مجلة العودة

حتى نعود: الثـَّـورة المصرية وفلسطـــين - صلاح عبد المقصود

الثـَّـورة المصرية وفلسطـــين

صلاح عبد المقصود/ المدير العام لمركز الإعلام العربي
القاهرة

التغيير, والحرية, والعدالة الاجتماعية, وما يتبع ذلك من مقاومة الفساد وتعقب المفسدين، تلك المطالب التي رفعها شباب الثورة المصرية, ولأجلها سقط الشهداء والجرحى.. هي مطالب قد يرى البعض أنها مصرية, لكنها - في حقيقة الأمر - لها انعكاسات إقليمية وإسلامية ودولية.
ويكفي أن نشير هنا إلى الخوف والذعر الذي أصاب الكيان الصهيوني, والقلق الذي أصاب الإدارة الأمريكية, خصوصاً على مستقبل القضية الفلسطينية, وملف الصراع
مع الصهاينة, ومآلات الأوضاع في ما لو وصلت الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم، لعلمهم أن صحوة مصر تعني صحوة العالم الإسلامي!
   
ورغم توافق المصريين في ثورتهم على أولوية القضايا الداخلية, وإمكانية نجاحها في تعجيل سقوط النظام, فإن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة في فعاليات الثورة المصرية المجيدة.

فمعاهدة كامب ديفيد, والتطبيع, وتصدير الغاز للعدو الصهيوني, والتواطؤ مع الصهاينة والإدارة الأمريكية على حقوق الشعب الفلسطيني, والصمت المخزي تجاه العدوان على غزة, والمشاركة في الحصار الظالم عليها, وإقامة الجدار الفولاذي العازل على حدودها، وهدم الأنفاق التي تُعدّ شريان الحياة للمحاصرين, واعتقال المجاهدين الفلسطينيين من أبناء حركتي حماس والجهاد، وغيرهما من الفصائل المقاومة, وإغلاق معبر رفح، وغير ذلك من الجرائم التي ارتكبها النظام المخلوع ، كل ذلك وغيره كان من الأسباب التي دعت المصريين إلى الثورة.

الشعب يريد إسقاط النظام, كان الشعار الحاسم الذي رفعته الثورة, وكانت كلمة «ارحل» هي فعل الأمر الذي وجهه الثوار إلى مبارك ونظامه الفاسد, وعندما تلكأ في تنفيذ ما أمره به الشعب, أعاد الثوار كتابة الأمر «ارحل» بكل لغات العالم، بما فيها اللغة العبرية, وكان شعارهم الذي حمل دلالة كبيرة: كلِّموه بالعبري... ما بيفهمشي عربي!

كانت الثورة المصرية من أروع الثورات الإنسانية التي شهدها العالم, بدأها الشباب وانضم إليها كل الشعب بمختلف أجياله وأطيافه وطبقاته, ثورة دعا إليها الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت, مستخدمين وسائل الإعلام الجديد وتقنياته, ووُظفت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية في تغطية فعالياتها لحظة بلحظة.

نجحت الثورة وسقط النظام, وخرج الملايين لتحتفل بجمعة النصر في كل المدن المصرية, وخطب الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في نحو أربعة ملايين احتشدوا في ميدان التحرير, وكانت فلسطين حاضرة أيضاً, حيث ذكر الشيخ بواجب الأمة نحو فلسطين وأقصاها, ودعا الله أن تكون جمعة النصر القادمة في ربوع القدس ورحاب الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي (صلى الله عليه وسلم).

كذلك طالب الشيخ القرضاوي بفتح معبر رفح وكسر الحصار المفروض على أهلنا في غزة.

الثورة المصرية صدّرت الرعب للعدو الصهيوني الذي عدّها مهدداً لوجوده, وسعى بكل الطرق لإجهاضها والحفاظ على نظام مبارك الحليف له, والذي وصفه أحد كبار المسؤولين الصهاينة بالكنز الاستراتيجي.

لقد حاول العدو الصهيوني مساعدة مبارك على البقاء, كما حاولت الإدارة الأمريكية وبعض الدوائر الغربية الالتفاف على الثورة، وشجعوا مبارك على إحداث إصلاحات سياسية تؤدي إلى الإبقاء على نظامه, وتضمن حماية المصالح الإسرائيلية والأمريكية, لكن إرادة الشعب كانت أقوى.

عادت مصر إلى دورها الذي اخُتطف منذ عقود, ونجحت ثورتها العظيمة التي سيمتد تأثيرها الإيجابي إلى المنطقة العربية والإسلامية عموماً, والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.

ربما تُشغَل مصر بعض الوقت في ترتيب البيت من الداخل, لكنها ستعود – بمشيئة الله – في القريب إلى أداء واجبها تجاه قضايا الأمة، وفي القلب منها قضية فلسطين والقدس وأهلنا في الشتات.