مجلة العودة

الوضع الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان

الوضع الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان
 
 
العودة - خاص

الكتاب : إصدار مركز لزيتونة للدراسات والاستشارات

 أولاً: التكوين الاجتماعي للاجئين وولادة مجتمع اللاجئين الفلسطينيين

لقد كانت نكبة عام 1948 الحدث الأكثر تأثيراً في تكوين المجتمع الفلسطيني الحديث؛ فهي كانت قد قسّمته إلى الداخل والشتات، وجعلت الخيمة والمخيم مفردتين رئيسيتين في وعي هذا المجتمع ووجدانه. ومع انضمام النكسة إلى قاموس المصطلحات الفلسطينية عام 1967، انقسم الشتات إلى لاجئين ونازحين، وانقسم الداخل إلى داخل الأرض المحتلة عام 1948، وداخل في الضفة الغربية وقطاع غزة.
كان الفلسطينيون يميلون في رحلتهم من ديارهم إلى الاستقرار في أقرب مكان آمن، لتسهيل عودتهم التي كانوا يرونها قريبة، وهذا ما أدى إلى تهجير بعضهم مرتين أو ثلاثاً؛ فخلال حرب الـ48 التي استمرت 11 شهراً، خرج أبناء بعض القرى والمدن التي كانت تتعرض للهجوم إلى المدن والقرى المجاورة الأكثر أمناً، واضطروا إلى المغادرة من جديد حين امتدت الهجمات إلى هذه المدن والقرى، ليعبروا الحدود إلى البلدان المجاورة وليلحقوا بإخوة لهم كانوا قد تجشّموا عناء هذه الرحلة براً وبحراً منذ البداية في ملاجئهم الجديدة، حيث كانت السلطات المرتبكة الحديثة النشأة تحاول إدارة الأزمة، فتجمع المهجرون في أماكن وصولهم عبر الموانئ والحدود البرية الموقتة إلى حين إعداد مراكز استقبال موقتة أيضاً، لكنها أكثر تجهيزاً. وبعض هذه المراكز أخذت اللاجئين إلى أماكن أبعد عن مدنهم وقراهم الأصلية، حتى وصلت مخيماتهم إلى النيرب في ضواحي مدينة حلب شمال سورية على بعد 355 كم من وطنهم، وإلى المخيم نهر البارد شمالي مدينة طرابلس، على مسافة 145 كم من الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
شكّل لبنان الوجهة الأساس لفلسطينيي الشمال، فاستطلاع الرأي الذي أجراه مركز الزيتونة يشير إلى أن 95.5 % من سكان شمال فلسطين تعود جذورهم إلى مدن شمال فلسطين المحتلة وقراها، فيما كان 1.3% منهم فقط من يافا و3.3% توزعوا على باقي مدن فلسطين وقراها.
كان المجتمع الفلسطيني قبل النكبة مجتمعاً زراعياً في أغلبه؛ فمعظم سكان فلسطين تركزوا في القرى والمناطق الخصبة، بدءاً من الشمال والجبال الجليل، وفي جبال الضفة الغربية لنهر الأردن حيث يصل معدل تساقط الأمطار إلى 500 ملم سنوياً، وفي الأغوار التي ترويها مياه نهر الأردن وفروعه، وكذلك في السهل الساحلي المطل على البحر المتوسط. أما مدن فلسطين قبل نكبة عام 1948، فيمكن تقسيمها إلى قسمين أساسيين: الأول؛ كان المدن الداخلية مثل القدس والناصرة وصفد ونابلس والخليل وبيت لحم، وكانت تشكل مراكز حضارية يعتمد عليها سكان القرى المحيطة في الحصول على الخدمات والصناعات الحرفية، وفي تسويق محاصيلهم الزراعية وماشيتهم ومنتجاتها، فيما تعتمد هي على سكان القرى في الحصول على موارها الغذائية الأساسية وفي تجارتها مع المدن المحيطة والخارج، مستخدمة منتجاتهم، وكانوا يشكلون سوقاً مهماً لما ينتجه حرفيوها وأسواقها القديمة. ثلاث من هذه المدن الداخلية: القدس، الناصرة وبيت لحم تتمتع بقدسية دينية كانت تعطيها صبغة مميزة، وتضمن استمرار تدفق الحجاج والزوار عليها، وخصوصاً في فترات الهدوء والاستقرار السياسي. وكان بعض زوار تلك المدن، وخصوصاً القدس، يُسحَرون ببهائها وتأسرهم قدسيتها، فيقررون البقاء فيها ليندمجوا في نسيجها الاجتماعي ويزيدوه تنوعاً وثراءً. والقسم الثاني مكان المدن الساحلية التي كانت إلى جانب علاقتها مع قراها المحيطة مراكز تجارية واستيراد وتصدير، وكان عدد لا بأس من سكانها، بل ومن سكان قراها، يعتمدون على مهن البحر كالصيد والبحرية وصناعة القوارب وخدمة الموانئ. وكان لكل من عكا وحيفا وغزة موانئها، لكن ميناء يافا كان الميناء الأبرز، وكان من أكبر المراكز التجارية في شرق المتوسط. هذا التوزيع السكاني يظهر أن المجتمع الفلسطيني كان مجتمعاً زراعياً بامتياز، فكان يعتمد على زراعته، سواء في عيشه المباشر أو في صناعته وتجارته، وهذا ما جعل الأرض تحتل مكانة متميزة لدى الفلسطيني، فلاحاً كان أو ابن مدينة.
الإسلام كان ولا يزال مكوّناً أساسياً لوعي هذ المجتمع وانتمائه وقدسية الأرض التي يحيا فيها. كانت حاضرة في وجدانه، فضلاً عن أن فلسطين مليئة بالأماكن والمزارات والمقامات التي تذكّر بالكثير من الأنبياء والصحابة والصالحين الذين عاشوا فيها، وما ورثه من ذكريات الحروب الصليبية، والتحرير على يد صلاح الدين الأيوبي كانت ولا تزال حاضرة في عمرانه ومؤسساته، وحتى عاداته حتى عام 1948. وكان الاحتفال بموسم النبي موسى الذي سنّه صلاح الدين الأيوبي، أحد أهم النماذج للعادات التي ترسخت في الوجدان الفلسطيني لمئات السنين.
القبيلة والعشيرة والحمولة والعائلة، بحسب المكان الذي نتحدث عنه، كانت مكونات أساسية للمجتمع، ومؤسسات رئيسية في صناعة وعي الفرد والجماعة وصوغ حياتهم، وحل مشكلاتهم وصراعاتهم، أو حتى افتعالها، وكانت مصدراً أساسياً للمكانة والنفوذ والتقدير، كما هو معتاد في المجتمعات الزراعية والبدوية. ♦