مجلة العودة

حتى نعود :اللاَّجئون الفلسطينيون.. بذور الحرب المقبلة

اللاَّجئون الفلسطينيون.. بذور الحرب المقبلة
 
 
عادل أبو هاشم 
 

عمل المشروع الصهيوني في فلسطين على محورين أساسيين: أولهما تغيير التضاريس الجغرافية للأرض، وثانيهما إزالة التضاريس البشرية للشعب بتفريغ فلسطين من أهلها لتصبح أرضاً بلا شعب.

وإذا كانت الأرض سلبية المقاومة إزاء التغييرات، فإن البشر يمتلكون كل عناصر المقاومة الإيجابية إذا توقدت لديهم إرادة التحدي والإيمان  بالحق.

إن المشهد الفلسطيني الجاري الآن يوصف بـ"إذابة شعب" و"اختلاق شعب"؛ فقد تحول 60% من الشعب الفلسطيني من أصحاب أرض إلى لاجئين مشتتين في أنحاء العالم، ويجري التخطيط لتوطينهم حيث حلوا، ليصبحوا في مرحلة قريبة "متوطنين متجنسين" لا حق لهم في العودة، بينما تحول الصهاينة من محتلين إلى مستوطنين.. إلى مواطنين.. إلى جيران.. إلى شركاء السلام والنماء!

قد يكون من نافلة القول التذكير بأن قضية اللاجئين الفلسطينيين كانت الرافعة التي حملت قضية فلسطين منذ نكبة عام 1948م.

فمنذ البدء، كان المخيم رمزاً للوجود الفلسطيني وتعبيراً عنه، وكان الحديث عن قضية فلسطين لا يحصل إلا من خلال الحديث عن المخيم، وحق العودة للاجئين هو المدخل للحديث عن الحقوق الوطنية الفلسطينية بكاملها.

وحين كانت إحدى وسائل الإعلام العالمية تتذكر وجود مشكلة اسمها مشكلة فلسطين، كان المخيم أو اللاجئ الفلسطيني هو المثال الناصع لهذه المشكلة.

لقد حمل اللاجئون المهجرون من قراهم، والمبعثرون في بطون الطرق، والمكدسون في الشاحنات وطنهم معهم أنّى رحلوا، وغرس هؤلاء اللاجئون أرضهم في كيانهم نفسه، وأصبحوا البدائل المؤقتة لهذه الأرض.

وكانت مأساة اللاجئين الفلسطينيين وبؤس مخيماتهم هي المادة المتاحة بين أيدي المؤسسات العربية الإعلامية والسياسية لتقديمها للرأي العام العالمي كدليل على أن الكيان الإسرائيلي ما زال يغتصب أرض فلسطين وحقوق شعبها.

لقد ظل المخيم الفلسطيني هو الذاكرة التي تختزن فلسطين بكل تفاصيلها.. أرضاً وشعباً وتاريخاً وذكريات، ويلقن الأجيال المتعاقبة دروساً يومية فتحفظها عن ظهر قلب. وكانت هذه الذاكرة هي النبع الذي غرف منه كل مبدعي فلسطين، ومحبي فلسطين ليصوغوا أجمل إبداعاتهم شعراً ورواية وتراثاً.

وقد برز المخيم واللاجئ كشاهدين رئيسيين على المأساة التاريخية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، ومن نفس الألم الذي أوجدته النكبة ظهرت بشائر المقاومة والفعل والثورة، وفي حارات مخيمات اللاجئين وأزقتها صاغ الفلسطيني وأبدع استراتيجيات بقائه ومقاومته على كافة المستويات النضالية والاجتماعية والثقافية. فالمخيم واللاجئ هما بكل تأكيد من أهم النتائج المستمرة عبر الزمن للنكبة، ووجودهما يمثل وجود مشكلة لم تحل بعد.

وطوال سنوات الثورة والنضال، تحملت مخيمات اللاجئين العبء الأساسي في صمود الكفاح المسلح وديمومته:

فيها شرارة الثورة.. ومنها زادها البشري.

لها الغارات والمجازر.. ومنها الشهداء واليتامى والأسرى والأرامل والثكالى.

بدمها كتبت شهادة ميلاد فلسطين من جديد.

وبصور شهدائها أعطت النضال الفلسطيني الزخم الثوري المتواصل.

ومثلما كان دور مخيمات اللاجئين في الخارج أساسياً في صناعة الثورة وصمودها واستمرارها، كان دور مخيمات الداخل في قطاع غزة والضفة الغربية مميزاً من حيث الأداء الكفاحي والعطاء والتضحيات طوال سنوات الاحتلال البغيض للأراضي المحتلة.

ومثلما حمل اللاجئون مشعل القضية في البدايات، فلهم أيضاً شرف صيانة راية النضال من السقوط على مدى عمر القضية، ومواصلة رفعها حتى النهايات.

 إن قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة لوطنهم من أهم القضايا التي يتمسك بها الشعب الفلسطيني، ولا يمكن أن يتنازل عنها أو يساوم عليها، رغم تجاهل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الاعتراف بأنها جوهر القضية الفلسطينية والشرق الأوسط، وهي العنوان الأساسي والصحيح للسلام في الشرق الأوسط، وبدون عودة اللاجئين إلى أرض آبائهم وأجدادهم في فلسطين، لن تحل القضية الفلسطينية، وستبقى قضية اللاجئين قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة في وجه إسرائيل والعالم، وسيحمل هذا السلام المتهالك معه بذور الحرب المقبلة.