مجلة العودة

ثقافة العودة :فارسات على صهوة الإبداع

فارسات على صهوة الإبداع
يكتبن فصول الوطن ويرسمن العودة إليه
وسام الحسن - العودة

كانت المرأة الفلسطينية على مرّ عقود الصراع العربي الصهيوني من النساء اللواتي وقفن صفاً واحداً إلى جانب الرجل في إدارة هذا الصراع وتحريكه وفق بوصلة الحق المشروع التي تشير دوماً إلى الدفاع عن فلسطين العربية الإسلامية وعن شعبها الذي بقي على أرضه أو خرج منها رغماً عنه لاجئاً ومشرداً.
ومنذ بدايات الاحتلال البريطاني، وصولاً إلى الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية، دافعت المرأة الفلسطينية عن أرضها وقاومت ضراوة الاحتلال بكل أشكال المقاومة. فحملت البندقية وهرّبت السلاح للثوار وداوت الجرحى ووهبت مصاغها للثورة والثوار ثم حزّمت نفسها لتنسف العدو ووجوده وتدخل الصراع من أوسع أبوابه. فسجّل التاريخ المعاصر أن المرأة الفلسطينية هي مقاوِمة مجاهِدة حريصة على أن يكون لها دور كبير في التحرير وتخليص الأرض والشعب من طغمة الصهيونية، أطول احتلال في التاريخ المعاصر.
وعند الحديث عن المقاومة وأشكالها الأخرى، لا نستطيع تجاوز المرأة الفلسطينية أو دراسة حركة التاريخ المعاصر بمعزل عن تجربتها العميقة التي جسّدت الصلابة في الموقف وثبتت أركان الحق الفلسطيني في استرجاع ما أُخذ. فقد كان لها من الإبداع ما كان للرجل في معظم الميادين، حيث خطّت بقلمها أو ريشتها ملامح فلسطين المتجددة وناضلت على المستوى الإنساني والثقافي والاجتماعي لتقول: أنا هنا ابنة فلسطين بندقيةً وقلماً وريشةً وأملاً متجدداً يصنع الأبطال.
فارسات على صهوة الإبداع:
نعرض في هذه المقالة عدداً من المبدعات الفلسطينيات اللواتي سطّرن في صفحة التاريخ أمثلة عن الإبداع النسوي الذي ذاع صيته، ودار حول الكرة الأرضية لتأدية رسالة عجزت كثير من نساء العالمين عن تأديتها: من الفن التشكيلي والفن الساخر إلى الشعر والرواية. حتى يكون الإرث الثقافي الفلسطيني بصورته الحقيقية التي خطّتها المرأة إلى جانب الرجل.
الفن التشكيلي
1-تمام الأكحل :
عرف الفن التشكيلي الفلسطيني أسماءً كبيرة ومعروفة، وحقق شهرة قلّ مثيلها في التجارب الفنية العربية والعالمية، ولا يكاد يخلو متحف في العالم من لوحات لفلسطينيين وفلسطينيات. وتبقى تجربة الفنانة التشكيلية تمام الأكحل زوجة الفنان التشكيلي المعروف إسماعيل شمّوط هي الأكثر تميزاً ونضوجاً بين مختلف التجارب الأخرى.
هي تمام عارف الأكحل التي وُلدت في مدينة يافا - فلسطين في عام 1935م. شردتها النكبة مع أهلها من يافا ومنحتها صفة لاجئة في عام 1948 حيث انتقلت إلى بيروت - لبنان. وبسبب فنّها اللافت وإبداعها المتميز، أرسلتها كليــة المقاصــد في بيــروت ببعثـة لدراســة الفن في المعهد العالي للفنون الجميلة بالقاهرة عام 1953.
حصلت على شهادة الفنون الجميلة وشهادة إجازة تدريس الفن من المعهد العالي لمعلمات الفنون بالقاهرة عام 1957. وقد أقامت معرضها الأول في العام 1954 الذي افتتحه الرئيس جمال عبد الناصر ورعاه. شـاركت لاحقاً في المعرض الذي أقامــه زميلـهـا الفنّان إسماعيل شموط، ثم تزوجا حيث شاركته كافة المعارض التي أقيمت لأعمالهما في معظم البلاد العربية، وفي عدد كبير من بلاد العالم، وشاركت في عشرات المعارض المشتركة العربية والدولية في الدول العربية والأجنبية، ولها أعمال مقتناة في عدد من متاحف الدول العـربية والأجنبية ومن قـبل مقتني أعمالها ومحبيها.
