مجلة العودة

مقابلة ثقافية: أدب الطفل الفلسطيني في تجربتين شعريتين - وسام حسن

أدب الطفل الفلسطيني في تجربتين شعريتين
 
 

وسام حسن/ دمشق

الهواري: أدب الأطفال المؤثر يساهم في صناعة جيل العودة والانتصار

حامد: كلمة عائدون هي الكلمة المزروعة في وجدان كل طفل فلسطيني

الحديث عن أدب الطفل الفلسطيني يأخذنا بعيداً حيث تُعجَن آلام التشرد مع الحنين والغضب ليُصنع جيلٌ ما نسي يوماً أن فلسطين أرضه وأن ترابها ترابه وأن هذا الشعب الذي تفرّق رغماً عنه في أصقاع الأرض هو شعبه.

وبين الخوف من اضمحلال هذا الأدب بفقدان عدد من رموزه وكتّابه وبين الأمل بصناعة جيل فلسطيني قادر على حمل أعباء العودة التي تستلزم نضالاً ومقاومة وأدباً فاعلاً، جاءت مجلة «العودة» لتفتح هذا الملف، وكانت هذه الحوارات مع شاعرين من رموز الأدب الفلسطيني في الشتات، هما صالح هواري ومحمود حامد.

الشاعر صالح هواري:

«العـودة»: كيف ترى مسيرة أدب الطفل الفلسطيني؟

لا يزال أدباء فلسطين مقصِّرين في أدب الطفل الفلسطيني، رغم أن الطفل الفلسطيني هو الذي يستحق بجدارة أن نكتب له، لما له من فعالية في الساحة الأدبية والحياتية والعالمية. وأعتقد أن أهم أسباب هذا التقصير يتمثل في تهيب الكاتب من دخول هذا المجال، لأنه إن لم يكن متسلحاً بالأدوات الإبداعية التي تؤهله للتأثير فإنه لا يستطيع أن يوفر النص الرائع الذي يستحقه الطفل، ولذلك أرى أنَّ كُتاب أدب الأطفال يتعاملون مع اللغة الشعرية أو النثرية التي تفوق مقدرات الطفل، وأطالب هؤلاء الكتاب أن يسبروا غور الطفل جيداً، وأن يقدموا له ما يفهمه هو، لا من طريق المباشرة ولكن من طريق المعالجة الفنية التي يسعى الكاتب إلى توفيرها لتكون شائقة وقريبة من متناول فهم الطفل.

«العـودة»: أيٌ من الفنون الأدبية التي ذكرتها أقرب إلى الطفل؟

القصة القصيرة والقصيدة، ولكن القصيدة المبنية على الأوزان القصيرة التي تخفق بالحركة والتي تموج بأضواء الطفل التي يحبها. فالقصة لها دور في تنمية مدركات الطفل، كما للقصيدة، وهنالك كتّاب كبار كتبوا للأطفال لا تُنسى قصائدهم. إلا أن هناك عدداً قليلاً جداً من كُتاب أدب الأطفال أثّروا في الطفل، وقصيدة الطفل يجب أن يغنيها الطفل نفسه، وأن تؤسس فرقة من الأطفال تجسد كلمات الأغاني وتصور على الشاشة لأنها تقرّبها إلى الطفل أكثر فأكثر. أما أن تبقى في بطون الدواوين فلن يحصل الطفل على ثمراتها. وهناك مشكلة في المضامين، فالكتب التي تطبعها وزارة الثقافة موضوعاتها متكررة، تتحدث عن المعلم وعن الأم وعن الشجرة، إلخ. وقد اطلعت على أدب الأطفال العالمي، فذهلت لأنهم يكتبون بطريقة لا نكتب بها نحن، فنحن نباشر بالكتابة وهم يكتبون النص بطريقة فنية مميزة ومتفردة، وكنت أتمنى أن أكون أنا كاتب هذا النص الأجنبي عندما كنت أقرأ تلك النصوص.

«العـودة»: كيف يمكن أن نصنع جيلاً جديداً يُحيي أدب الطفل الفلسطيني ويغنيه؟

إن هذا الجيل لا يمكن أن نصنعه لأنه يولد ومعه هذه الموهبة، لأن قصيدة الطفل لا تكتسب اكتساباً فلا يمكن أن نُعدّ دورة في كتابة قصيدة الطفل. فكاتب الأطفال يلد ومعه بذور هذه الموهبة، وأنا أتأمل بتفاؤل أنه سيأتي جيل يكتب للأطفال أجمل وأحسن مما كتبنا.

إن أدب الأطفال يساهم في صناعة جيل العودة والانتصار والحرية، لأن هذا الجيل يجب أن يهتم بجيلنا الفلسطيني منذ البدء، لأن أجيالنا الصغيرة في الشتات وفي الأرض المحتلة يتميزون عن كل أطفال العالم بكونهم يملكون عالماً ثريّاً وغنيّاً بالمعطيات التي تساعد كاتب الأطفال كي يستعين بها في توفير النص، ويجب علينا - نحن كتاب الأطفال- أن نهتم بالطفل الفلسطيني وإن قصّرنا فلتكن البداية من الآن.

