مجلة العودة

الوظائف الإدارية في فلسطين ودور الصحابة فيها

الوظائف الإدارية في فلسطين ودور الصحابة فيها

إن عدداً من المؤسسات والنظم الإدارية وعلى رأس الهرم منها إمارة الجُند، التي استحدثها الخليفة الراشد عمر أثناء زيارته للجابية عام 18 هـ، قد أسهمت في تصريف شؤون جند فلسطين في تلك الفترة.. الخليفة عمر أوكل أمورها العسكرية إلى اثنين من القادة، لكل منهما الإمرة على نصفها، فجعل عبد الرحمن بن علقمة بن حكيم (عبد الرحمن بن علقمة بن الكناني) على نصفها وأنزله الرملة، وعلقمة بن مجزّز على نصفها الآخر وأنزله إيلياء (القدس).

وعلى الرغم من الثقة الشديدة التي أولاها الخليفة عمر لقائده أبي عبيدة بن الجراح، وبالرغم من الصلاحيات الواسعة التي منحه إياها، فإن هذا لم يمنعه من التدخل شخصياً في كثير من الأمور، ففي عام 17هـ/638م، قسّم الخليفة نفسه الأرزاق بين الجند، وهو الذي سمّى الشواتي والصوائف، كما عمد إلى سدّ فروج الشام ومسالحها.

وبفضل ما كانت تتمتع به فلسطين من منزلةٍ روحية ودينية لدى المسلمين، أولاها الخلفاء الراشدون، والأمويون من بعدهم، رعاية لم يلقها سواها من البلدان التي فتحوها، فانعكس ذلك إيجاباً على أوضاعها الداخلية. غير أنّ الأمر لم يكن يخلو أحياناً من بعض المنغصات والاضطرابات السياسية، بسبب الصراعات الداخلية على السلطة التي كانت تقوم في عاصمة الخلافة، والتي كانت تنتقل أصداؤها تلقائياً إلى الأمصار..

بعد وفاة أبي عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان في طاعون عمواس عام 18 هـ/639 م، عيّن عمر بن الخطاب، معاوية بن أبي سفيان والياً على الشام بدلاً من أخيه يزيد. وتمكن معاوية بدهائه من استمالة أهل الشام إليه، فأخلصوا إليه واستعان بهم في التصدي لخصومه السياسيين. ولمّا مات عبد الرحمن بن علقمة الكناني ضمَّ عمر عمله إلى معاوية، وبقي الحال على هذا الأمر حتى عام 25 هـ/645 م، عندما ضمّ الخليفة عثمان بن عفان فلسطين مرة أخرى إلى معاوية.

وكانت صلاحيات الوالي الذي يعينه الخليفة تتوقف على ما يرد في نص كتاب التعيين أو التكليف، ففي الشام أمَّر يزيد بن أبي سفيان على جُند دمشق وخراجه، وأمَّر شرحبيل بن حسنة على جند الأردن وخراجه.

وكان الخليفة حريصاً أشدّ الحرص على مراقبة ولاته، فاستحدث وظيفة جديدة مهمّةُ الموكّلِ بها تتبُّع أخبار الولاة والتحقق من الشكاوى التي تصله عنهم..

ونقل الثوار – الذين قادوا دفة الانقلاب الدموي ضد الخليفة عثمان – الحكم إلى الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي بدأ نشاطه بالولاة العثمانيين الأمويين الذين كانت سياستهم العامل الأول في تحريك الأهالي بالثورة ضد عثمان. ويأبى معاوية بن أبي سفيان العزل، ولا يكتفي بذلك بل يرفض بيعة علي بالخلافة، ويستقلّ بإدارة الشام على الحكومة المركزية..

ولم تنجُ فلسطين من أصداء هذا الانقلاب، فعمرو بن العاص كان قد لجأ إليها بعدما نأى بنفسه عن تلك الفتنة واعتزلها، ونزل في ضيعةٍ فيها تسمى (عجلان)، وظلّ فيها حتى مقتل عثمان، ونظراً لحاجة معاوية الماسّة إلى خدماته، استماله إلى صفه للوقوف ضد الخليفة الجديد الذي حاول عزله ففشل. وبقيت فلسطين مع سائر مناطق الشام تحت سيطرة معاوية أثناء حكم علي بن أبي طالب، ثمَّ تسارعت الأحداث وخرج معاوية إلى مصر مدعياً المطالبة بدم الخليفة عثمان المقتول والثأر له، لكنه فشل في الحصول على دعم سكانها لقضيته، فاضطر إلى مغادرتها والعودة إلى فلسطين مكتفياً بجلب بعض الرهائن ممن ساهم في الفتنة المذكورة وقتل عثمان، وسجنهم في مدينة اللد. غير أن هؤلاء الرهائن تمكنوا لاحقاً من الفرار، فتتبعهم المتولي على أمر فلسطين وقتلهم.

لم يقف أهالي دمشق وما حولها بمفردهم إلى جوار معاوية في صراع ضد الخليفة علي، بل كان لقبائل فلسطين دورٌ بارز في الإسهام بتعضيد معاوية في صراعه المذكور، فشاركت قبائل الأزد وكنان ولخم وخثعم مع القبائل القاطنة شرقي نهر الأردن كقضاعة ومذحج وهمدان وغسّان في القتال في صفوف معاوية..

وفي عهد الخلفاء الراشدين، استُحدِثت وظيفة القضاء في فلسطين في خلافة عمر، الذي عيّن قاضياً لجندها، ووظيفته بتّ المنازعات بين الأهلين، وقسمة المواريث، والنظر في قضايا الأحوال الشخصية. وراعى عمر في اختيار قضاته عليها أن يكونوا من أهل التقوى والورع، ومن أهل العلم بالفقه والفرائض، وكتب ذلك إلى واليه على الشام أبي عبيدة بن الجراح.

ولم يكتف الخليفة بإحسان اختيار القضاة على الشام وفلسطين، بل كان يبعث لهم بتوجيهاته وتعليماته التي تساعدهم على دقة الحكم وتحقيق العدالة بين الناس، ويعدّ الصحابي الجليل عبادة بن الصامت أول من ولي قضاء فلسطين.

وبالإشارة إلى ديوان الجند أو العطاء الذي أنشأه الخليفة عمر، فهو عربي لحماً ودماً في تنظيمه ولغته وإدارته، ومما يؤسف له عدم توافر إشارات إلى عمله في فلسطين زمن الخلفاء الراشدين والفرع السفياني من بني أمية، وأن أول الإشارات عنه تعود إلى زمن المروانيين وإن عماله كانوا من العرب.

وثمة إشارة إلى وجود بيت مال في فلسطين منذ عهد الخلفاء الراشدين، قد استولى عليه ناتل بن قيس الجذامي استولى عليه أثناء الاقتتال بين الخليفة علي ومعاوية، ولم ترد إشارات إلى عماله زمن الخلفاء الراشدين..♦