مجلة العودة

رؤية: مسؤولية النكبة.. صهيونية بألوان مختلفة - حسن الباش

مسؤولية النكبة.. صهيونية بألوان مختلفة
 

حسن الباش/ دمشق

قد نختلف في قبول مصطلح النكبة أو رفضه. وقد ينظر بعضنا إلى ما جرى لشعب فلسطين على أنه أكبر مؤامرة يتعرض لها شعب في العالم المعاصر.

وإذا كنا نختلف أو نتفق فنحن مدعوّون دوماً لإعادة قراءة التاريخ وتقويمه في ضوء تجربتنا، لا في ضوء ما تعلمناه ولقّننا إياه ساسة العالم وزعماؤه أو ما كتبته كتب التاريخ هنا وهناك.

من هذا المنطلق، سنكتب التاريخ حسب ما تمليه علينا ضمائرنا أولاً وحسب ما جاءنا من الوثائق التي ظلت خافياً عنّا إلى أن ظهرت إلى الوجود في السنين الأخيرة.

بوادر النكبة

ولعل أول ما يبادر إلى أذهاننا ونحن بصدد إعادة صياغة التاريخ سؤال قد يطرحه الكبير والصغير، هو: من يتحمل مسؤولية نكبة فلسطين؟ بناءً على ذلك، إن الذي يتحمل هذه المسؤولية من المفترض أن يعاقب ويحارب مهما كانت صفته ومهما كانت مكانته السياسية.

وبالعودة إلى بداية بوادر النكبة، نرى أن الحركة الصهيونية غير اليهودية في أوروبا الغربية وأمريكا قد بدأت بالتفكير في نكبة أهل فلسطين منذ أن أفصحت الحركة البروتستانتية عن نيتها إعادة تجميع يهود أوروبا و«اختراع» وطن قومي لهم على أرض فلسطين. وعلى الرغم من أن هذه الدعوات بدأت منذ القرن السادس عشر ولم تنفذ إلا في منتصف القرن العشرين إلا أن الصهيونية البروتستانتية هي التي دفعت إلى «اختراع» الصهيونية اليهودية في أوروبا. وبمعنى من المعاني، يتحمل الغرب مسؤولية الفكرة الأولى لإنشاء وطن قومي لليهود وانتكاب شعب فلسطين جراء ذلك. هذا يجرنا إلى الأمام عبر عشرات السنين التي شهدت تطوراً ملحوظاً على الواقع. فمنذ عام 1840 ظهرت دعوات صهيونية على يد حاخام صربيا – يهودا القالي- وموشي لايب وغيرهما، تناشد العالم الغربي الضغط على العثمانيين بأي وسيلة كانت للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين. وظلت هذه الدعوات مستمرة إلى أن عقد مؤتمر بال، وكان زعيمه ثيودور هرتزل، الذي ابتدع الحركة الصهيونية المنظمة عام 1897. وعلى الرغم من ضعف الدولة العثمانية التي كانت فلسطين من ضمن سلطانها، إلا أن ضغوط البريطانيين والفرنسيين وغيرهما لم تنجح في إقناع الدولة العثمانية بالتخلي عن فلسطين أو أي جزء منها، مع وجود كمٍّ كبير من الإغراءات المالية المقدمة من الحركة الصهيونية ومؤيديها.

ولا بد هنا من أن نذكر أنه بسبب موقف السلطان عبد الحميد الرافض لمجرد فكرة الوجود الدائم لليهود في فلسطين، دبّر الغرب والحركة الصهيونية الانقلاب على السلطان عبد الحميد من خلال الاتحاديين وبعض الأحزاب التركية العلمانية.

وما إن انتصر الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، حتى ظهرت بوادر التطبيق العملي لهجرة اليهود الغربيين إلى فلسطين. ومع صدور وعد بلفور، أصبح واضحاً أنّ الخطر الداهم على فلسطين صار قاب قوسين أو أدنى.

العرب والنكبة

إن كل ما ذكرناه قد يكون معروفاً لدى مثقفينا وكتابنا. لكن الأمر الذي يجب أن ندرسه جيداً هو ما قدمه العرب آنذاك من تسهيلات لهجرة اليهود إلى فلسطين ومن ثم نكبة شعب فلسطين.

فمنذ عام 1917 أراد الإنجليز إرضاء أولاد الشريف حسين بإعطائهم بعض المناطق العربية ليصبحوا ملوكاً عليها، فوُعد الأمير عبد الله بأن يصنع إمارة شرق الأردن ومُنح فيصل العراق بعد أن طردته فرنسا من سورية. كل ذلك بشرط السكوت عن المخطط الغربي بجعل فلسطين وطناً يهودياً.

وتقول الوثائق إن الأمريكيين والإنجليز أقنعوا أحد ملوك جزيرة العرب بتأييد إقامة وطن لليهود في فلسطين، وخاصة عندما قابل الرئيس روزفلت هذا الملك على ظهر بارجة أمريكية في عرض البحر.

وترى الوثائق أن الملك فاروق، ملك مصر آنذاك، كان على علم تام بالمخطط البريطاني لإقامة كيان قومي لليهود على أرض فلسطين. ونعتقد أن المسؤولية الثانية لنكبة فلسطين تقع على الحكام العرب الذين أصبحوا حكاماً بعد أن تعاونوا مع الحلفاء لكسر الخلافة العثمانية الإسلامية التي رفضت مشروعات الصهاينة المستقبلية في فلسطين.