تتحدث الفنانة تمام الأكحل عن تجربتها مع إسماعيل شموط قائلة: كنت وما زلت، كما إسماعيل شموط، نولي القيمة الفنية الأهمية الكبرى في أعمالنا كي تكون عامل قوة للقضية التي نتبناها، وهو ما جعلنا نحوز تكريمات عدة لعل آخرها فوزي أنا وإسماعيل بمسابقة عالمية لأجمل عشر صور، عن لوحتي «القدس في عيون تمام»، ولوحة إسماعيل «فلسطين على الصليب».
وتضيف: «إن ما عبّرتُ عنه عبر عشرات اللوحات التي عرضت في معظم دول العالم هو في سبيل تدعيم الحق الفلسطيني وحشد الرأي العام إلى جانب هذه القضية المقدسة. وأستطيع القول إن خشيتي من تمرد أدواتي الفنية على قدراتي كانت أحد الدوافع الأساسية قبل سنوات لإنتاج الجداريات الفلسطينية، كي تبقى صورة الوطن والشعب والأرض حية أمام أعين الأجيال المقبلة وأمام ضمائر الناس في كل مكان.
كنت وما زلت أريد الصدق بالتعبير عما عشته وأعيشه من أحداث أليمة تعرض لها شعبنا الفلسطيني تحت الاحتلال وفي الشتات. فشدة الظلم وقهر النفوس يجعلانني أصرخ بأعلى صوتي وبكل شجاعة في مواجهة هذا الظلم والبؤس للإنسان والمعاصرة، ولأن قلبي مملوء بحب الإنسان وكره أعداء الإنسانية والمغتصبين للحقوق الشرعية، فأنا لست مضطرة إلى تقليد المدارس الحديثة المستوردة، ولا أنقل واقعاً خارجاً عن واقعي».
1- أماني البابا
32 ربيعاً مرّ من عمر الفنانة التشكيلية الفلسطينية أماني البابا قضت أكثر من نصفها في إبداع خطته بريشتها لترسم قضيتها بكل الأبعاد والمفاهيم، ولتحول المخزون الثقافي إلى فكرة ملوّنة تطرح من خلالها الهمّ الفلسطيني عموماً وتترك مهمة الحديث الشجي المندفع للأشكال والظلال وللزوايا الداكنة تارة ولألوان الفرح والأمل بالعودة تارة أخرى.
ولدت الفنانة أماني البابا في العاصمة الأردنية عمّان في عام 1980 (تخرجت من كلية الأدب الفرنسي) في صنعاء، وهي تقيم معارض فنيّة منذ أكثر من 13 سنة.
فنها:
يتفاوت النص اللوني والشكلي في لوحة الفنانة أماني البابا بين الإنسان الفلسطيني ويومياته حلوها ومرّها والقضية الفلسطينية بمفهومها العريض ليستحيل في نهاية المطاف نصاً بلا كلمات مكتوبة وصرخات غير مسموعة إلا في قلب من يعيش هذه القضية إنساناً وأرضاً يعيشان تحت وطأة الاحتلال والاغتراب. كذلك تختزل لوحات الفنانة أماني عناوين كبيرة أهمها اللجوء والعودة ليتحول الفن إلى محرض أساسي في إدارة الصراع وحسمه لأصحاب الحق في الأرض والشجر والبحر والسماء.
تقول عن فنها: «موضوعي الأول والأخير هو قضيتي الأولى كلاجئة فلسطينية، وموضوع الهجرة والاغتراب، إلى غيره من الموضوعات المتصلة بالقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى صلة المواطن بالأرض ومعالجات مختلفة من خلال اللوحات والتخيلات للقضية وإفرازاتها وما نتج منها وما ينتج حالياً بصورة يومية». 
الفن الساخر (الكاريكاتير)
الرسم الكاريكاتيري من أرقى الفنون التشكيلية وأصعبها، بعد أن أوكلت إليه مدرسة (السهل الممتنع) مهمة إثارة الجدل من طريق إيصال الفكرة والحدث بطريقة مبسطة، فاحتل هذا الفن الساخر مساحة هامة ومكانة يستحقها لقدرته على اختزال كمّ هائل من المشاعر والمواقف في مشهد واحد يعتمد التكثيف البصري والمعالجة الغرافيكية لاستنفار مخيلة القارئ وإشراكه في اللعبة.
