مجلة العودة

ثقافة العودة: مبادرة فردية لصالح والعلي في الفن التشكيلي

التشكيليان: سليمان العلي وفتحي صالح
مبادرات فردية في استكشاف المواهب الواعدة ورسم درب العودة
 

ملف من إعداد: وسام الباش/ دمشق

سليمان العلي: أهمل الطفل الفلسطيني فنياً ويمكن إدراك ذلك من خلال رسومه

فتحي صالح: هذا الجيل بدأ يهتم أكثر بالثقافة التشكيلية وهناك وعي لم ينضج

ثقافة الفن لدى الأجيال

يقول الفنان سليمان العلي إن ثقافة الطفل تتعزز من خلال مجموعة عوامل، أولها البيئة المحيطة والدور الذي يؤديه كل من السن والذكاء. إلا أن ثمة عوامل أخرى أساسية يمكنها إدخال فوارق هامة بحيث تزيّف كل معيار آخر للحكم على مستوى الطفل، فإننا نلاحظ في أعمال الأطفال المتمرنين فترة طويلة أكثر نضجاً في التعبير ويغيب كلياً عن غيرهم من الأطفال الذين لا يرسمون إلا نادراً أو من طريق المصادفة.

وفي كثير من الأحيان يرتبط النقص في التحريض وممارسة الرسم بالوسط الاجتماعي والثقافي، وإن النقص في التمرين والهدوء والمواد اللازمة للرسم والتلوين كلها تحدّ من النمو الطبيعي لموهبة الطفل ليضاف إلى كل ما ذكر إن الثقافة السائدة بالأسرة أولاً ومن ثم المجتمع المحيط، سواء بالمدرسة أو الأقران تؤدي إلى حالة من المرجعية تكاد تطفو على السطح عند تقييم ثقافة الطفل، وللتخفيف من سطوة هذه العوامل على نمو الطفل وإدراكه، ينبغي التوجه إلى توعيته جمالياً من خلال إحساسه باللون وقدرته على الابتكار من دون إقحام أفكار أكبر من إدراكه، حتى نصل إلى التعبير الذي يتماشى والحالة العمرية في إدراك ما حوله والتعبير عنه بطلاقة دون خوف من الفشل. فحين يرسم الأطفال أو يلونون بحرية إنما يعبرون عن حالاتهم النفسية وأحاسيسهم الآنية كما يعبرون عن عواطفهم الأكثر أصالة.

وقد أهمل الطفل الفلسطيني فنياً لأسباب عدة، أولها الظروف المعيشية وتجلياتها من فقر وبؤس وحروب وشتات وهجرة، ويمكن إدراك ذلك من خلال ما يعبر به الطفل في رسومه. فحين يرسم فإنه يكشف عن العديد من سمات شخصيته. ولكن لا يكشف عن ذلك لإرضائنا والتعريف عن حالته النفسية التي هي مركز اهتمامه حين يرسم، بل لكي يعبر بالرسم عما يطبق من أحداث عاشها. لذا، نجد العناصر والألوان تدل على ما يفكر به من حلم وحزن وفرح وشرح باللون والخط والعناصر المرسومة عن واقعه.

أما كيف نستدرك هذا الإهمال، فاقتناعنا بأهمية رسم الطفل والدور المهم الذي يقوم به الفن بصقل شخصيته وتربيته جمالياً ومعرفياً إضافة إلى دور المؤسسات القادرة على تقويم ما يمكن تقديمه لردم الفجوة النفسية والاجتماعية الحاصلة من عدم الاهتمام بالطفل خلال عقود سابقة، والتي تتمحور حول إيجاد برامج توعية بأهمية فن الطفل، إضافة إلى العمل على توفير مستلزمات تقنية وإقامة ورشات عمل للأطفال وتبادل خبراتهم وتجاربهم.

