمد صيام، وتعريف بالجانب التراثي الطعام واللباس والألعاب، والتي تختارها المجلة من موسوعة أطلقها لاجئ فلسطيني آخر هو حسين لوباني بالاتفاق معه.

«ثقافة العودة»: احتضنت على صفحاتها العديد من القضايا المتخصصة في أدب العودة وثقافتها، وعرضت عشرات المواضيع التي أخذت أهميتها من تخصص المجلة، ووضوح رسالتها، وعظم رؤيتها، فهيأت المجال مسبقاً لتنسجم القضايا مع العنوان، فلم يكن هناك اضطراب في الرسالة الثقافية أو ضبابية لدى القارئ أو الباحثين.

وكنت ممن تشرف بالكتابة منذ العدد الأول، فوجدت الترحيب بالمضامين، دون إقصاء لرأي أو حجب لفكر، وهنا يمكن أن أستذكر في هذا المقام نشر وثيقة شعرية لقصيدة أحمد محرم، وكذلك الحديث عن واقع العمل الثقافي الفلسطيني. هناك أيضاً بيان المخاطر التي تتعرض لها قضية العودة في مقال مرايا الهزيمة، وغيرها من المقالات التي وجدت في المجلة صدراً رحباً لنشرها دون تدخل أو تعديل.

الحرص على مواكبة الإصدارات الجديدة في الساحة الفلسطينية والعربية، وكان للمجلة اهتمام بما يصدر عن أهم المؤسسات المعنية بقضية العودة في فلسطين والعالم العربي وأوروبا، وكذلك المؤسسات الفكرية والبحثية والثقافية والأدبية، والمعنية بقضية فلسطين عموماً، وبقضية العودة خصوصاً.

ولم يقتصر هذا الاهتمام بالكتاب المقروء فقط، بل بالأعمال الفنية وما يصدر من أعمال إلكترونية في بعض الأحيان. بل إن المجلة نفسها أطلقت أكثر من هدية مع أعدادها في طريقها لتطبيق نماذج من «الثقافة الشعبية لقضية العودة»، وهو أسلوب تعمل عليه المجلات الثقافية الكبرى في الوطن العربي في الكويت والأردن وسورية ومصر والإمارات وقطر وغيرها، من أجل التعريف بعملها الثقافي، وجعل القارئ على ارتباط وثيق مع الحراك الأدبي والتراثي والفكري من خلال إصدارات متميزة، ولعلَّ من الضروري بمكان أن تعمل العودة في أربعينيتها القادمة على تكثيف هذا النوع من الإصدارات الثقافية الشعبية، لأهميتها ودورها وتأثيرها. وللأمانة والموضوعية، فإنَّ مثل هذه المشاريع المكلفة مالياً تحتاج من أبناء الأمة إلى دعم كي تؤدي المنابر الإعلامية والثقافية دورها المنشود في مواصلة الحفاظ على قضية العودة، والعمل على تأثيرها تصاعدياً بشكل إيجابي في مختلف الصعد والمستويات الفكرية أو العمرية. إنَّ الحضور المتميز لهذه المجلة يؤكد أن مسيرة الأربعين شهراً كانت متميزة، وأثرت الساحة الفلسطينية عبر هذا العطاء، وساهمت بتعزيز ثقافة العودة، سواء كان ذلك بالمفهوم الأوسع لمصطلح الثقافة، أو المعنى الأدق والتخصصي المعروف، يحدوها أمل عظيم في الاستمرار المتميز، والعطاء الكبير.♦