مجلة العودة

محمود الفطافطة : فلسطين عرفت الصحافة الإلكترونية مبكراً

محمود الفطافطة : فلسطين عرفت الصحافة الإلكترونية مبكراً
الإعلام الجديد يتولى الآن إعادة تشكيل العقل الإنساني وطرق تفكيره

الضفة الغربية/ قيس أبوسمرة
 

رصد الباحث الفلسطيني والإعلامي محمود الفطافطة واقع الإعلام الجديد في ظل المتغيرات الإقليمية، والتزايد الكبير على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف القضايا.

وألف الفطافطة الذي يدير مكتباً إعلامياً ويعمل معيداً في كلية الإعلام التابعة لجامعة القدس عدداً من الكتب، كان آخرها «علاقة الإعلام الجديد بحرية الرأي والتعبير في فلسطين ـ الفيسبوك نموذجا»، العودة التقت الباحث وكان لها هذا الحوار:

إلى أيّ حد يمكن الإعلام الجديد أداء دور المقرر للسياسات، سواء ما يخص المجتمع أو ضد الحكومات؟

لا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا إن الإعلام الجديد يتولى الآن إعادة تشكيل العقل الإنساني وطرق تفكيره وتوسيع نطاق الاتصال والتواصل والتأثر والتأثير. فظهور الشبكات الاجتماعية أسهم في تغيير ملامح الحياة بنحو ملموس في كثير من المجتمعات الإنسانية. فشبكة الفيسبوك، مثلاً، أصبحت تستقطب أعداداً هائلة من المشاركين الذين يعتمدون عليها في التواصل والتعبير عن أنفسهم وآرائهم ومشاعرهم بشكلٍ صريح وفاضح أحياناً.

فشبكات الإعلام أصبحت تمثل في بعض أبعادها مشروعات هادفة ودعوة إلى التغيير الاجتماعي والفعل العام المشترك وتوحيد الجهود والاستفادة من مختلف التخصصات العلمية والتكنولوجية في تحقيق تلك الأهداف، وتعمل بالتالي على حدوث ثورة جديدة في العالم من طريق استقطابها لتلك الملايين العديدة من البشر الذين لم يكن لهم سوى دور هامشي في الحياة، فأصبحوا يناقشون مشكلات المجتمع والإنسان والعالم بأسره، ويتبادلون في ذلك مختلف الآراء والخبرات، ويؤلفون قوة فعالة من الرأي العام العالمي، قادرة على تغيير النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي كانت تنفرد بصياغتها النخبة أو الصفوة مع إنكار حق الأغلبية العظمى من البشر العاديين في المشاركة في رسم السياسات التي تؤثر في حياتهم وتحدد مصائرهم. وربما كان ذلك يمثل أهم وظيفة يمكن أن تقوم بها تلك الشبكات؛ فهي وظيفة تعطي الإنسان إحساساً بآدميته ووجوده كإنسان معترف به وله دور ايجابي في الحياة.

هذه الشبكات الاجتماعية تؤلف الآن ما يعرف باسم «الرقابة الناعمة»؛ لأنها تقوم بالفعل بهذا الدور المؤثر من دون الاصطدام العلني العنيف مع السلطات القمعية أو الفئات الفاسدة في المجتمع، وهو دور رقابي سياسي واجتماعي في المحل الأول، كثيراً ما تعجز عن القيام به وسائل الإعلام الأخرى أو التنظيمات السياسية المعارضة.

ومهما اختلفت الآراء بشأن فاعلية تلك الشبكات وجدواها وأخلاقياتها وانحراف بعض المشاركين فيها، فإنها تساعد بنحو أو بآخر في القضاء على السلبية واللامبالاة التي يبديها بعض أفراد المجتمع في العالم الثالث بوجهٍ خاص إزاء الأوضاع المتردية التي يعيشون فيها وتتيح لهم كل إمكانات التعبير بصراحة وجرأة عن رأيهم في تلك الأوضاع والمسؤولين عنها وطرق التخلص منها.

هل بات الإعلام الجديد في فلسطين قادراً على فعل شيء كما فعل في دول عربية، مع أنه حتى اللحظة، رغم المحاولات، لم يستطع دفع القيادة الفلسطينية للمصالحة؟

فلسطين عرفت الصحافة الإلكترونية مبكراً، إذا ما قورنت ببعض الدول العربية الأخرى. ووظفت الإعلام الجديد في التعبير عن الذات وتوصيل الأفكار السياسية والدعائية، سواء من قبل المؤسسات الرسمية أو الأحزاب والفصائل والمواطنين الذين أصبحوا متلقين ومنتجين معاً في هذه الوسيلة الإعلامية الحديثة. وظروف الاحتلال الإسرائيلي التي يعانيها المواطن الفلسطيني والتي جعلت منه ـ ولو عن غير قصد ـ مواطناً ناشطاً وفعالاً.

