مجلة العودة

حق العودة عند الفصائل.. بين حتمية التحقيق والحلول الوسط

حق العودة عند الفصائل.. بين حتمية التحقيق والحلول الوسط
 
 
لبابة ذوقان وهبة أبو غضيب / الضفة الغربية
 
 لطالما تغنت الفصائل الفلسطينية على اختلاف ألوانها وتوجهاتها واختلاف برامجها السياسية بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم المحتلة منذ عام 1948، حيث لا تكاد تخلو مناسبة وطنية وجماهيرية إلا تصدح فيها حناجر قادة تلك الفصائل بتأكيد حق العودة واسترداد الأراضي وبيارات البرتقال التي سرقت من أصحابها في يافا واللد والرملة وعسقلان وحيفا وبيسان ومن كل قرية ومدينة فلسطينية تهاوت تحت نيران العصابات الصهيونية التي اغتالت جمال فلسطين وشوهتها بمستوطنات وأناس غرباء عن هذه الأرض.

"حق لا تنازل عنه، ولا تفريط بأحقية اللاجئين الفلسطينيين في كل أصقاع العالم بالعودة"، هذا ما تؤكده الفصائل الفلسطينية عادة، إلا أن واقع الحال يشي بأمور أخرى؛ ففي الخفاء، وتحت طاولة التنازلات، أسقط حق العودة من حسابات بعض تلك الفصائل، ليصبح بالنسبة إليها مجرد شعار رنّان تصدح به حناجر القادة في المناسبات الوطنية فقط لا غير! بينما يؤكد مراقبون وسياسيون تمسك فصائل أخرى بذلك الحق، ولا سيما الإسلامية، لأنه أمر عقائدي بالنسبة إليها.

 
 

حق ثابت

 
 

وإذا ما ألقينا الضوء على منظور أكبر فصيلين على الساحة الفلسطينية، فإننا سنوقن حجم التباين في وجهات النظر وفي حقيقة نظرتهم لذلك الحق ومكانته في برنامجها السياسي.

وفي ما يتعلق بمنظور حركة حماس لهذا الحق، فقد صنفته في برنامجها السياسي بأنه حق ثابت وأصيل ولا يمكن التنازل عنه أو التفريط به. هذا ما أكده النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس والمبعد عن مدينة القدس إلى الضفة الغربية أحمد عطون، الذي اعتقلته قوات الاحتلال أخيراً.

وقال عطون في حديث خاص لـ"العودة" قبل اعتقاله بأيام قليلة: "من الاستحالة تغيير موقف حركة حماس تجاه حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم؛ فنحن لا نستطيع خذلان كافة اللاجئين الذين ما زالوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم؛ فهم جزء من هذا الشعب".

وفي تعليقه على إمكانية تلاشي حق العودة وضياعه بعد إعلان الدولة، وبعد أن أسقطت الدولة من حساباتها أراضي الـ48 وإعلان قيامها على 22% من فلسطين التاريخية، أكد عطون أن حق اللاجئين بالعودة ليس مرهوناً للقرارات الأممية المختلفة التي يمكن أن تؤذي الشعب الفلسطيني".

وأوضح أحمد عطون أنّ عدم تأييد حركة حماس، وصمتها عن قرار الاعتراف، لا يعنيان أنها اعترفت بوجود حق لإسرائيل، مؤكداً أنها ردة موقتة إلى أن تُحرَّر الأراضي الفلسطينية، ويعود كل فلسطيني إلى بيته، على حد تعبيره.

وأضاف: "إن حركة حماس جسدت موضوع اللاجئين من خلال التظاهرات السلمية التي انطلقت في الأردن ودول الخارج والداخل، والتي شارك فيها العديد من قيادات حماس، مطالبة بحق العودة، وما زالت تذكر هذا الحق في كافة ورش العمل، وكل مناسبة للنكبة والنكسة؛ فنحن لا نستطيع نسيان اللاجئين وحقهم".

وذكر عطون أن الفصائل الفلسطينية لم تسقط خيار العودة في كثير من مواقفها، لكنها لم تعطه حقه الذي يحتاجه في نشاطاتها وفعالياتها، إضافة إلى أن كافة الفصائل بحاجة إلى خطة شاملة لإعادة ثوابت حق العودة وبرمجة أولوياتها نتيجة المتغيرات الدولية.

وفي سؤال "العودة" لأحمد عطون عن سبل تحقيق العودة من وجهة نظر الحركات الإسلامية، شدد على أهمية وضع خطط استراتيجية صحيحة بأن تعود فلسطين محررة رغم كل محاولات الطمس، ما زال الفلسطيني مدافعاً؛ فهو بحاجة إلى دعم من كافة الجهات الفلسطينية، مؤكداً أنه "يمكن إحداث تغييرات من خلال الحراك السياسي وتحقيق واقع العودة لا (حلم)"، مكرراً أنّ "من لا يستطيع تحرير فلسطين والدفاع عنها لا يستحق العيش فيها".