ولأن فنّ الكاريكاتير يقترن في معظم الأحوال بالسياسة والقضايا الكبرى في الوطن العربي، فإن ذلك الاقتران يضيف بُعداً جديداً إلى رسالته، يكون الثمن أحياناً باهظاً يصل إلى التضحية بالحياة في سبيل هذا الموقف مثل الشهيد الفلسطيني الفنان «ناجي العلي» الذي دفع حياته ثمناً لدفاعه عن القضية الفلسطينية.
أمية جحا (زوجة الشهيدين)
الفنانة أمية جحا هي أول رسامة كاريكاتير في فلسطين والعالم العربي. وقد أنتجت مئات اللوحات الكاريكاتيرية عبر مسيرتها المهنية والفنية، معبّرة في كل الأوقات عن الحدث الفلسطيني وطريقة تعاطي العرب والغرب على حد سواء مع القضية الفلسطينية.
ونقلت أمية جحا الفن الكاريكاتيري إلى خط المواجهة استمراراً لما بدأه غيرها من رسامي الكاريكاتير الفلسطينيين. وحوّلت بفنها الجريء وكلمتها الصورية يوميات الحدث الفلسطيني إلى مشهد متحرك وناطق في آن واحد. وقد أكسبها التنوع الموضوعي للوحتها شمولية للقضية الفلسطينية الممثلة بالرسم الكاريكاتيري. فلا يمكن أن تتخيل موضوعات القضية الفلسطينية وإرهاصاتها إلا وكان للوحة الفنانة أمية حضور فيها زماناً ومكاناً.
ولدت في مدينة غزة عام 1972 وتخرجت في قسم الرياضيات بجامعة الأزهر عام 1995 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى على الجامعة، وهي عضو في جمعية ناجي العلي للفنون التشكيلية في فلسطين.
كانت متزوجة برامي سعد (27 عاماً)، الذي كان القائد الميداني في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وقد استشهد في اليوم الأول من مايو/ أيار عام 2003.
تزوجت لاحقاً بوائل عقيلان الذي توفي في 3 مايو2009 بسبب عدم قدرته على مغادرة قطاع غزة للعلاج بعد أن أُصيب بانفجار في المعدة أثناء الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة.
فازت بالجائزة الكبرى في مسابقة ناجي العلي الدولية للكاريكاتير التي تنظمها جمعية التضامن مع الشعب الفلسطيني في تركيا بالتعاون مع مجموعة «هومور» للفكاهة والكاريكاتير في 28 نوفمبر 2010 .
فازت بجائزة الصحافة العربية 2001 في الإمارات العربية المتحدة.
فازت بالمرتبة الأولى على محافظات فلسطين بالكاريكاتير في مسابقة الإبداع النسوي التي أقامتها وزارة الثقافة الفلسطينية في آذار/ مارس 1999.
يشار إلى أن أمية جحا تعمل مع صحيفة فلسطينية، ولها زاوية كاريكاتير في الصحيفة. وهي أيضاً رئيسة مجلس إدارة شركة «جحاتون». وهي صاحبة فيلم «حكاية مفتاح»، أول فيلم كارتوني يتحدث عن نكبة فلسطين، وتتناول أحداثه قرية المحرقة، وهي إحدى القرى الفلسطينية التي هُجِّر منها أهل أمية عام 1948؛ إذ يجسد مفتاح العودة دور البطولة في الفيلم من خلال عودته بذاكرته لعام 1948 ليروي ما كان عليه شاهد عيان لتفاصيل كيفية بدء النكبة الفلسطينية وانتهاءً بما آل إليه حال الفلسطينيين حتى يومنا هذا.
الأدب 
جاوزت المرأة الفلسطينية على المستوى الأدبي مثيلاتها في العالم العربي. وطرقت المرأة الفلسطينية أنواع الأدب جميعها من الشعر والرواية والقصة إلى المقالة الأدبية، وكانت لها بصمتها الواضحة في تاريخ الأدب الفلسطيني المعاصر.