ويقول الفنان فتحي صالح إن الفن بالدرجة الأولى حامل يوثّق للتاريخ الفلسطيني من تراث وإبداع وكل التفاصيل الفلسطينية، سواء كان العمل مباشرا أو غير مباشر. ويقدم الفن أيضاً لبنة حضارية في التاريخ الحضاري الطويل العربي والفلسطيني والإنساني، وهذه اللبنة هي نقطة هامة وحساسة في إبراز الشخصية الفلسطينية. فالفنان الفلسطيني والمبدع الفلسطيني عندما يضع أثره الفني فهو يضع لبنة في هذا المكون الذي يميز الشخصية الفلسطينية، وبالتالي إثبات الهوية، هويتنا الحضارية والتاريخية، وبالنتيجة إثبات الحق الفلسطيني في وجوده على أرضه.

للفن التشكيلي خصوصية في هذا المجال، فقد يكون مختلفاً عن الأدب والموسيقى والقضايا الفنية الأخرى. قد يكون هناك تواصل حقيقي بين الأدب والشعر وبين الإنسان الفلسطيني، وإن تفاوتت هذه المسألة من شخص إلى آخر، لكن في الفن التشكيلي هناك ما يسمى النوعية. فالفن التشكيلي لا ينتشر على نحو دقيق وحساس ضمن هذا الجيل وضمن الثقافة الفلسطينية عموماً وينتشر الأدب ضمن خصوصية تتعلق بالاهتمام مع الملاحظة أن هذا الجيل بدأ يهتم أكثر فأكثر بالثقافة التشكيلية، وخاصة ضمن المراحل التعليمية. وهناك نوع من الوعي وإن لم ينضج نضجاً كافياً. لأسباب تتعلق بالمجتمع وعدم الاهتمام بالفن العربي منذ عصور. والفن اليوم يتجه باتجاه النخبة أكثر من الاتجاه العام، ومع ذلك هناك ثقافة فنية يمكن أن نستثنيها هي ثقافة الفن البصري أو الملصق أو الإعلان، وحتى الكاريكاتير أخذ يؤدي دوراً شبيهاً بهذا المنحى، لأنه فن يتعامل مباشرة مع الناس والجماهير.

بالنسبة إلى الطفل الفلسطيني فقد كان الاهتمام بإبداعاته الفنية يتوقف حتى سن معيّنة، وبالتالي فإن الفن مجرد هواية لمرحلة عمرية معينة. وكثيراً ما نلاحظ أن عدداً من الأطفال المبدعين يتوقفون عن الرسم بعد دخولهم للمرحلة الإعدادية، وبهذا يتم القضاء على عشرات المواهب، ويصبح الرسم أو اللوحات التي رسمها هؤلاء الأطفال مجرد ذكرى لا أكثر.

إن النهوض بالفن لدى الأطفال يتوقف على تثقيف الطفل بالدور الذي يمكن أن يؤديه الفن في مسيرتنا الحضارية والتاريخية وتحريض الطفل دائماً على أن يبدع فناً يراه العالم أجمع، كمشاركة الأطفال في مسابقات عالمية، أو معارض إقليمية ودولية. وبالتالي فعندما يرى الطفل أن كثيراً من الناس تعرفوا إلى إبداعه لن يتوقف عند مرحلة ما، بل سيتابع هذه المسيرة التي بدأها طفلاً يرسم ببساطة، ولكن بإحساس عالي.

خصوصية وشمولية

يقول الفنان سليمان العلي: الفن الفلسطيني والفن الذي رسم تعبيراً عن القضية الفلسطينية أدى دوراً مهماً في إيصال صوت من الأصوات التي رفعت من أجل الاعتراف بشرعية نضالنا الفلسطيني عبر مراحل القضية الفلسطينية ومنذ عشرينيات القرن الماضي، عندما كان الفن تطبيقياً ويمارس من أجل الارتزاق والعيش، مروراً بمرحلة اللجوء الذي عبّر عنها الفنان إسماعيل شموط، ومن بعدها المرحلة التي رافقت بداية الثورة الفلسطينية المسلحة إلى يومنا هذا، تمثلت هذه المراحل مجتمعة حول فكرة واحدة لكن بأساليب مختلفة وهي التعريف بالقضية الفلسطينية وإظهار أحقيتها بالوجود.