«العـودة»: كيف نستطيع من خلال أدب الأطفال أن نرسم للأجيال عودتها وعزيمتها وتحديها لتحرير فلسطين؟

الطفل الفلسطيني هو كنزنا الوحيد الذي نستعين به في أيامنا السوداء، فلا يمكن أن يكون طفلاً مشاركاً في الحياة الفلسطينية المناضلة إلا إذا قدمنا له أدباً يضيء له الطريق. ستسألني كيف؟ مثلاً، علينا أن نؤسس دار نشر نسميها دار الطفل الفلسطيني، وأن نستعين بكتاب أطفال متخصصين ولهم دور فاعل في كتابة أدب الأطفال، وأن نقدم لهم القيم النضالية التي نسعى إليها في نصوص أدبية يستطيع أن يتفاعل معها الطفل، وتتجسد من خلالها القيمة النضالية التي نتوخاها له.

الشاعر محمود حامد:

«العـودة»: حدثنا عن تجربتك الأدبية مع الطفل الفلسطيني.

بدأت هذه التجربة عندما كان والدي يأخذني إلى المخيمات الفلسطينية، وكنت أرى الأطفال كيف يعيشون وكيف يصرون على ترديد وغناء كلمة (عائدون)، ومنذ تلك الأيام التي تعود إلى فترة الستينيات بدأت مسيرتي مع أدب الطفل، ولكن لم أكتبها بسبب انشغالات الدراسة والشباب، ومع بداية الثمانينيات أخذت أكتب للطفل الفلسطيني.

«العـودة»: ما دور أدب الطفل الفلسطيني في القضية؟

أعتقد أن أدب الطفل الفلسطيني أهم من أدب الكبار، لأن الطفل الفلسطيني هو الطفل القادم إلى المستقبل، بأن تُوجهه وتَبنيه بناءً وطنياً وقوميّاً، ولدى الطفولة الفلسطينية هذه الميزة التي لم أرها في أي تجربة طفولية أخرى في العالم، لأن الأطفال الفلسطينيين ينبتون على حب الوطن بطريقة في منتهى الأهمية، فهم يرضعون حليب الأم وحليب الوطن معاً، فأصبح الوطن حلمهم الوحيد تقريباً.

«العـودة»: يقول كثير من النقاد إن الكتابة للطفل هي من أصعب أنواع الكتابة لماذا برأيك؟

حتى تكتب للطفل يجب أن تكتب بلسانه، يعني أن تكتب منه وليس له. وقليل هم الذين اهتموا بشعر الأطفال لأنه فعلاً من أصعب أنواع الآداب إطلاقاً. فقد تكتب عشر مجموعات شعرية للكبار ولا تستطيع أن تكتب قصيدة واحدة للصغار، وحتى تكتب للصغار يجب أن تعيش عالمهم وأن تعرف ما يدور في خلدهم وخيال كل طفل منهم، لأن كل طفل له رؤية وله شخصيته، ومعنى ذلك أنه يجب أن تستخرج من أعماق الأطفال ما تكتب كما يستخرج الرحيق من الزهور. وحتى تكتب قصيدة الطفل تجمع آراء الأطفال وتسمع منهم ثم تبدأ بكتابة قصيدة للطفل، وكاتب أدب الأطفال يجب أن يكتب قصيدته بلسان الأطفال أنفسهم.

«العـودة»: هل يستطيع أدب الأطفال أن يصنع جيل العودة والتحرير؟

باعتقادي أن العودة مغروسة في قلوب الأطفال، وقد راهن العدو على أنها ستنسى مع مرور الأجيال وتعاقبها، ولكن هذا الرهان سقط سقوطاً كبيراً، في الأمس كان فارس عودة يقاوم ويقارع العدو، واليوم يقوم الأطفال الفلسطينيين في كل مكان ليقولوا نحن لم ننسَ فلسطين. وكلمة «عائدون» هي الكلمة المزروعة في وجدان كل طفل فلسطيني، ومعظم من كتب أدب الأطفال أو قصيدة الطفل كان مربياً وأستاذاً، فزرع في قصائده حب الوطن، وعلم الأطفال بكلمته وقصيدته كيف يكون الإصرار على العودة، وينفضون غبار الشتات واللجوء عن كاهل كل فلسطيني خارج وطنه.

«العـودة»: كيف يمكن الاستفادة من الموروث العربي والإسلامي في الكتابة للطفل الفلسطيني؟

لدينا من القصص والأبطال في الموروث الإسلامي ما لا يمكن إحصاؤه ويغني بدوره الساحة الأدبية العربية لفترة طويلة. وللأسف، قد يعرف الطفل عن تاريخ الأوروبيين أكثر مما يعرفه عن تاريخ العرب، وربما الحساسية من ذكر بعض الأشخاص أو الأبطال عند بعض الجهات هي التي حالت دون الكتابة عن التاريخ العربي والإسلامي بإنصاف. وقد بدأنا جدياً بالتفكير بالنهل من المصادر العربية والإسلامية للكتابة للطفل العربي، وتغذية ذاكرته وإنعاشها أو إسعافها بأبطال العرب والإسلام. وأنا كشاعر فلسطيني يبدو أن هم القضية الفلسطينية أخذني بعيداً عن النهل من التاريخ وتغافلت عنه. وفي آخر مؤتمر لاتحاد الكتاب العرب قررنا العمل على الاستفادة أكثر من أحداث وتاريخ العرب ونسترشد بما أرّخوه لنا.

«العـودة»: ما هو دور القصة الشعرية في إيصال الفكرة الناضجة للطفل؟

عموماً كل أنواع الأدب ما زالت قاصرة عن إيصال الفكرة الناضجة للطفل، والقصة الشعرية جزء من أنواع هذا الأدب، فللقصة مناخها وللشعر مناخه. والآن بدأنا نعود للقصة الشعرية للطفل، ولاحظت أن القصيدة هي أكثر ما يتقبله الطفل من أنواع الأدب وخصوصاً إذا غنيت هذه القصيدة.