وحسب وجهة نظر عدد من المتخصصين فإن تقنيات الإعلام الإلكتروني والإعلام الجديد أتاحت فرصة كبيرة لتوسيع دائرة التفاعل الإعلامي والجماهيري، ووفرت لكل شخص أن ينشر كتاباته بسهولة بالغة. ويذكر أن طبيعة الظروف في عالمنا العربي تُكسب الإعلام الجديد أهمية مضاعفة، ليس على مستوى الأفراد وحسب، وإنما على مستوى الجماعات والتنظيمات، حيث تفتقر وسائل الإعلام العربية إلى القدرة على استيعاب ما يخالف، مبيناً أن الإنترنت شكلت بالنسبة إلى الشعوب العربية ميلاد مرحلة جديدة تحمل فرصاً لم تكن في الحسبان؛ فقد استطاع الرسام ـ على سبيل المثال ـ أن يعرض لوحاته التي لم يكن بإمكانه إقامة معرض فني لها. كذلك كانت هناك مناطق محرومة تسليط الضوء الإعلامي على مكنوناتها، فوجدت في الإنترنت خير ناشر لها، وهناك أيضاً أصحاب قضايا وجدوا في الشبكة العنكبوتية خير وسيلة للتعريف بقضاياهم.

ما هي الإمكانات التي يوفرها الإعلام الجديد؟

بخصوص الإمكانات التي وفرتها تقنيات الإعلام الجديد فهي كثيرة ، يتمثل أهمها في مجال النضال السياسي عبر تسهيل سرعة الاستجابة للأحداث السياسية، والرد السريع على التحديات، وسهولة الحشد الجماهيري في سرعة قياسية. ولم يعد الأمر ـيحتاج إلى سيارات تحمل أبواقاً وتجول في المدن لدعوة الناس إلى مسيرة، أو إنفاق مبالغ طائلة لترويج حدث معين، بل أصبح الأمر مجرد تحرير رسالة تعبئة واستنفار، وإرسالها إلى العناوين الإلكترونية لآلاف الناس في لحظة واحدة. ورغم أن أنظمة الاستبداد في العالم العربي تراقب وتضيّق على الإمكانات الجديدة التي يوفرها هذا الإعلام الجديد بدواعٍ شتى، إلا أن هذه «الفورة» الإعلامية الجديدة غيرت صورة العالم وكسرت حواجز الزمان والمكان. لذا، إن القوى المجتمعية كافة مدعوة إلى الاستفادة من هذه الثورة إلى أقصى الحدود في مجالات التنظيم والاتصال والإعلام والنضال السياسي وغير ذلك من جوانب معترك الحياة.

ما المخاطر التي يمكن أن تحذر منها للاستخدام الكبير لهذا الإعلام؟

إن الباحثين في التقنيات الجديدة للاتصال والإعلام لم يُسقطوا الأبعاد التي تمخضت عن هذه التقنيات. ففي كتابه (التكنولوجيا الجديدة للإعلام والاتصال) يناقش «فضيل دليو» في جزء يسير من كتابه الهويات الافتراضية لمستخدمي الوسائط الاجتماعية، حيث يبين أن التوقعات تشير إلى أن عدد سكان العالم سيبلغ في عام 2026 نحو 8 مليارات نسمة، من بينهم ثلاثة مليارات سيكونون من مستعملي شبكة الإنترنت. وبما أنه يمكن كل واحد منهم أن يستعمل عدة «هويات إلكترونية» (تمويهاً ووقاية، عن حسن أو سوء نية، عن قصد أو نسياناً)، فمن المؤكد ـ وفق دليو ـ أن توجد عبر الشبكة مليارات من الشخصيات الوهمية أو الهويات الافتراضية، ما قد يطرح عدة مشاكل في تسيير هذه التعددية التعريفية عبر الشبكة ويؤدي إلى سنّ قوانين تسمح بتتبع الهويات «الميتة» (المتخلى عنها)، أي وضع سجل مدني للشخصيات الافتراضية بغية رصد ولادتها ووفاتها.