أما الفنان فتحي صالح فيعتقد أن ليست هناك مدرسة فنية فلسطينية بمعناها الكبير، بل هناك ملامح للوحة الفلسطينية هي ملامح خاصة. طبعاً، أتت هذه الملامح من خصوصية القضية الفلسطينية التي عبر عنها الفنان الفلسطيني من خلال استخدام الرموز المتماهية مع القضية الفلسطينية، مثلا الكوفية الفلسطينية.. الحمامة.. المفتاح.. هذه الرموز أعطت خصوصية للفن الفلسطيني، ومن هنا تأتي هذه الخصوصية.

المؤسسات أهمالت الفن التشكيلي

يقول الفنان فتحي صالح إن المؤسسات الفلسطينية ساهمت كثيراً في تغيير ملامح الإبداع الفلسطيني من خلال: أولاً، تسييس أو تجيير الفن والفنانين إلى مصالح تخدمها بشكل أساسي. وثانياً، ساهم الإعلام الفلسطيني وخاصة في بدايات الثورة الفلسطينية في تكريس وإبراز أسماء على حساب أخرى لا تقل عنها إبداعاً. ولذلك تجد الفنان الفلسطيني غير المنتمي إلى إحدى المؤسسات أو التنظيمات الفلسطينية مغفلاً أو لا مكان له في الإعلام الفلسطيني أو حتى العالمي. وهنا أسأل سؤالاً قد يزعج كثيرين: لماذا اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطيني هزيل وضعيف؟ نتيجة أنه لا يتلقى أي دعم من المؤسسات الفلسطينية المعروفة في الساحة.

أما وجهة نظر الفنان سليمان العلي فترتكز على الدور المنوط بالمؤسسات الفلسطينية لرعاية الفن الفلسطيني، فهو دور مهم من حيث الاهتمام الإعلامي لنشر ما يُنجز من أعمال فنية أو مقالات نقدية أو كتابة تاريخ الفن الفلسطيني أينما وُجد، فهذا الحراك الإعلامي يضاف إلى النشاط العملي للفنانين ويتوازى مع الأنشطة الإبداعية الأخرى التي تؤسس لمفهوم شامل للوعي الفلسطيني. وهناك جانب آخر من الدعم هو الدعم المادي الذي يمثّل عاملاً مهماً للحالة الإبداعية للفنان.

العودة في الفن التشكيلي

يقول الفنان سليمان العلي إن ملمح العودة لم يأخذ في اللوحة الفلسطينية خصوصية كبعد فني خاص، بل كل ما رسم في اللوحة الفلسطينية هو دلالة على تحقيق العودة. فالتحرير من أجل العودة ورسم الانتفاضة من أجل العودة وكل هدف في اللوحة هو تعبير عن هاجس العودة الذي يراود كل فلسطيني وكل مبدع أينما كان. فكل ما يرسم هو من أجل العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. فتحت هذا الشعار والهدف يبدع الفنان الفلسطيني.

ويقول الفنان فتحي صالح إن العودة حق لا يمكن التنازل عنه، وبناءً على هذا فإن صوغ هذا الحق من خلال الفن التشكيلي مرتبط عموماً بثقافة الإنسان الفلسطيني. فالفن هو انعكاس لهذه الثقافة، فكلما قويت ثقافة العودة لدى أبناء الشعب الفلسطيني قويت إمكانية التعبير عن هذه الثقافة، وبالتالي هذه الصياغة تأتي من خلال إطارين: الإطار الأول يأتي من خلال الاجتهاد الفني للفنان التشكيلي وتجربته الخاصة ورؤيته الإبداعية. والإطار الثاني يأتي من خلال الإطار التكتيكي للجماعة، بمعنى أن يكون هناك مشروع جماعي يدعم أي فكرة فنية، وبالتالي وضع صيغة وتكثيف الرسم للتعبير عن هذا الحق. طبعاً كلما حضر الفن الفلسطيني في المحافل الشعبية العربية والدولية، أثّر هذا إيجاباً باتجاه تحقيق حق العودة وبلورته. وبالنتيجة فإن هذا الحق – حق العودة- سيتحقق وسيأخذ دوره لأنه حق عادل وشرعي.