الشعر 
فدوى طوقان
كثيرة هي الأسماء التي أطلقت على الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، منها: «زيتونة فلسطين» و»أميرة المطر» و»شاعرة الحرية والتحرير». وربما كل هذه الأسماء أو الألقاب لم تف الشاعرة حقها ولم تعطها الدراسات العربية ما أعطته الأجنبية منها. ولأنها أخت الشاعر إبراهيم طوقان وربيبته في الأدب واللغة والاتجاه والالتزام، أصبحت شهرتها كما يقول بعضهم من شعر أخيها.
وهذه الشاعرة التي كان لها موطئ قدم في ديوان الشعر العربي والفلسطيني المعاصرين امتلكت اللغة وأدواتها وصنعت منها قصائد للوطن وخاطت من معاناة شعبها ثوب البطولة وحلم العودة شعراً وصورة وحضاً على النضال.
ولدت فدوى طوقان في نابلس عام 1917 لأسرة عريقة وغنية ذات نفوذ اقتصادي وسياسي عدّت مشاركة المرأة في الحياة العامة أمراً غير مستحبّ، فلم تستطع شاعرتنا إكمال دراستها، واضطرت إلى الاعتماد على نفسها في تثقيف ذاتها. وقد مثّلت علاقتها بشقيقها الشاعر إبراهيم علامة فارقة في حياتها؛ إذ تمكن من دفع شقيقته إلى فضاء الشعر، فاستطاعت - وإن لم تخرج إلى الحياة العامة - أن تشارك فيها بنشر قصائدها في الصحف المصرية والعراقية واللبنانية، وهو ما لفت إليها الأنظار في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي ومطلع الأربعينيات.
موت شقيقها إبراهيم ثم والدها ثم نكبة 1948، جعلتها تشارك من بعيد في خضم الحياة السياسية في الخمسينيات، وقد استهوتها الأفكار الليبرالية والتحررية كتعبير عن رفض استحقاقات نكبة 1948.
كانت النقلة المهمة في حياة فدوى هي رحلتها إلى لندن في بداية الستينيات من القرن الماضي، التي دامت سنتين، فقد فتحت أمامها آفاقًا معرفية وجمالية وإنسانية، وجعلتها على تماسٍ مع منجزات الحضارة الأوروبيّة.
وبعد نكسة 1967 خرجت الشاعرة لخوض الحياة اليومية الصاخبة بتفاصيلها، فشاركت في الحياة العامة لأهالي مدينة نابلس تحت الاحتلال، لتبدأ بعدة مساجلات شعرية وصحافية مع المحتل وثقافته.
فدوى طوقان من الشاعرات العربيات القلائل اللواتي خرجن من الأساليب الكلاسيكية للقصيدة العربية القديمة خروجاً سهلاً غير مفتعل، وحافظت فدوى في ذلك على الوزن الموسيقي القديم والإيقاع الداخلي الحديث. ويتميز شعر فدوى طوقان بالمتانة اللغوية والسبك الجيّد، مع ميل إلى السردية والمباشرة. كذلك يتميز بالغنائية وبطاقة عاطفية مذهلة، تختلط فيه الشكوى بالمرارة والتفجع وغياب الآخرين.
مؤلفاتها:
على مدى 50 عاماً، أصدرت الشاعرة ثمانية دواوين شعرية، هي على التوالي: (وحدي مع الأيام) الذي صدر عام 1952، (وجدتها)، (أعطنا حباً)، (أمام الباب المغلق)، (الليل والفرسان)، (على قمة الدنيا وحيداً)، (تموز والشيء الآخر) و(اللحن الأخير) الصادر عام 2000، فضلاً عن كتابَي سيرتها الذاتية (رحلة صعبة، رحلة جبلية) و(الرحلة الأصعب). وقد حصلت على جوائز دولية وعربية وفلسطينية عديدة وحازت تكريم العديد من المحافل الثقافية في بلدان وأقطار متعددة.
ولا يفوتنا في هذا المقام أن نتذكر أن فدوى طوقان ليست شاعرة فحسب، بل روائية من الطراز الرفيع وروايتها (رحلة صعبة، رحلة جبلية) مثّلت نقطة فارقة في حياة فدوى طوقان الشاعرة التي كتبت الرواية فأجادتها.
القصة والرواية والترجمة
سميرة عزام:
جسّدت القاصّة سميرة عزام إلى جانب القاصّ الشهيد غسان كنفاني القصة الواقعية بأبهى صورها وبأدق تفاصيلها، حتى حدا بعضهم إلى القول إن هذا الثنائي شكل ما يعرف بقصة المنفى الفلسطيني. إلا أن القاصّة سميرة عزّام التي تناساها أو نسيها كثيرون لسبب أو لآخر تبقى أهم القاصّات العربيات في تاريخنا المعاصر.