مسؤولية الجانب الفلسطيني

أما على الجانب الفلسطيني، فلا نكون مبالغين إذا قلنا إن الصراعات على زعامة الشعب الفلسطيني من قبل بعض العائلات الفلسطينية البورجوازية المعروفة والمتنفذة ساهمت إلى حد كبير في إضعاف الجانب الفلسطيني أمام قوة الحركة الصهيونية ونفوذها ومخططاتها التطبيقية لاحتلال فلسطين.

وفيما انطلقت ثورة الشيخ عز الدين القسّام في شمال فلسطين ووسطها، احتدمت الصراعات بين الزعماء الفلسطينيين في القدس وتركوا ثورة القسّام لمصيرها، ومن دون أن يلتفتوا إلى تلك الثورة والالتفاف حول الجهاد المسلح لمواجهة الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية التي راحت تكوّن النواة الأولى للمقاتلين اليهود في فلسطين.

التطبيق الصهيوني لنكبة فلسطين

منذ أن احتل البريطانيون فلسطين، راحوا ينفذون المخطط الصهيوني من خلال الهجرات اليهودية المتتابعة إلى فلسطين، حيث سلبت قوات الإنجليز الأراضي من أهلها الفلسطينيين وراحت تعمل مع قيادة الحركة الصهيونية على إنشاء مستعمرات صغيرة تنتشر هنا وهناك وتحاط بأسلاك شائكة، وتقام فيها معسكرات وبيوت ومواقع للحراسة والتدريب على مختلف أنواع الأسلحة. واتفقت القيادة الإنجليزية مع القيادات الصهيونية السياسة والعسكرية على أن تخرج القوات البريطانية في 15 أيار عام 1948، وفي اليوم نفسه تعلن قيادة الحركة الصهيونية دولة «إسرائيل» على أن تترك جميع مستودعات الأسلحة الإنجليزية لمنظمات الهاغانا وشتيرن وأرغون.

وفي الوقت نفسه، اتفقت بريطانيا مع الأمير عبد الله على أن تمنحه الضفة الغربية والقدس الشرقية ليعلن قيام المملكة الأردنية الهاشمية. وكان اليهود الصهاينة يعلمون بالأمر علم اليقين مع تخطيطهم المستقبلي لاحتلال الضفة والقدس عندما يصبحون قادرين على شنّ حرب احتلالية وتم ذلك في عام 1967.

بدءاً من الخامس عشر من شهر أيار، تشكلت قيادة عسكرية صهيونية واحدة لجميع المقاتلين اليهود الذين وصل عددهم آنذاك الى نحو 600 ألف مسلح من رجال ونساء.

وتلاحقت الأحداث بسرعة مذهلة وطبقت قوات الحركة الصهيونية وعصاباتها سياسة تمثلت بالآتي:

1- مهاجمة القرى الفلسطينية وإجراء مذابح جماعية في بعضها مثل مذبحة الطنطورة والطيرة ودير ياسين، ما أدى إلى فزع أبناء القرى وهروب النساء والأطفال إلى مناطق آمنة.

2-إشاعة هروب الآلاف من الفلسطينيين وترك أراضيهم قبل أن تسقط بأيدي العصابات الصهيونية.

3- إشاعة أن الدول العربية موافقة على طرد الفلسطينيين من ديارهم والاتفاق على استيعابهم فيها، وخاصة في الأردن.

4- إشاعة أن الأسلحة الفاسدة التي بأيدي القوات المصرية على جبهة الجنوب قد دمرت الجيش المصري تدميراً كاملاً.

5- إشاعة انسحاب الجيوش العربية التي دخلت باعتبار أن قادتها باعوا الأراضي الفلسطينية لليهود بثمن بخس، وخاصة في منطقة سهل الحولة وإصبع الجليل ومنطقة شمال جنين.

الغرب والمجتمع الدولي

وقد ساهمت عدة دول غربية، وعلى رأسها أمريكا، بإحداث النكبة من خلال الاعتراف السريع بدولة الكيان الصهيوني. وكان قد عُقد اتفاق سلفاً بين قادة هذه الدول والحركة الصهيونية على أن تعترف بإقامة دولة الكيان مباشرة وخلال أقل من ساعة. وهكذا حصلت النكبة. فهي نكبة ومؤامرة وتخاذل وبيع للحق الفلسطيني وأرضه.

لذلك نقول إن على الشعب الفلسطيني إعادة النظر في أسباب النكبة ومسببيها. إن الإنجليز يتحملون أكبر مسؤولية، وعلى الشعب الفلسطيني أن ينظر بعيداً جداً ويرسخ في أذهان أجياله أن بريطانيا ودول الغرب الصليبي تتحمل ما حدث لشعب فلسطين خلال 63 عاماً. وكذلك يتمثّل قادة العرب آنذاك المسؤولية الأخرى في نكبة فلسطين. لقد كانوا متآمرين أو متخاذلين، وفي كلتا الحالتين لن يترحم الشعب الفلسطيني عليهم ولن يسامهحم، بل يتركهم ليعذبهم الله العذاب الشديد لما فرّطوا به من أرض فلسطين المباركة.