 
 

فتح: الدولة لا تسقط حق العودة

 
 

وبالانتقال إلى الطرف الآخر الذي يحاول، ولو ظاهرياً، إظهار تمسكه بحق العودة رغم الحقيقة على أرض الواقع التي تشكك بوضوح رؤيته لهذا الأمر، أشار القيادي في حركة "فتح" تيسير نصر الله، إلى أن حركة "فتح" تحاول التمسك بحق العودة في مؤتمراتها وأدبياتها الثقافية ولقاءاتها الصحفية، قائلاً إنّ "حق العودة هو حق تقرير المصير، ولا يزال هذا الحق ثابتاً وراسخاً، وتعدّه "فتح" جوهر القضية الفلسطينية".

ولفت القيادي في "فتح" خلال حديثه مع "العودة" إلى أن قرار الاعتراف بالدولة ليس له أي علاقة بإسقاط حق اللاجئين، متذرعاً بأنّ قرار الاعتراف صدر عن جمعية الأمم المتحدة، وهي الجمعية نفسها التي أصدرت ضمان حق عودة اللاجئين وتعويضهم، ولا يمكن إسقاط أهم حق من حقوق الشعب الفلسطيني، على حد تعبيره.

وأضاف تيسير نصر الله أن أحقية عيش الفلسطينيين لن تكون على حساب اللاجئين، وأكد أن هذا الحق بحاجة إلى توعية وترسيخ من الفصائل، ومن ضمنها "فتح"، قائلاً: "وبالأخص لأنه ما زالت هناك خشية لدى البعض من إلغاء قرار العودة، ويجب علينا توعية الفصائل الفلسطينية والتمسك بحق اللاجئين".

وبيّن نصر الله أن محاولات العودة كانت وما زالت جادة حتى الآن، ولكونه لاجئاً، يرى أنه لن يضيع حق أي شخص ما زال يطالب بحقه، وما زالت المفاوضات العقيمة مستمرة، ولن تنتهي حتى يتحقق حلم العودة.

 
 

العودة جوهر القضية

 
 

 وبإلقاء النظر على مكان حق العودة والحيّز الذي يشغله في برنامج القوى اليسارية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نموذجاً، نجد أنها تؤكد أحقية اللاجئين في العودة إلى أراضيهم التي هُجِّروا منها عام 48. هذا ما أكدته عضو القيادة السياسية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والنائبة في المجلس التشريعي عن الجبهة، خالدة جرار.

وقالت جرار في حديث خاص بـ"العودة": "مفهومنا لحق العودة هو عودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التي هُجِّروا منها، وهو حق يجب عدم المساس به؛ لأنه جوهر القضية الفلسطينية".

وأشارت جرار إلى أن الكيان الإسرائيلي قام على أنقاض القرى التي طرد أصحابها منها، وأضافت أنّ "العودة هي حق فردي وجماعي، ويجب عدم التفريط به أو التنازل عنه، كذلك إن الجبهة ترفض مبدأ التوطين أو إعادة اللاجئين إلى مناطق السلطة الفلسطينية؛ فكل فلسطيني يجب أن يعود إلى بلدته التي هُجِّر منها".

ولفتت إلى أن تحقيق هذا الحلم يأتي من خلال التمسك بحق العودة وعدم إسقاطه؛ فالفلسطينيون يملكون قراراً دولياً، هو القرار 194 الذي يؤكد حقهم بالعودة إلى بلادهم التي هُجِّروا منها، كذلك فإنه مطلوب أن يبقى هذا الحق جزءاً أساسياً من المطالب الفلسطينية، فضلاً عن وجود العديد من الأساليب والطرق التي يمارسها الشعب الفلسطيني لاسترداد أرضه والعودة إليها.

وفي ما يتعلق بالاعتراف بالدولة ومدى تأثيره وانعكاسه على حق العودة، أشارت القيادية في الجبهة الشعبية خالدة جرار، إلى أنه "لا أعتقد أن إعلان الدولة على أراضي الـ67 قد أسقط حق اللاجئين. من يرد أن يسقطه، فيلتحدث عن نفسه، لكن من منظور الجبهة الشعبية؛ فالدولة لا تسقط حق العودة، حيث إن الاعتراف بالدولة يأتي تحت إطار وطني لا يسقط هذا الحق. كذلك إن الصراع قائم حتى إنهاء الاحتلال وعودة كل فلسطيني إلى أرضه التي هُجِّر منها".