سميرة عزام من مواليد مدينة عكا الساحلية الفلسطينية سنة 1924، وتوفيت في عام 1967 وقد أبّنها الشهيد غسان كنفاني قائلاً: «يا سميرة يا أختي ورفيقتي في المنفى والطموح والإنسان، لقد تعبت لكنك وصلت، وهذا هو سور عكا الثقيل يشهد، ومسجد الجزار يشهد، فهل يكفي أن نكرمك بوعود فها نحن نعدك».
تقول عنها  سلمى الخضراء الجيوسي:
«كانت تجربتها الأدبية مستمدّة من نظرة واقعية للحياة، ولكنها نظرة تحكمها الضوابط الأدبية، وقد أجادت في تصوير العديد من مناحي التجربة الإنسانية، ومنها تجارب المرأة المتنوعة في الثقافة العربية. وتميّز أسلوبها بالدّقة والإيجاز والوضوح والبعد عن العاطفية المفرطة والاستعراض والابتذال. وتنبثق قصصها من الملاحظة الحذقة للسلوك الإنساني، خاصةً في المناحي الشمولية، وأحياناً، ولكن بقدر أكبر من البراعة، في تلك المناحي ذات الصبغة الفلسطينية. وكانت بارعة في تعليل ما يصيب أبطالها من تغير لا مناص منه – وهو ما تتميّز به القصة القصيرة الجيّدة. فقصّتها (دموع للبيع) مثلاً تعرض معالجةً رائعة لموضوع إنساني عام ضمن إطار الشرق الأوسط. تصف في هذه القصة ردّ الفعل المتناقض الذي تبديه امرأة تمتهن النواح على الموتي، وتقتضي مهنتها أن تبكي في المآتم وتستدرّ دموع الآخرين، ولكنها تخيّب كل التّوقعات عندما لا تستطيع أن تذرف دمعة واحدة لدى موت ابنتها الوحيدة. والقصة التي تضمها هذه المجموعة بعنوان (خبز الفداء) هي إحدى القصص التي كتبتها عن التجربة الفلسطينية، وهي ـ على شاكلة العديد من قصصها الأخرى ـ تعبّر عن المفارقة الكامنة في المآزق الإنسانية المعقّدة إبان الاضطرابات العنيفة.
خلفت سميرة عزام خمس مجموعات قصصية، وأكثر من اثني عشر كتاباً مترجماً من الإنكليزية إلى العربية، فضلاً عن دراسات أدبية ونقدية نشرتها في مجلة «الأسبوع العربي» البيروتية.‏
أما مجموعاتها القصصية فهي: أشياء صغيرة، والظل الكبير، وقصص أخرى، والساعة والإنسان، والعيد من النافذة الغربية، وأصداء التي صدرت بعد رحيلها بسنوات طويلة عن مكتبة بيسان في بيروت.
هدى حنا :
خرجت هدى من فلسطين عام 1948 من طريق جنوب لبنان، لتدخل سورية بورقة. حملت من فلسطين أفكارها وكيساً وضعت فيه أشياءها الخاصة. تقول: لا أذكر إن كان معي هوية أو جواز سفر، حملت شهادتَي دار المعلمات والحقوق التي حصلت عليها بالمراسلة، لأنني رفضت السفر إلى لندن لدراسة الحقوق. كنت أريد البقاء في فلسطين والتعليم فيها، وقبل الخروج كنت قد أنهيت الدراسة بدرجة امتياز. وصلنا إلى بلدة حينة «قرية أمي» على سفح جبل الشيخ، ومعي ثلاثة أولاد: ابنتان وصبي، ظلوا في رعايتي من 1948 إلى 1956 حتى جاء أهلهم. وعندما وصل أبي تواصلنا مع مدارس قطنا لنبدأ العمل في مدرسة للروم الأرثوذكس، لأنتقل إلى دمشق وأعلّم في مدرسة كنيسة الصليب الخاصة، ثم مدرسة «العايدة» الثانوية. قبل أن أسافر إلى بغداد بعد أن فتحت السفارة العراقية أبوابها للفلسطينيين المعلمين للتعليم فيها.