وتعدد الهويات الافتراضية للأفراد سيسمح لهم بتوفير حكاية حياتهم الخاصة عند الحاجة مع استمرار تواصلهم الإلكتروني، مبيناً أن عالماً من هذا النوع يقطنه أناس متعددو الهويات، ينمّ عن مخاطر عديدة؛ فقد تختلط على الفرد كثرة هوياته الافتراضية إلى حدٍّ لا يتحكم فيها، إلى جانب إمكانية أن تشجع هذه التعددية الافتراضية على التحايل على القانون، وبالتالي زيادة نسبة الانحراف والجريمة.

هناك تزايد كبير لاستخدام النساء للتدوين... كيف ترى ذلك؟

معظم النساء يشعرن بأنواع مختلفة من الرقابات أثناء دخولهن واستخدامهن هذه الوسيطة الإعلامية، أهمها: الرقابة الذاتية، الرقابة الاجتماعية، الرقابة الأمنية، الرقابة السياسية، الرقابة الأخلاقية، إضافة إلى الرقابة الدينية. وتشير الدراسة إلى أن الرقابة الذاتية تمثل الرقابة الأوسع والأخطر، بحيث لا تستطيع المستخدمات أن يتصرفن بحرية كاملة في الكتابة ونشر الصور وكتابة التعليقات بمعزل عن محيطهن الذي يضع محظورات كثيرة.

يعرض إبراهيم فرغلي في دراسته «المدونات الفلسطينية: باب الشمس» عدداً من المدونات الفلسطينية، ويعمل على تحليل مضمونها. ويشير الكاتب إلى أن هذه المدونات أتاحت فرصة لخطابٍ مختلف، وغير نمطي؛ يعطي صورة للحياة اليومية للفلسطيني، تختلف عن وسائل الإعلام التقليدية في أنها تقدم اليومي المعيش، في تفاصيله الدقيقة، تماماً كما فعل فيلم «باب الشمس» للمخرج المصري يسري نصر الله، المأخوذ عن الرواية التي تحمل الاسم نفسه للكاتب اللبناني الياس خوري. ويضيف فرغلي: «هذه المدونات، في مجملها، تقدم وجهاً مختلفاً لحياة الفلسطينيين اليومية، يكتبها أهل فلسطين أنفسهم بلا حسابات شخصية، ولا أهداف سياسية أو حسّ بالتعاطف أو الشفقة أو التلون حسب التوجه الحكومي. هذه التجارب، وإن كانت قليلة، لا تتاجر بالقضية الفلسطينية، وتقدم أصواتاً إنسانية، ترغب في أن تعيش يوماً حياة طبيعية».

وهناك دراسة غير منشورة تناولت دور المرأة، وخاصة الفلسطينية في فضاء الفايسبوك. تؤكد الدراسة المعنونة بـ(المرأة في الفايسبوك: علاقات سلعية ورقابات غامضة وتفاعل بلا فاعلية) أنه بغض النظر عن تناقضات المجال الافتراضي وطرق تحليله، فإن العالم الجديد المتمثل في الإنترنت وأجياله سيكون مساحات دخول جديدة للنساء، ستحمل إمكانية أن ينتقل معهن واقعهن الأصلي، الذي يعجّ بالتبعية والفوارق والاختلافات.

هل يلبي الإعلام الجديد هوايات الشباب الفلسطيني وحاجاته؟

ربما كانت دراسة (السياحة العشوائية عبر الإنترنت: دراسة في تفاعل الشباب الفلسطيني على الحيز العام الافتراضي) الوحيدة التي تطرقت إلى علاقة التقنيات الجديدة للإعلام بواقع الشباب الفلسطيني وطبيعة استخدامات هذه الشريحة لتك الوسائط، وخاصة المتعلقة بالفايسبوك. ومما جاء في نتائج الدراسة أن الشباب الفلسطيني استخدم الحيّز العام الافتراضي لتعويض حاجاته ومكبوتاته الاجتماعية والسياسية، معتقداً بذلك أنه سيغيرها على أرض الواقع. وتبين الدراسة أن الشباب الفلسطيني، بمجمله، لم يستفد من الحيّز العام الافتراضي للقيام بعمليات مناصرة ذات طابع جدي، أو للتحشيد ضد أو مع قضايا تهمهم. بل تبعثرت جهودهم، وخاصة مع الكمّ الهائل من التوجهات التي تتيحها الإنترنت. ويعود ذلك -وفق الدراسة- إلى عدم وجود إدارة حقيقية تنظمهم وتعبئهم في مسارات افتراضية معينة.