 
 

اختلاف واضح بمفهوم العودة

 

الباحث والإعلامي سليمان بشارات، أشار إلى وجود اختلاف واضح في مفهوم حق العودة بالنسبة إلى الفصائل الفلسطينية؛ فهناك من ينادي بإقامة دولة على مساحة فلسطين التاريخية كاملة، وهناك من يقبل التعايش مع الاحتلال والقبول بمساحة مجتزأة من فلسطين.

وأوضح بشارات في حديثه مع "العودة" أنه "في ما يتعلق بنظرة الفصائل الفلسطينية لمفهوم حق العودة، أتوقع أن هناك اختلافاً؛ فالبعد الفكري والمنطلقات لفصائل منظمة التحرير التي تنظر إلى إمكانية الحديث عن إقامة دولة فلسطينية على نسبة معينة من الأرض إلى جانب إمكانية التعايش مع "دولة الاحتلال" تختلف عنها في منطلقات الحركات الإسلامية التي تعتبر جميع أرض فلسطين إسلامية عربية بشكل كامل وجب تحريرها ودحر الاحتلال، هذا من حيث المنطلقات".

تابع: "إذا ما تناولنا الموضوع من جانب آخر، وهو الوسائل والأدوات، فإن هناك اختلافاً أيضاً بين فصائل منظمة التحرير التي تخلت تقريباً عن الكفاح المسلح، وتنادي بالانتفاضة الشعبية السلمية وبخيار المفاوضات خياراً استراتيجياً، وبين الحركات الإسلامية التي ما زالت متمسكة بخيار المقاومة والعمل المسلح لدحر الاحتلال".

 
 

توافق ظاهري فقط

 
 

وأشار الكاتب والمحلل السياسي خالد العمايرة، إلى أن نظرة الفصائل الفلسطينية على اختلافها تتساوى ظاهرياً فقط في ما يتعلق بحق العودة، إلا أن الأمر الواقع لا يعكس هذا الأمر.

وقال العمايرة في مقابلة خاصة مع "العودة": "منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" خاصة مستعدة للتوصل إلى حل وسط بشأن اللاجئين، يصار فيه إلى عودة عدد رمزي غير كبير من اللاجئين إلى أراضيهم في الـ48، وأعداد أخرى يجري توطينها بالدول المضيفة، وأعداد أكبر يجري توطينها بالدولة الفلسطينية، علماً بأنّ الدولة المحتملة لم تعد محتملة، نظراً إلى الاستيطان والتهويد الذي تتعرض له، وخاصة في مدينة القدس".

وأضاف: "أما في ما يتعلق بالفصائل ذات الاتجاه الإسلامي، فموقفها واضح ــ ولو ظاهرياً ـــ حيث ينبع من الأيديولوجية الدينية لها بعدم الاعتراف بـ"إسرائيل"، لأنّ مبدأها أيديولوجي مبنيّ على أنّ أرض فلسطين هي أرض وقف إسلامية لا تحق لليهود".

وفي ما يتعلق بقرار الدولة، وفي ما إذا كانت حركة "فتح" برئاسة محمود عباس قد تخلت عن حق العودة ولو بنحو ضمني غير واضح، قال العمايرة: "هذا الكلام صحيح من حيث الأمر الواقع؛ فالاعتراف بحدود الاعتراف الذي وقع بين المنظمة وإسرائيل في أوسلو لا ينصّ على أراضي الـ48؛ فقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية حينها بـ"إسرائيل" دون أن تعترف إسرائيل بفلسطين، كذلك اعترفت المنظمة بـ"إسرائيل" دون تحديد حدودها، وهذا يكتنفه الغموض، وهو غموض بطبيعة الحال يصبّ في مصلحة الطرف الأقوى".

وأكد الكاتب والمحلل السياسي أنّ "منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها محمود عباس و"فتح" يعرفون بقلوبهم وداخلهم أن أي اتفاقية مع الاحتلال لا تشمل حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم المحتلة عام 48، وما قاله أبو مازن على القناة العاشرة بأنه ليس له الحق بالعودة إلى مدينته صفد، إشارة مصغّرة إلى أن الفلسطينيين – وفقاً لعباس - ليس لهم الحق بالعودة إلى قراهم ومدنهم التي هُجِّروا منها، وهذا نوع من الكارثة على الفلسطينيين، وما قاله يُعَدّ بمثابة ارتكاب الفاحشة بحق القضية الفلسطينية".

وتابع: "ما يقوله قادة فصائل منظمة التحرير ما هو إلا خطابات وشعارات رنانة يقصد بها دغدغة مشاعر المواطنين، والإيحاء بأنّ فصائل المنظمة تتساوى بنظرتها إلى حق العودة مع الفصائل الإسلامية، وهذا يُعَدّ من وجهة نظري مزايدة سياسية لا غير".