مجلة العودة

جسر العودة: أشـواك «جـائزة نوبـل» - ياسر علي

أشـواك «جـائزة نوبـل»

ياسر علي

في تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، ينشغل العالم بإعلان نتائج جائزة نوبل، وينشغل تحديداً بالفائز بجائزة السلام، لكونها أساس الجوائز التي بدأها العالم الفيزيائي السويدي ألفرد نوبل «تكفيراً عن اقترافه اختراع الديناميت وما سببته من ويلات في العالم».
وقد تأثر موقف عدد من الكُتّاب والأدباء (ثاني أشهر جائزة من جوائز نوبل شعبيةً واهتماماً) بانحياز نوبل أكثر من مرة في الجائزة الأولى تحديداً. فرفضها عدد منهم،
ثم تراجع البعض. وكان ممن رفضها الفيلسوف الهندي رابنرانات طاغور، والأديب الروسي ليو تولستوي الذي عدّها جائزة مسيئة للأخلاق، والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، والفيلسوف الإيرلندي الساخر برنارد شو الذي رفضها قائلاً: «إن جائزة نوبل تشبه طوق النجاة الذي يُلقى لأحد الأشخاص بعد أن يكون قد وصل إلى الشاطئ»، وسخر من مؤسس الجائزة الذي جمع ثروته الكبيرة بسبب اختراعه للديناميت‏ حيث يقول‏: «إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت، ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل».

نعود لجائزة السلام.. في كل عام تسبب هذه الجائزة أزمة، وخصوصاً عندما يفوز بها سياسيون، أو منشقون سياسيون. وتنجو الجائزة من النقد عندما تفوز بها مؤسسات إنسانية.

على مستوى القضية الفلسطينية، كان واضحاً أن الفائزين بها هم أولئك الذين استطاعوا أن يجروا القضية الفلسطينية إلى مستويات أدنى أو حاولوا أن يلقوا بها في مهاوٍ لا قرار لها. ففاز بها الرئيس المصري الراحل أنور السادات بعد اتفاقية كامب ديفيد مناصفة مع الإرهابي مناحيم بيغين.

وهنا نسأل المشرفين على جائزة نوبل: إذا كان رئيس حكومة الاحتلال يستحق الجائزة على الاتفاقية، ألا يستحق بالمقابل الإعدام على تاريخه؟! فهو وصل إلى سدة الحكم بعد عقود طويلة من الإرهاب، ولو لم يصل إلى رئاسة الحكومة لما نال الجائزة. فهل تسأل الجائزة عن الحاضر دون أن تنظر إلى الماضي والمستقبل؟! فقد ارتكب مناحيم بيغن خطيئة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وأطلق يد وزيره الإرهابي في بيروت، ما أدى إلى وقوع ثلاثة آلاف قتيل مدني في مجزرة صبرا وشاتيلا.. وبقي محتفظاً بالجائزة!

أما إسحق رابين وشيمون بيريز، اللذان تقاسما الجائزة مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، فماضيهما سيئ ومستقبلهما أسوأ. ماضي رابين معروف بالتطهير العرقي والترانسفير الشهير في اللد عام 1948 ومحطم أذرع اطفال انتفاضة الحجارة.. ونهايته معروفة. أما بيريز فماضيه سيكون جريمة المستقبل الكبرى (السلاح النووي الإسرائيلي)، وبعد نوبل ارتكب مجزرة قانا الشهيرة في حرب «عناقيد الغضب» عام 1996.

«إسرائيل» كعادتها، بخلاف العرب، تتحدث عن السلام وهي تُعدُّ للحرب. وتتبنى مفاهيمها الخاصة التي تختلف عن المفاهيم العالمية للسلام. لذلك يريدون أن يقتنع العالم بأن قتلها للأطفال هو قتل لمشاريع إرهاب تهدد السلام، ومنع الحوامل من المرور على الحواجز هو منع لولادة مشروع إرهابي، وبذلك فإن للاحتلال وجهة نظر أبعد من جائزة نوبل للسلام. لذلك فإن «إسرائيل»، كما فرضت مفهومها بما يخص الهولوكوست، تريد أن تفرض على العالم، بما فيه لجنة نوبل، مفهومها للسلام والإرهاب، وأن تجرّ العالم إلى مربعها. لذلك نشهد أن أصعب مراحل حوارات التسوية، رغم تساهل المفاوض الفلسطيني وتفريطه، هي ما قبل البدايات، أي مرحلة الاتفاق على المفاهيم والمرجعية وتقريب وجهات النظر.

ومن جديد الإبداعات الإسرائيلية، أن يصبح ناشطو السلام الحائزون الجائزة عينها إرهابيين! فقد خسرت الناشطة الإيرلندية الحاصلة على جائزة نوبل ميريد ماغواير (66 سنة) طلب استئناف أمام المحكمة العليا الإسرائيلية كانت قد قدمته رفضاً لأمر بترحيلها، بعدما وصفت «إسرائيل» بأنها دولة عنصرية ضالعة في إبادة عرقية. فقد رفضت المحكمة الإسرائيلية العليا، أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، الاستئناف الذي رفعته ماغواير رفضاً لإبعادها من إسرائيل بعد مشاركتها في سفينة مساعدات من أجل غزة.

وصدرت مقالات في الكيان الصهيوني تتهمها بالإرهاب تقول «يجب ألا نخطئ، فالحائزة على جائزة نوبل (مشيراً إلى ميريد ماغواير) ليست ناشطة سلام».

نختم بالنكتة الذكية التي نشرها أخيراً نورمان فنكلشتاين: أن نتنياهو كاد يفوز بجائزة نوبل هذا العام، ولكن ليست جائزة السلام، بل الكيمياء! لأنه اكتشف ببراعة مادة تشبه الماء في تمددها أثناء عملية التجميد.. إنه الاستيطان!♦