وتعترف هدى بعفوية كتاباتها، وعدم رجوعها إلى المراجع في ما كتبت من رصد للمجازر التي ارتكبها الصهاينة. لقد سجلت ما رأته وما سمعته من اللاجئين، كتبت «صوت الملاجئ» باكورة أعمالها على الورق منذ لحظة خروجها من فلسطين، لتطبعه بعد عودتها من العراق عام 1951. لم تفكر في أن تكون كاتبة بقدر ما كانت تطمح إلى حضور سياسي. عن تجربتها في الكتابة تقول حنا: كتبت ما أعرفه، وحدث أمامي في فلسطين وسمعت عنه وأنا في فلسطين. في ما بعد بدأت أزور المخيمات الفلسطينية بنحو دائم لآخذ الكلام منهم وأدوّن ما حصل معهم. كل ما سمعته كتبته على ورق يئن ويتوجع، جمعت الأوراق وضمّنتها في كتاب سمّيته «صوت الملاجئ»، أي صوت الناس الذين خرجوا وأصبحوا لاجئين، وما عرفته من أخي نقولا الذي انضم إلى جيش الإنقاذ الموجود قرب الرامة، وأيضاً مما حدثني به أخي جورج الذي شارك في معركتين لجيش الإنقاذ «جدين والبروة قرب عكا» وكيف أن اليهود قاموا بجمع الأهالي واختاروا الشباب لإطلاق النار عليهم.
جهاد الرجبي :
هذه المرَّة نجد أنفسنا أمام قلمٍ متميز بغزارة العطاء ونوعية الرسالة التي يقدمها.. إنها الأديبة والقاصّة الفلسطينية جهاد الرجبي والتي قرأتُ لها –وما زلت- كثيرا من إبداعها المقدسي المتشح بالثورة والإباء .
لقد سبق لي أن وقفت سريعا أمام لغتها الأدبية وصورها الفنية ، وإذا كانت قصص اليوم ستجعل القارئ أمام حالة من الاندهاش القصصي والجميل في آن واحد ، أرى أن أستعير شيئا ممكا كتبته في مكان آخر عن هذا المداد الذي يفيضُ بجرح الأمة وآلامها ، وزغاريد نشوتها وانتصاراتها . ..
جهاد الرجبي من مدينة الخليل في فلسطن وتقيم حاليا في المملكة العربية السعودية ، ولدت في  كانون أول 1968م ، وحاصلة على شهادة بكالوريوس زراعة عام 1992م.
من إصداراتها الإبداعية مجموعة قصصية بعنوان لمن نحمل الرصاص عام 1993 وقد تمت ترجمة هذه المجموعة إلى اللغة التركية ، واليقين . أما أهم أعمالها الروائية فهي:
لن أموت سُدى ورحيل والصحراء .
نُشر لها العديد من القصص وسيناريوهات الأطفال والمقالات في الصحف والمجلات العربية.
ولها أكثر من سيناريو فيلم وثائقي مثل : ( أطفال الانتفاضة ) ، (شباب الحق ).
حصلت على العديد من الجوائز ومن أهمها :
الجائزة الأولى عن قصة (صوب الوطن ) في المسابقة التي نظمتها مؤسسة الأرض المقدسة في الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2000 ، والجائزة الأولى عن رواية (لن أموت سُدى ) في المسابقة التي نظمتها رابطة الأدب الإسلامي العالمية لعام 1993.
كما حازت على جائزة القصة القصيرة عن قصة (البحار تسأم لونها ).
وجائزة القصة البيئية والتي نظمتها الجمعية الأردنية لمكافحة تلوث البيئة عن قصة محاكمة في الغابة.
وكذلك الجائزة الأولى عن مقالة ( القدس وانتفاضة الأقصى ) في مسابقة يوم القدس العالمي في الأردن لعام 2001.
أخيراً وليس آخراً، إن ما أنتجته المرأة الفلسطينية على مدار العقود السبعة الأخيرة لم يشمل الفن والأدب فحسب، فالمرأة الفلسطينية كتبت في السياسة كالكاتبة بيان نويهض الحوت، وكتبت في الاقتصاد وعلم الاجتماع وكل العلوم. ولا يتسع المقام هنا لذكر كل المناضلات الفلسطينيات جميعهن... المناضلات بالرصاص والبندقية والمناضلات بالريشة والقلم  ♦